الدهر في هذا الحوار، الذي خصّ به جريدة هسبريس الإلكترونية، تطرق إلى ما وصفه بـ”الافتقار إلى العمق التاريخي الذي تتّسمُ به عمليّة البناء الوطني إلى جانب عجز في التقاليد”، مشيرا إلى أن ذلك “يدفعُ قادة الجارة إلى اللجوء إلى الرموز وتأليف الأكاذيب لملء هذا الفراغ، وإن استدعى الأمر التحرر من الحقائق الواقعية والمطالبة بملكية بعض العناصر الثقافية والترامي على تراث بلد جار”.
نجح المغرب مرة أخرى في إفشال محاولة جديدة للجزائر ترمي للسطو على التراث غير المادي المغربي، وإدخال صورة لقفطان النطع الفاسي في ملف يهم زيا جزائريا. ما معنى أن تعتمد اللجنة الحكومية لصون التراث غير المادي التحفظ لأول مرة في تاريخ “اليونيسكو”؟
دعني أؤكد لك أن مشاركة المملكة المغربية في أشغال الدورة 19 للجنة الحكومية لصون التراث غير المادي المنعقدة بأسونسيون، عاصمة جمهورية الباراغواي، شكلت فرصة سانحة لتسليط الضوء على سياسة السطو على عناصر التراث المغربي اللامادي الممنهجة من طرف الجارة الشرقية من خلال إدراج صورة ومقطع فيديو لقفطان النطع الفاسي في ملف الترشيح الذي تقدمت به بعنوان “الزي الاحتفالي النسوي الجزائري الكبير.. معارف ومهارات الخياطة وصناعة حلي تزيين القندورة والملحفة”.
لا شكّ أن اعتماد هذه الفقرة بالإجماع من طرف دول أعضاء اللجنة يعد تتويجا للمجهودات التي قام بها المغرب، واستجابة للشكاية الرسمية التي تقدم بها منذ أشهر، وتعكس استهجان المغاربة قاطبة، وعلى وجه الخصوص مجتمعات الصناع التقليديين والحرفيين المتوارثين من جيل إلى جيل وعبر قرون المهارات المتعلقة بالقفطان المغربي، بما في ذلك قفطان النطع الفاسي.
بالطبع. تعمل المندوبية الدائمة للمملكة المغربية لدى “اليونيسكو” على حشد الدعم اللازم للتصدي لمناورات السطو الجزائرية التي لن تنتهي عند هذا الحد، بل ستستهدف عناصر أخرى من التراث الثقافي غير المادي المغربي كالزليج مثلا، مستغلة في ذلك الفراغ القانوني والانفتاح في معايير التسجيل لاتفاقية 2003.
وأود بالمناسبة التعبير عن شكري وامتناني لمختلف الفاعلين، بدءا بوزارة الثقافة، الجهة الوصية، ووزارة الصناعة التقليدية، وغرف الصناعة التقليدية، ومؤسسة دار الصانع، والمكتب الوطني المغربي للسياحة، وصولا إلى جمعيات وأفراد المجتمع المدني، خاصة منهم المنحدرين من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذين يساهمون في إبراز مكونات ثقافة بلادنا الأصيلة وهويتها العريقة في مختلف المناسبات والمحافل.
– لكن، من وجهة نظرك، لماذا صارت السرقة متفشّية بهذا الشكل حين يتعلق الأمر بالتراث الوطني للشعوب، فوزارة الثقافة تقول إن المحاولات التي تهمّ سرقة الموروث المغربي صارت متكررة؟
هناك أيضا عوامل متعلقة بأزمة الهوية تؤدي بهذه السلطات إلى الترامي على عناصر ثقافية لدول أخرى غالبا ما تحظى بإقبال وإعجاب كبيرين من طرف شرائح عريضة من المجتمع كالأزياء التقليدية المغربية، بما في ذلك القفطان المغربي، الزليج، الأطباق المغربية التقليدية، مراسم الأعراس…إلخ.
