أيد مرور ثمانية أشهر منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، لا تزال البلاد بدون حكومة أو رئيس للجمهورية! إذ يمر العراق بواحدة من أطول أزماته السياسية، منذ الإطاحة بنظام صدام حسين بعد الغزو الأمريكي عام 2003، والتي تدفع به نحو نفقٍ مظلمٍ، يصعب التكهن بكيفية الخروج منه في المستقبل القريب.
ومما زاد الطين بلة، الخطوة التي أقدم عليها رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي البارز، مقتدى الصدر، خلال اليومين الماضيين، بتقديم نواب كتلته البرلمانية الذين يبلغ عددهم 73 نائبًا «سائرون»، استقالتهم من البرلمان، لتزداد الأمور تعقيدًا. فعلى مدار ثمانية أشهر حاولت النخب السياسية العراقية الخروج من هذه الأزمة التي نتجت عن الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي عُقدت ردًّا على مطالب الحركة الاحتجاجية واسعة النطاق، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فما الذي حدث منذ ذلك الحين؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لحل هذه الأزمة في العراق؟
البداية: نتائج الانتخابات البرلمانية المفاجئة
كان من المفترض أن يجري العراق الانتخابات البرلمانية الخامسة في ربيع عام 2022، لكن بعد اندلاع المظاهرات الحاشدة في أكتوبر 2019، والتي طالبت بإنهاء الفساد السياسي والمالي، والإطاحة بالنخب السياسية الحاكمة منذ الغزو الأمريكي للعراق فى عام 2003؛ أُجريت انتخابات مبكرة، بعد استقالة رئيس الوزراء حينها، عادل عبد المهدي في أواخر عام 2021.
Embed from Getty Images
وبالرغم من أن إجراء انتخابات مبكرة كان مطلبًا رئيسًا للحركة الاحتجاجية التي عرفت باسم «حركة تشرين»، فإن نسب التصويت فى هذه الانتخابات كانت أقل من المتوقع بكثير، إذ قدرت بـ41%، وكانت أقل من نسب التصويت فى الانتخابات البرلمانية لعام 2018.
لكن فى الوقت نفسه، حملت هذه الانتخابات بعضًا من المفاجآت؛ فقد فاز التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، بأكبر نسبة من المقاعد البرلمانية، إذ حصدت كتلة «سائرون» التابعة للتيار الصدري، 73 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا فى البرلمان العراقي، ويمكن القول إن النجاح الهائل للتيار الصدري كان متوقعًا بالنظر إلى التنظيم الدقيق للتيار الصدري قبل الانتخابات، والقاعدة الشعبية الواسعة التى تضم ملايين من أنصار مقتدى الصدر، واستغلال التيار الصدري لانخفاض شعبية منافسيه من الشيعة فى العديد من الدوائر الانتخابية، خاصةً بعد قانون الانتخابات الجديد، الذي قسَّم العراق إلى 18 دائرة انتخابية.
فى المقابل، كانت المفاجأة هي الهزيمة الكبرى التي منيت بها الأحزاب الشيعية الأخرى المتحالفة مع إيران، فقد خسر تحالف «فتح»، بقيادة هادي العامري، الذي يضم أغلب التيارات السياسية والفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران أكثر من نصف مقاعده، التي حصل عليها فى الانتخابات السابقة، واستطاع بالكاد الحصول على 17 مقعدًا فقط.
كما كانت المفاجأة الكبرى فى هذه الانتخابات، فوز عدد كبير من المستقلين والأحزاب السياسية التي انبثقت من رحم الحركة الاحتجاجية السابق ذكرها، فيما استعاد السياسي المخضرم ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي (2006 – 2014)، نجمه السياسي مرة أخرى بعد سنوات من أفول نجمه، واستطاع حزبه «ائتلاف دولة القانون»، الحصول على حوالي 30 مقعدًا.
استطاعت النخب السياسية العربية السنية فى العراق، من خلال الانتخابات الأخيرة، أن توحد صفوفها مرة أخرى بعد سنوات من التشتت؛ وجاء تحالف «تقدم» بقيادة رئيس البرلمان الحالي، محمد الحلبوسي فى المرتبة الثانية بعد كتلة «سائرون»، بحصوله على 32 مقعدًا، وبعد أسابيع قليلة من إعلان نتائج الانتخابات، دخل «تقدم»، فى تحالف مع الحزب السني الآخر «عزم» بقيادة رجل الأعمال السني خميس الخنجر، فى تحالف باسم «السيادة».
بعد تصديق المحكمة الاتحادية العليا العراقية على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية؛ لم تتقبل الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران، الهزيمة، واحتجوا على نتائج الانتخابات بزعم أنه جرى تزويرها، وحشدوا أنصارهم للاحتجاج في الشارع، وقدموا مئات البلاغات للطعن في نتائج الانتخابات.
