«أهلها فرغوا من الحساب!».. القاهرة في عيون رحالة العصور الوسطى ...الأردن

اخبار عربية بواسطة : (ساسة بوست) -

«أول ما شاهدت بين القصرين حسبت أن زفة أو جنازة كبيرة تمر من هناك، فلمَّا لم ينقطع المارة سألت ما بال الناس متجمعين للمرور من هنا، فقيل لي هذا دأب البلد دائما»*محب الدين الكركي  

كتب محب الدين الكركي عن هذا المشهد الذي أثار تعجبه أول ما دخل القاهرة قادمًا من مدينة الكرك في الأردن، كان ذلك عام 1390م، وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي السائد في مصر آنذاك؛ فإن الرجل لم يلحظ سوى نشاط كبير في الأسواق… حتى إنه لم يعرف بعد ذلك كيف يمشي في ذلك الزحام فقال «وما برحت أجد من الازدحام مشقة حتى أفادني بعض من أدركت أن من الرأي في المشي أن يأخذ الإنسان في مشيه نحو شماله».

وكانت عادات أهل القاهرة وما بدت عليه المدينة لافتةً لأنظار مَن زاروها في العصور الوسطى، والمفارقة أنهم كانوا من العرب والمسلمين، مع ذلك فقد بدت أوصافهم للمدينة الصاخبة مثيرةً بالفعل، خاصةً في أول مشهد رأوا عليه المدينة، فكانت كتاباتهم تشي بقدر الغرابة والاختلاف الذي عليه القاهرة؛ فكيف بدت القاهرة في عيون هؤلاء الزائرين؟ 

ابن جبير: حين كانت القاهرة لا تزال هادئة

«فَمِن أَحْسَنِ بَلَدٍ مَرَرْنَا علَيْه، موضعٌ يُعْرَفُ ﺑقَلْيوبَ، عَلَى سِتَّةِ أَمْيالٍ من الْقَاهِرة، فيهِ الأَسْواقُ الجمِيلَةُ، ومَسْجِدٌ كَبِير»

في وصفه لمدينة القاهرة لا نكاد نقف على الأعاجيب والمفارقات التي يتحدث عنها زائرو القاهرة دائمًا، إذ كانت المدينة في عصر الأيوبيين أكثر هدوءًا وأقل في عدد سكانها، ويمكن لمس هذا من سلاسة انتقال ابن جبير الأندلسي من الإسكندرية مرورًا بمدينة قليوب ثم القاهرة. 

Embed from Getty Images

أهرامات الجيزة

فقد قال عن القاهرة في كتابه رحلة بن جبير إنها: «مدينةُ السُّلْطَانِ الْحَفيلةُ المُتَّسِعَةُ»، وكتب عن الأهرام يصف عظمتها فقال: «تَرى الأَهرامَ القَديمةَ المُعْجِزَةَ البِناءِ، الغريبةَ المنظر، الْمُرَبَّعةَ الشَّكلِ، كَأَنها القِبابُ الْمَضْرُوبةُ قَدْ قامَتْ في جَوِّ السماءِ، ولا سِيَما الاِثْنانِ مِنها، فإِنَّهما يَغَصُّ الْجَوُّ بهما سُمُوًّا».

وأضاف ابن جبير: «قَدْ أُقيمتْ مِنَ الصُّخورِ العِظامِ المَنْحُوتَةِ، ورُكِّبَتْ تَرْكيبًا هائلًا، بديعَ الإِلْصاقِ دون أَن يتَخَلَّلَها ما يُعينُ على إِلْصاقِها، وَهي مُحدَّدة الأَطْرافِ في رأَى الْعيْنِ، ورُبَّما أَمْكَنَ الصُّعودُ إِليها، عَلَى خَطرٍ ومشَقَّةٍ؛ فَتَلْقَى أَطرافَها المُحدَّدةَ كأَوْسَعِ ما يكونُ من الرِّحاب، ولَو رام أَهلُ الأَرْضِ نَقْضَ بِنائِها لأَعْجزَهُمْ ذلك» ثم استعرض الأساطير التي دارت حولها من أنها كانت مدفن لقوم عاد، لكنه قال في النهاية، وبعد وصف كثير: «وبالجملة فلا يعلم شأنها إلا الله».

