وقبل وفاته بساعات قليلة كتب الراحل على صفحته بالفايسبوك يعلن للرأي العام عن مولود جمعوي ومسرحي جديد بدار الثقافة كاوكي أطلق عليه اسم” مركز 7 أمواج للدراسات والبحوث والتكوين لمهن المسرح والسينما والصناعات الثقافية والإبداعية”، غير أن القضاء والقدر لم يمهله حتى يحقق مشروعه المسرحي الجديد، حيث ودعنا الراحل بالأحضان مبتسما فودعناه بالدموع، في وقت كان يتطلع إلى اكتمال مشروعه الإبداعي من خلال أعمال مسرحية أخرى لم تر النور.
كما نعت نقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون الفنان حمبد بنوح عبر تعزية جاء فيها “الفنان المسرحي حميد بنوح إبن مدينة أسفي يغادر مسرح الحياة ويترك حي النوايل البائد بأسفي الجنوب مسقط رأسه في صمت، وبعد معاناة طويلة من الإقصاء و التهميش و العزلة، كان محبا للمسرح، ومحبا للمدينة المسرحية التي تخيلها و أراد الاحتفال بها في مسرحياته، و محبا لحاضرة المحيط مدينة أسفي فنيا وتراثيا، رحل حميد و في قلبه غصة كبيرة على هذه المدينة التي أقصيت من كل شيء، لم ينزل منزلته الحقيقية في الحياة، وهو الذي ترك بصمته المتواضعة كيفما كان أيام كانت له مسؤولية كمستشار، ولم يحظى بأي التفاتة إنسانية سواء محليا أو جهويا، عاش مع المسرح و المسرحيين سواء داخل الأقاليم أو على الصعيد الوطني، شارك في العديد من المهرجانات والتظاهرات الوطنية والجهوية وراكم العديد من التجارب المسرحية المهمة”.
ومثل كثيرين غيري فجعت بنبأ وفاة صديقي الفنان المسرحي حميد بنوح، بعد رحلة طويلة من العطاء الفني والمسرحي دامت أكثر من أربعين سنة، تاركا وراءه ذخيرة فنية هامة ستخلد اسمه طويلا ضمن سجل الفنانين المسرحيين المغاربة وأحد رموز الفن المسرحي وأعمدته بآسفي. هذا الرجل له بصمته في مجال اشتغاله، شاءت الأقدار أن يعمل بصمت وأن ينتقل إلى بارئه بصمت كما يرحل الطيبون، في عمر مازال قادرا على العطاء، ولا يعرف عنه الناس الشيء الكثير، خاصة أنه عاش وأنجز وأبدع إلى أن وافته المنية. فالرجل تغمده الله برحمته، بسيط جدا ومتواضع، لا تفارقه البشاشة أبدا، أحب الناس وأحبه الناس، سيفتقده كل محبيه وعارفي مكانته وفضله، ما أن تجلس إليه إلا ويأسرك بثقافته الرفيعة وتواضعه وأدبه الجم وشعبيته الواسعة بين الناس.
في اعتقادي أن الوفاء أسمى من الرثاء، والوفاء يملي علي ككاتب وصديق للراحل، أن أفتح بعضا من سيرته الذاتية والإبداعية غير المعروفة عند الكثيرين. وأكتب هذا البورتريه بعدما تأملت مشهدنا المسرحي وواقع التهميش الذي يعيشه رموزه واعمدته، وأيقنت أن هذا الرجل أحد مؤسسيه ورواده وسدنته الأوفياء، وبعدما انتظرت طويلا أن تلتفت وزارة الثقافة خاصتنا إليه كمسرحي كبير، ككاتب ومؤلف ومخرج وكمناضل كبير، أكتب حينما رأيت وزارتنا تكرم المسرحيين المغاربة، مشكورة، ولسنوات طويلة لم يتكلم أحد عن هذا الحيف الذي يطال الرجل، لأن التكريم في جوهره ليس درعا ماديا ولا قيمة مالية، وإنما هو عرفان بالجميل واعتراف بالعطاء وإنزال للفنان منزلته التي يستحق. ولأنني على يقين بأن وزارة الثقافة والقائمون عليها لا يعرفون الرجل، وإن كان يتمتع ببطاقة فنان، ولم يطلعوا على تاريخه الفني وعلى أعماله الكبيرة التي بصمت المسرح المغربي لعقود من الزمن، فإنني أجد نفسي ملزما، بحكم الزمالة والصداقة، أن أذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين.