لم تسفر جهود الأحزاب الشيعية الخاسرة عن اي شئ جديد، في المقابل، أعلن مقتدى الصدر، أنه ينوي بصفته الفائز الأكبر فى الانتخابات البرلمانية تشكيل حكومة «اغلبية وطنية»، وهنا كانت الطامة الكبري لخصومه الشيعة!
حكومة أغلبية! الصراع على تشكيل الحكومة
جرت العادة في عراق ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، أن تكون جميع الحكومات، حكومات «ائتلافية»، تشارك فيها جميع الأحزاب السياسية، لكن جاء مقتدى الصدر هذه المرة لينسف تلك الفكرة التى ظلت لسنوات طويلة بمثابة قانون غير مكتوب، واعلن انه وبناء على فوز التيار الصدري بما يطلق عليه «الكتلة البرلمانية الأكبر»، والتي يحق لها اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة المقبلة -وفقا لتفسير المحكمة الاتحادية العليا العراقية- أنه سيشكل «حكومة أغلبية» على عكس المعتاد.
ويعني إعلان مقتدى الصدر تشكيل حكومة «أغلبية»، تهميش باقي خصومه الشيعة المتحالفين مع إيران، ونتيجة ذلك، لقى اعلان مقتدى الصدر، معارضة شرسة من «الإطار التنسيقي الشيعي»، وهو مؤسسة تجمع كافة الأحزاب السياسية وأجنحتها المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران والمعتدلة، وجرى تأسيسها عقب الحركة الاحتجاجية في العراق، التى ظهرت فى أكتوبر 2019.
لم يقبل «الإطار التنسيقي الشيعي» تهميش مقتدى الصدر له، وتجريده من نفوذه السياسي ومصالحه الاقتصادية التي عمل على تأسيسها على مدار السنوات الماضية، في البداية حاول قادة «الاطار التنسيقي الشيعي»، التفاوض مع مقتدى الصدر من أجل دمجهم في الحكومة المقبلة، فوافق الصدر بشرط الا لا يكون لنوري المالكي وائتلافه البرلماني اي دور في الحكومة الجديدة!
تجدر الإشارة هنا إلى أن المالكي والصدر، خصمان لدودان منذ سنوات طويلة، إذ تعود الخصومة بينهما الى عام 2008، عندما قرر نوري المالكي الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينها، محاربة «جيش المهدي»، الفصيل المسلح الشيعي التابع لمقتدى الصدر والذي تأسس في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وكانت مهتمه طرد القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، ثم م يلبث أن تورط في حرب طائفية عنيفة بين عام 2006 الى عام 2008، ثم سيطر الفصيل في نهاية المطاف، على مدينة البصرة الغنية بالنفط، فقرر نوري المالكي آنذاك، إنهاء وجود «جيش المهدي»، ونجح في مساعيه بمساعدة القوات الأمريكية المتواجدة داخل العراق فى ذلك الوقت.
وبالعودة الى مفاوضات تشكيل الحكومة، رفض «الإطار التنسيقي الشيعي»، شرط مقتدى الصدر باقصاء نوري المالكي من الحكومة المقبلة، وبعد عدة مفاوضات بوساطة إيرانية لم يكتب لها النجاح، بدأ العراق في الدخول في أطول ازماته السياسية منذ عام 2003.
سلاح «الثلث المعطل» لإفشال انتخاب رئيس الجمهورية
بعد فشل المفاوضات بين «التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي»، أعلن مقتدى الصدر، عن تحالفه الثلاثي مع تحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي حصل على 30 مقعدًا فى الانتخابات الأخيرة – وهو الحزب الأقوى والحاكم في حكومة اقليم كردستان العراق – واطلق الصدر عليه اسم تحالف «إنقاذ وطن»، فأصبح عدد نواب التحالف الثلاثي في البرلمان حوالي 190 نائبًا.
وعليه استطاع نواب التحالف الثلاثي في يناير (كانون الثاني) 2022، انتخاب محمد الحلبوسي، رئيسا للبرلمان للمرة الثانية، وهو منصب مخصص للطائفة السنية العربية العراقية، ويعد اعلى منصب يمكن ان يصل اليه سياسي سني عراقي.
ثم تأتي الخطوة الثانية، بانتخاب رئيس الجمهورية وهو منصب شرفي بصلاحيات محدودة، ويذهب الى الطائفة الكردية العراقية، وبالتحديد «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ثاني أكبر الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق، وبعد انتخاب رئيس الجمهورية، يكلف الرئيس المنتخب حديثا رئيس الوزراء الذي جرى التوصل اليه بعد توافق الأحزاب – وهو منصب حصري للطائفة الشيعية – بالبدء في تشكيل الحكومة الجديدة.
في الأوقات العادية، كانت عملية اختيار رئيس الوزراء، هي الأصعب والأشق بعد أي انتخابات برلمانية عراقية، واطول فترة استغرقتها كانت خمسة أشهر على أقصى تقدير، لكن هذه المرة غير اى وقت مضى، إذ لم يستطيع البرلمان العراقي التوافق على رئيس الوزراء فقط، بل لم يستطيع انتخاب رئيس الجمهورية!