وكانت مآثر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي كان يحكم مصر في ذلك الزمن، على رأس ما تاق ابن جبير لتتبعه، والكتابة عنه فذكر مواقف عَدْل السلطان وحرصه على إيواء الغرباء الذين أقاموا في مسجد أحمد بن طولون «فأجرى عليهم الأرزاق» وساعدهم في التفرغ للعبادة فكانوا يرفعون أمرهم إليه مباشرةً.

كما كتب ابن جبير عما رآه في القاهرة من مساجد ومشاهد لأهل البيت، وذكر بناء القلعة والمرستان، دون أن يثير استغرابه أهلها، كما حدث مع الرحالة الذين قدِموا إليها في العصور التالية، وكان من اللافت بالنسبة إلى الرحالة الأندلسي في القاهرة هو أن القرافة بها مساجد كثيرة وأنها عامرة بالسكان فيأوي إليها العلماء والصالحون والفقراء والغرباء. 

ابن سعيد المغربي.. الشاهد على تحوُّلات القاهرة

«هذه المدينة اسمها أعظم منها»*ابن سعيد المغربي

أقام الرحالة ابن سعيد المغربي في القاهرة مرتين؛ كانت الأولى في أواخر العصر الأيوبي عام 1241م وحتى عام 1249م، وكانت الثانية بعدها بسنواتٍ في بدايات العصر المملوكي عام 1260م، حتى عام 1277م، وفي كتاب «الاغتباط في حُلى مدينة الفُسطاط» كتب ابن سعيد عن رحلته الأولى كيف بدت له عظمة القاهرة وفخامة مبانيها، وكانت حينها مقر سكن الطبقة الحاكمة فقط، ثم لاحظ في زيارته الثانية بعد زوال الدولة الأيوبية التحول التدريجي الذي حدث فيها؛ المناطق التي عرفها وكيف امتلأت بأنشطة تجارية وحرفية. 

كانت الأعوام التالية لسقوط الدولة الأيوبية، قد شهدت إنشاء حوانيت وإسطبلات في المناطق المجاورة للأزهر، ولاحظ ابن سعيد أن ميدان بين القصرين الذي كان ساحة واسعة مخصصة لتقديم العروض السلطانية «المكان المعروف ببين القصرين وهو من الترتيب السلطاني؛ لأن هناك ساحة متسعة للعسكر وللمتفرجين لم يعد كذلك» ووصف حال بين القصرين قائلًا:

«ثم تسير منه إلى أمد ضيق وتمر في ممر كدر حرج بين الدكاكين إذ ازدحمت فيه الخيل مع الرجالة كان ذلك ما تضيق منه الصدور وتسخن منه العيون». 

وصف ابن سعيد التغير العاصف الذي شهدته القاهرة، ووصف كثرة المسيحيين واليهود الموجودين في المنطقة، وكانت لهم ملابس تميزهم فيمكن معرفة عددهم بسهولة، إذ كان المسيحيون يرتدون الزنار في أوساطهم، أما اليهود فحملت عمائمهم علامة صفراء، ووصف ابن سعيد «رفاهيتهم» إذ ركبوا البغال ولبسوا ملابس ثمينة. 

وأشار ابن سعيد إلى الزحام الذي ترافق مع تحول القاهرة لمدينة كبيرة، كما لاحظ فيها تفسخ الأخلاق وانتشار إعلانات عن أماكن اللهو واختلاط الحابل بالنابل على حدِّ قوله، وأظهر قلقه من انتشار آلات الطرب ذات الأوتار وتبرج النساء.

 «أكثر دروب القاهرة ضيقة مظلمة كثيرة التراب والأزبال والمباني عليها من قصب وطين، مرتفعة قد ضيقت مسلك الهواء والضوء بينها»*ابن سعيد المغربي 

ويبدو أن ابن سعيد قد شهد بالفعل في تلك السنوات بداية ظهور السمة التي ميزت القاهرة طوال تاريخها «الزحام» وراح يكتب عن شعوره بالوحشة وضيق الصدر فيها، ويؤكد أنه لم ير في المغرب مثل تلك المباني، ويقول إن الإنسان يفقد فيها ذاته، فقد كان الرحالة المغربي قلِقًا بالفعل من سوء الأخلاق الذي بدأ يلاحظه في الأسواق.

