في مشهد يومي، تدخل شريحة واسعة من اللبنانيين إلى المتاجر وفي جيبها رزمة كبيرة من أوراق الليرة لشراء القليل من حاجاتها الغذائية التي تشهد تضخما هائلا بالأسعار، وبعدما كانت ورقة 100 ألف ليرة مثلا تساوي قبل الأزمة نحو 66 دولارا وفق سعر صرف الرسمي 1500 ليرة، أصبحت قيمتها اليوم أقل من دولاراً واحداً!
حيث شهدت اسعار صرف الدولار في لبنان اليوم الاربعاء 15 مارس 2023،ارتفاعا كبيرا في مطلع التعاملات الصباحية، دخلت الليرة اللبنانية مرحلة جديدة من الانهيار، تمثلت بهبوطها التاريخي إلى مستوى 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد في السوق الموازية، وهو رقم جديد في مسار المعاناة الطويل الذي تعيشه العملة اللبنانية منذ نهاية 2019.
وسجل هذا المستوى القياسي في وقت استأنفت فيه المصارف إضرابا مفتوحا الثلاثاء. وكان سعر الصرف الرسمي حدد عند مستوى 15 ألف ليرة في مقابل الدولار في فبراير الماضي.الأزمة اللبنانية
وتشهد لبنان تدهور اقتصادي ومالي، تزامنا مع أزمة سياسية بسبب شغور رئاسي منذ 31 أكتوبر الماضي، بالإضافة لوجود حكومة تصريف أعمال تدير شؤون البلاد بصلاحيات محدودة تنفيذا للدستور، كل تلك العوامل سبب في انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية.
وتستمر الليرة اللبنانية في حالة التدهور بعد أن فقدت أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، وجاء ذلك أثناء وجود أزمة اقتصادية تشهدها البلاد، إضافة لوجود أزمة في مستوى المعيشة ونقص في الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء.
سئم اللبنانيون تداول عبارات على غرار "انهيار تاريخي وغير مسبوق لليرة أمام الدولار" بعدما أضحت يومياتهم أشبه بتمرين قسري على التكيّف مع تداعيات السقوط الحرّ لعملتهم الوطنية.
يقول مواطنون "هل كنا نصدق قبل أشهر فقط أن يبلغ سعر صرف الدولار 50 ألف ليرة؟" وها هو بغضون أيام يكسر عتبة 100 ألفا للدولار، في انفلات يعجز خبراء اقتصاديون عن توقع مآلاته مستقبلا في ظل الاستمرار بالسياسات النقدية عينها، وإطباق أفق الحلول السياسية والقضائية والخارجية كمعبر للجم هذا الانهيار.
هذا الواقع المرير، يشكل -وفق خبراء- تهديدا خطيرا للأمن الغذائي والاجتماعي، نتيجة موجة الدولرة الواسعة لأسعار السلع والخدمات مقابل التآكل المستمر في قيمة مداخيل الأسر واتساع رقعة البطالة والفقر المتعدد الأبعاد الذي يطال نحو 85% من الشعب اللبناني.
أسباب الانهيار المتواصل
وبدأت العملة في خريف 2019، بالتراجع نحو مستوى 2000 ليرة للدولار، لتستقبل عام 2020 عند مستوى 2300 ليرة للدولار، وتستكمل مسيرة السقوط، مسجلة 8500 ليرة للدولار في يناير 2021 وصولاً إلى مستوى 30 ألف ليرة في يناير 2022 ومن ثم 60 ألف ليرة للدولار في يناير 2023، لتسجل اليوم في 14 مارس 2023 مستوى تاريخي عند 100 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد.
يستيقظ اللبنانيون كل يوم على تقلبات سعر صرف الدولار، تنقله لهم تطبيقات إلكترونية غير شرعية تدير دفة السوق السوداء لعملتهم، وتتصاعد الأصوات من تداعيات ذلك، ويؤثر تلقائيا على سعر المحروقات المدولرة، ويدفع التجار إلى مضاعفة أسعارهم عشوائيا نتيجة غياب الرقابة الفاعلة من قبل مؤسسات الدولة.
ما يشهده لبنان اليوم من انفلات سريع لسعر صرف الدولار، فهو بحسب الخبيرة، نتيجة تضافر عوامل مالية واقتصادية وسياسية وقضائية وخارجية.
وترى الصحفية أن أحد أبرز هذه العوامل هو فشل غير معلن لمسار اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي، أو على الأقل طي صفحته حاليا، بالتوازي مع فتح ملف الفساد المالي في البلد.
"المركزي" يقف عاجزا
وأمام هذا الواقع، يقف المصرف المركزي عاجزا عن ضبط السوق، لأنه يتحرك وحده من دون مواكبة من قبل السلطة السياسية بإجراءات مالية واقتصادية وإصلاحية، وفقها.
من جانبه، يتوقع رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود أن تواصل الليرة انهيارها إلى هاوية لا قعر لها، لكنه يعتبر أن الإشكالية لم تعد بالمستوى الذي سيسجله سعر الدولار مستقبلا، بل بانعكاسات الوضع السياسي وانحلال الدولة، مقابل الاتكال على أموال المودعين في "المركزي" التي تتحكم بها سلة تعاميم وقرارات تحدد آلية استخدامها.
المستهلك يدفع الثمن
وتتأثر مختلف القطاعات والخدمات بارتفاع سعر صرف الدولار، خصوصا أن لبنان يقوم على استيراد أكثر من 90% من حاجاته الاستهلاكية والصناعية والغذائية والصحية.
ويعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن المستهلك النهائي، أي المواطن، هو من يدفع الثمن من جيبه لكل هذا الانهيار، مشيرا إلى أن حجم التضخم بالأسعار لمختلف السلع بلغ تراكميا منذ بدء الأزمة أكثر من 3000%، ويصف ذلك بالمؤشر الخطير، في ظل تعطيل مختلف مؤسسات الدولة الدستورية.
لبنان سيناريوهات الفوضى، بسبب غياب السياسات الاقتصادية المنتجة واستمرار نفس السياسات التي تعتمد على الاستيراد والاستهلاك.
ويؤكد برو أنه من خلال تتبع الجمعيات أن التجار والمستوردين يستغلون الفوضى لامتصاص جيوب الناس برفع الأسعار في سبيل مضاعفة أرباحهم وبناء ثرواتهم، مستفيدين من غياب منظومة الرقابة والعقاب، كما يحمل السلطات السياسية والنقدية والقضائية كل التداعيات الخطيرة التي تهدد لقمة عيش اللبنانيين وتزعزع أمنهم الاجتماعي.
مواضيع متنوعة:
محللون اقتصاديون يتوقعون انخفاضاً جديداً في الجنيه المصري.. ما السبب؟
الأسباب التي أدت إلى تدهور الجنيه المصري.. ومحللون اقتصاديون يصرحون: سنشاهد المزيد من التراجع للجنيه المصري أمام الدولار وقد يزيد خلال عام 2023.
رنا عادل
في الموقع ايضا :