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لكي يجري انتخاب رئيس الجمهورية داخل البرلمان العراقي، فيجب ان يكون عدد النواب الحاضرين لجلسة انتخاب او اختيار الرئيس، 220 نائبا. ومن هنا لجأ «الاطار التنسيقي الشيعي» وحلفائهم إلى تعطيل هذه العملية عن طريق استخدام سلاح «الثلث المعطل»، وقاطعوا جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فلم يستطع التحالف الثلاثي، استكمال النصاب القانوني اللازم لاختيار رئيس الجمهورية.
وجدير بالذكر أن التحالف الثلاثي بقيادة مقتدى الصدر، رشح لرئاسة الجمهورية في البداية، هوشيار زيباري وزير المالية الأسبق، والذي ينتمي «إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني»، على عكس المعتاد من أن يشغل منصب رئاسة الجمهورية أحد الأكراد من «الاتحاد الوطني الكردستاني».
وعليه، دخل الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني فى صراع على منصب رئيس الجمهورية في الاشهر الماضية، فبعد سنوات من ذهاب المنصب الى «الاتحاد الوطني الكردستاني» بحسب الاتفاق المبرم بين الحزبين الكردين، والذي يتمثل في أن يحصل «الاتحاد الوطني الكردستاني» على منصب الرئاسة الفيدرالية (رئاسة الجمهورية العراقية)، مقابل أن يحصل «الحزب الديمقراطي الكردستاني» على الرئاسة الإقليمية (رئاسة حكومة إقليم كردستان)؛ قرر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» كسر هذا الاتفاق، والحصول على منصب الرئاسة الفيدرالية، مما جعل الصراع السياسي العراقي، يمتد الى المكون الكردي علاوة على الصراع الشيعي-الشيعي.
وبالعودة إلى هوشيار زيباري مرشح التحالف الثلاثي لشغل منصب الرئيس، فهو عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ووزير المالية الأسبق، الذي جرى اتهامه فى عام 2016 بارتكاب جرائم تتعلق بالفساد المالي، وتم سحب الثقة منه بالفعل، فرفض «الاطار التنسيقي الشيعي»، وحليفه الكردي «الاتحاد الوطني الكردستاني» إلى رفض ترشيح التحالف الثلاثي، لهوشيار زيباري، وتدخلت المحكمة الاتحادية العليا، ومنعت زيباري من الترشح لرئاسة الجمهورية.
Embed from Getty Images
وفي محاولة ثانية من التحالف الثلاثي للوقوف على مرشح لمنصب الرئيس، جرى ترشيح ريبر أحمد، أحد المنتمين أيضًا الى «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فلجأ الإطار التنسيقي الشيعي الى استخدام اداة «الثلث المعطل»، وقاطع الجلسة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، وقد نتج عن لعبة «القط والفأر» بين مقتدى الصدر وخصومه الشيعة في الإطار التنسيقي، فشل عملية انتخاب رئيس الجمهورية حتى يومنا هذا، وبالتالى فشل اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، بالتبعية.
كانت محاولات اختيار رئيس الجمهورية قد جرت قبل شهر رمضان الماضي، ومع بدء اقترابه فى شهر أبريل (نيسان) 2022، لجأ مقتدى الصدر الى حيلة جديدة، وأعطي مهلة 40 يوما، تبدأ ببداية شهر رمضان وتنتهي بانتهاء عيد الفطر، لـ«الإطار التنسيقي الشيعي»، من أجل تشكيل الحكومة واختيار رئيس الجمهورية، وبالطبع لا يستطيع الإطار التنسيقي فعل هذا الامر، انه لا يمتلك النصاب القانوني من النواب لاختيار رئيس الجمهورية، كما لا يمتلك الصدر نفس النصاب القانوني ايضًا. وعليه علقت الأمور، ودفع الصراع بين النخب السياسية الشيعية، البلاد الى حالة من الجمود السياسي، الذي يصعب التكهن بسيناريو لإنهائه.
ومقتدى الصدر يوجه ضربة جديدة
على ضوء الخلفية السابقة، وبعد فشل جميع المفاوضات بين الإطار التنسيقي الشيعي والتيار الصدري، كما فشلت أيضًا الجهود الايرانية للتوفيق بين مقتدى الصدر وخصومه الشيعة المتحالفين مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، فى ظل غياب الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لـ«فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي سبق وأن لعب دورا بارزا فى التوسط بين الأحزاب السياسية الشيعية بحسب مسئوليين وسياسين عراقيين ...
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة أطول أزمة سياسية منذ الغزو الأمريكي هل وصل العراق إلى حافة الانهيار السياسي
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ أطول أزمة سياسية منذ الغزو الأمريكي هل وصل العراق إلى حافة الانهيار السياسي قد تم نشرة ومتواجد على ساسة بوست وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، أطول أزمة سياسية منذ الغزو الأمريكي: هل وصل العراق إلى حافة الانهيار السياسي؟.
في الموقع ايضا :