«وهي (القاهرة) مستحسنة للفقير الذي لا يخاف على طلب زكاة، والفقير المجرد فيها مستريح من جهة رخص الخبز وجودته وكثرته وقلة الاعتراض فيما تذهب إليه نفسه، يحكم فيها كيف شاء من رقص في السوق أو تجريد [ارتداء ملابس رثة] أو سكْر من حشيشة أو غيرها أو صحبة المردان [الأشرار] وما أشبه ذلك بخلاف غيرها من بلاد المغرب» *ابن سعيد المغربي 

لكن رخص أسعار الخبز ليس كل شيء، فقد كتب ابن سعيد عن معاناة الناس في القاهرة من العطش، لكنه كما يذكر المؤرخ قاسم عبده قاسم في كتابه «عصر سلاطين المماليك»، لم يذكر وجود كثير من «الأسبلة»، وطواف السقائين في شوارع المدينة، على أن الرحالة الذي كشفت عيونه كثيرًا من عيوبها قدَّم وصفًا تفصيليًًا للقاهرة في تلك الآونة كما يؤكد المؤرخ المصري، ولم يغفل عن ذكر مواطن الجمال فيها فكتب عن المتنزهات والحدائق وكل ما لحظته عيناه.

ابن بطوطة.. بحثًا عن الجد والهزل في ربوع القاهرة

«هي أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر ومحط رجل الضعيف والقادر» *ابن بطوطة

بعد عقود قليلة وحينما استقرت أركان الحكم للدولة الجديدة وصل إلى القاهرة الرحالة المغربي ابن بطوطة، في عام 1325م، كان ذلك في عهد الناصر محمد بن قلاوون، وكانت حينها مدينة متألقة، ووصف ابن بطوطة مساجد القاهرة ومدارسها والقرافة والنيل وقال عن الأهرام: إنها بُنيت لتكون مستودعًا للعلوم ولجثث الملوك. 

Embed from Getty Images

مسجد السلطان حسن

القاهرة تاريخ حاضرة» فقد بالغ السلطان الناصر في التشييد والعمران، فكان يفتح مساحات جديدة أمام التزايد السكاني في القاهرة وظهر لذلك مشكلات أخرى تتعلق بالاتجاهات التي جرى التوسع فيها، والتبِعات الاقتصادية للمبالغة في تشييد المباني، لكن ذلك ظهر لاحقًا، أما المعاصر لتلك الفترة فكان محظوظًا برؤية الرخاء والرفاهية.

وهكذا كتب ابن بطوطة عن كثرة المدارس في مصر، وكيف أنها لا تكاد تُحصى، وكتب عن كثرة الزوايا وعن العادات الغريبة للمقيمين فيها، وعن المارستان الموجود بين القصرين والذي «يعجز الواصف عن محاسنه» وأكد أن فيه أدوية كثيرة أيضًا.

كما وصف ابن بطوطة القصور التي خصصت للأمراء وأعداد السقائين والمكاريين، والمراكب التي تمر في نهر النيل صاعدةً إلى الصعيد أو منحدرةً إلى الإسكندرية وهي تحمل أنواع الخيرات والمرافق كما رأى، وربما يلفت النظر في كتاباته إشارته إلى هذا التناقض الذي تحمله المدينة، وكيف أنها تضم شتى أنواع البشر.

«وبها ما شئت من عالم وجاهل، وجادٍّ وهازلٍ وحليمٍ وسفيهٍ ووضيعٍ ونبيهٍ وشريفٍ ومشروفٍ ومنكرٍ ومعروفٍ، تموج موج البحر بسكانها وتضيق بهم على سعة مكانها وأمكانها، شبابها يجد على طول العهد» 

أهل مصر إنهم ذو طرب وسرور ولهو، ومما أثار دهشته أنه رأى أهل القاهرة يحتفلون بمناسبة «برء الملك الناصر من كسر أصاب يده»  فزين أهلها الأسواق واستمر احتفالهم أيامًا.