كان الراحل عضوا نشيطا في عدد من الجمعيات الفنية والمسرحية بآسفي، ممثلا ومؤلفا وسنوغرافا ومخرجا ومؤطرا، ومكتشفا للمواهب المسرحية، مثل جمعية “الوداد” المسرحي وجمعية “التواصل” وجمعية “سبع امواج” وفرقة جسور وغيرها. تتلمذ الراحل على يد الأستاذ محمد كربوش في العمل الجمعوي والمسرحي منذ سنة 1981. شارك في أكثر من 34 عمل مسرحي كممثل وكاتب ومخرج سواء في مسرح الشباب أو الهواة أو مسرح المحترفين. حقق بواسطة مسرحيتيه “بير لعيوط” و “سير ألبحر” أكثر من 80 جائزة وطنية ودولية. كما شارك أيضا في أكثر من مائة مهرجان وطني ودولي. كما كان عضوا بنقابة المسرحيين المغاربة وعضوا بمكتبها التنفيذي والإقليمي.
يذكر أن فرقة “سبع امواج المسرحية” في مسارها المسرحي، حصلت على أزيد من 15 جائزة وطنية بواسطة مسرحيتها “سير ألبحر حتى عام آخر”، كما حازت على 10 جوائز من خلال مسرحيتها ” ولكن “، كما حطمت أرقاما قياسية غير مسبوقة من خلال مسرحيتها الناجحة “بير لعيوط” بحصولها على 25 جائزة وطنية، في ملتقيات وطنية ودولية، لتصبح محصلة الفرقة منذ تأسيسها حوالي 50 جائزة في العديد من الملتقيات الوطنية والدولية.
وكانت آخر أعمال الفنان بنوح مسرحيته الناجحة ” ليلة الرفسة”، وهو عمل مشترك من تأليف وإخراج حميد بنوح وفكرة وموسيقى حسن بلا. المسرحية مستوحاة من أحداث الأزمة المالية جد الخانقة للمغرب. فبعد وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894، تولی ابنه المولى عبد العزيز العرش وهو طفل في الحادية عشرة سنة من عمره، الشيء الذي جعل الصدر الأعظم الوزير أبا احماد يغتنم الفرص ويعيث في الأرض فسادا وطغيانا. لم تستطيع القبائل الصبر على المذلة والفقر، فاختارت سبيل الثورة والتمرد. وما زاد الطين بلة هو نهج المخزن سياسة فرض الضرائب على المواطنين عله بذلك ينقذ خزينة البلاد المفلسة، الأمر الذي أشعل نيران “السيبة” في نفوس الرعية.
يقول الفنان حسن بلا صديق المرحوم بنوح “المسرحية هي رحلة كل الفارين من الدماء والدمار، والخراب والحروب إلى دنيا السلام والأخوة والمحبة بلا حدود. هي رحلة كل الهاربين من البأس والحزن، والكآبة والألم، إلى عالم الأضرحة والسادات والأولياء. إنها سفر من أرض الشرفاء والأولياء الى أرض الرسل والأنبياء. رحلة يكتشفون خلالها حضارات عديدة غبرت ورموزا كثيرة عبرت، وكتبا كثيرة أحرقت. إنها سفر إلى عالم الروحانيات، إلى أعماق ليالي الطقوس الروحية لبوهالة عبر ثنائية الحياة والموت، الحب والكراهية، الخير والشر، الروح والجسد. وفي رحلة البحث الطويلة هذه، يخوض الممثلون في خضم الوضع الراهن العربي بكل تجلياته الوطنية والإنسانية “.
صحيح أن مصيرنا جميعا الرحيل إلى دار الفناء، لكن رحيل كل واحد منا يختلف عن رحيل الآخرين. فإن كان إكرام الميت دفنه، فإكرام الفنان بنوح هو إخراج أعماله وتداولها بين الناس، وبث الحياة في جسده المعنوي الذي لا يموت أبدا. فتكريم المبدع لا يتوقف عند طقوس وداع موسمية، بل يتخطى ذلك إلى إحياء تراثه ونشره على نطاق واسع.
سلام عليك حاضرا وغائبا صديقي السي حميد بنوح، في جنات الخلد مع النبيئين والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله.
ملحوظة: أتقدم بالشكر الجزيل لأصدقاء الراحل الذين زودوني ببعض المعطيات المفيدة، السادة الفنانين المسرحيين: حسن بلا وعبد الله الساندية وعبد الله فرحاني ورشيد ولد العبار.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة رحيل الفنان حميد بنوح
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ رحيل الفنان حميد بنوح قد تم نشرة ومتواجد على هسبريس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، رحيل الفنان حميد بنوح.
في الموقع ايضا :