ابن خلدون والقاهرة.. انبهار متبادل

«رأيت حاضرة الدنيا وبستان العالم ومحشر الأمم ومدرج الذر من البشر [مسالك النمل الصغير] وإيوان الإسلام وكرسي الملك» *ابن خلدون

بعد سنوات من التأرجح في بلاد المغرب والأندلس، وما حل بها من عدم استقرار وحروب سياسية ومؤامرات، انتقل ابن خلدون إلى القاهرة في عام 784هـ (1382م) ينشد الاستقرار، وقد سبقه إلى القاهرة سمعته بوصفه مؤرخًا وعالمًا معروفًا، وكانت المدينة مستعدة لاستقباله، ففتحت له أبوابها واحتفى به أهلها، وسلطانها الظاهر برقوق.

Embed from Getty Images

القاهرة

القاهرة وانهال عليه طلبة العلم، كما تولى مشيخة أكبر خانقاه فيها (خانقاه بيبرس) بعد يومٍ واحدٍ من زيارته، وبالقدر ذاته الذي انبهر به أهلها، انبهر المؤرخ الكبير بالقاهرة، وواقع حياة الناس فيها.

«أهل مصر يعيشون كأنما فرغوا من الحساب»*ابن خلدون

قبل سنوات من زيارته كان ابن خلدون قد شهد وصف السفير المغربي الذي أرسله سلطان المغرب للقاهرة، وقد راح يصفها له فيقول «إن الذي يتخيله الإنسان فإنما يراه دون الصورة التي يتخيلها لاتساع الخيال عن كل محسوس، إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يتخيل» وهو ما أكده ابن خلدون عندما شهد المدينة بنفسه.

كتب ابن خلدون في مقدمته عن أهل مصر «غلب الفرح عليهم والخفة والغفلة عن العواقب»، وحين تولى القضاء كتب عما شهده من تناقض أيضًا في أوساط عمله «كان البَرُّ فيهم مختلطًا بالفاجر، والطيب ملتبسًا بالخبيث».

الحسن بن محمد الوزَّان (ليون الأفريقي)

«من المشهور المؤكد أن القاهرة إحدى كبريات مدن العالم العجيبة»* ليون الأفريقي..«وصف أفريقيا» 

قام الرحالة المعروف بـ«ليون الأفريقي» برحلته إلى الشرق في عام 1517م، وكتب عن المدن المختلفة في كتابه «وصف أفريقيا» الذي صدر عام 1550م، تضمن وصفًا لعدة مدن أفريقية لم تكن معروفة في أوروبا من قبل، وتعود أصول ليون الأفريقي إلى مدينة غرناطة، وقد ولد فيها في السنوات الأولى لسقوطها في أيدي الملكين الكاثوليكيين، وقد نال شهرة كبيرة في الغرب بوصفه مؤرخًا وجغرافيًّا.

Embed from Getty Images

رسمة لشارع في القاهرة 1839 للفنان وليم جيمس مولر

وصل ليون الأفريقي إلى مصر في أواخر عصر المماليك، وذكر أن أهلها «ظرفاء وفضلاء» واستغرب أن طعامهم شديد الملوحة، وبعد تجوله في المدن شمالًا، خصص ليون فصلًا للحديث عن القاهرة مؤكدًا أنها إحدي كبريات مدن العالم العجيبة، وأنه سيحكي ما شاهده فيها «تاركًا جانبًا كل ما يذاع عنها من أكاذيب».

هكذا سجل ليون الأفريقي كل ما شاهده في المدينة، فكتب عن مبانيها وشوارعها، وفئات المجتمع فيها، كما كتب عن عادات سكانها وطوائفهم، فأكد أن أهلها ظرفاء ومرحون، وأن حديثهم ممتع، لكنهم لا يعملون كثيرًا على عادة المدن الكبرى.

الغريب أنه سجَّل ملاحظة حول الطلبة فأشار إلى عددهم الكبير؛ لكنه أكد أنه لا يستفيد منهم إلا النذر القليل، وأشار ليون الأفريقي أيضًا إلى الاحتفالات التي تُقام في ميادين القاهرة وكيف تحمل كثيرًا من الطرائف وتُستعرض فيها ...

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::

مشاهدة laquo أهلها فرغوا من الحساب raquo القاهرة في عيون رحالة العصور الوسطى

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ أهلها فرغوا من الحساب القاهرة في عيون رحالة العصور الوسطى قد تم نشرة ومتواجد على ساسة بوست وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، «أهلها فرغوا من الحساب!».. القاهرة في عيون رحالة العصور الوسطى.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة اخبار عربية
جديد الاخبار