إن الافتقار إلى العمق التاريخي، الذي تتسم به عملية البناء الوطني، إلى جانب عجز في التقاليد، يدفع قادة الجارة الشرقية إلى اللجوء إلى الرموز وتأليف الأكاذيب لملء هذا الفراغ، وإن استدعى الأمر التحرر من الحقائق الواقعية والمطالبة بملكية بعض العناصر الثقافية، والترامي على تراث بلد جار.
علاوة على ذلك، فاتفاقية 2003 لا تخول حماية قانونية حقيقية وكافية كما هو الحال بالنسبة للملكية الفكرية العالمية. وبالتالي يمكن لأي دولة تسجيل عنصر ثقافي ما بعد الاستجابة لعدد من المعايير. وهذا التسجيل لا يمنع دولة أخرى من القيام بإدراج العنصر نفسه بتسمية مغايرة بعد الاستجابة للمعايير ذاتها.
– في هذا المستوى تتطلّع الرباط لتوقيع مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية بجنيف، التي توفر ميكانيزمات قانونية لتحصين التراث الوطني المادي وغير المادي المعرض باستمرار للسرقة. هل من أهمية كبيرة لهذه الخطوة؟
علينا أن ندرك أن التوقيع على مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية يكتسي أهمية بالغة لأن هذه المنظمة توفر الحماية القانونية الضرورية لتحصين عناصر تراثنا الوطني المعرض باستمرار للسرقة، حيث إنها تخول حق المتابعة القضائية استنادا إلى عدد من التدابير التي تحمي الإبداعات والابتكارات الفكرية من التملك غير المشروع.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه بفضل حماية الملكية الفكرية تمكن المغرب من التصدي لمناورات السطو على الزليج المغربي من قبل سلطات الجارة الشرقية فيما بات يعرف بقضية قميص المنتخب الوطني لكرة القدم. وبالرغم من ذلك ما زال العديد من الشباب الجزائريين يرتدون هذا القميص تحت تأثير الدعاية المغلوطة، التي تروج لها مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بدعم وتوجيه من سلطات هذا البلد الجار الذي يقع على حدودنا.
وفي هذا الإطار تشكل الثقافة عنصرا محوريا في تحقيق هذا التقارب لكونها تمكن من فهم وإدراك لتاريخ وعادات الشعوب. وبالتالي يظهر جليا الدور الأساسي، الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية البرلمانية في الترويج والدفاع عن التراث الثقافي لبلادنا، حيث يمكن الاستفادة لهذا الغرض من آلية مجموعات الصداقة البرلمانية، وكذلك من علاقات التعاون القائمة بين غرف الصناعة التقليدية ونظيراتها الأجنبية. كما تشكل المشاركة المكثفة لهذه الغرف في مختلف التظاهرات والمحافل الدولية فرصة للمساهمة في الإشعاع الثقافي للمغرب، والتعريف بالمهارات العريقة التي تزخر بها مجتمعات الصناع التقليدين المغاربة.
– السلطات الوصية على الثقافة تقول إنها اشتغلت على إرساء ومأسسة Label Maroc كآلية وطنية لحماية التراث غير المادي. كيف تساعد هذه الآلية الدور الذي تقومون به مثلاً؟
وجب التذكير هنا بأن هذه الآلية تشكل أساسيات الملكية الفكرية، التي هي من اختصاصات المنظمة العالمية للملكية الفكرية وليس منظمة “اليونيسكو”، التي تعنى فقط بصون المعارف والمهارات المتعلقة بالتراث غير المادي والحفاظ عليها.
هذه خطوة جد مهمة تؤازر مهمّة الحفاظ على تراثنا الوطني وتسندها، كما تمنح إشارة قوية على الصعيد الديبلوماسي للانخراط الفعلي لبلادنا في مجال حماية التراث، الذي هو من محددات هويتنا الأصيلة المتجذرة في التاريخ، حيث يسمح مشروع القانون رقم 22.33 بملاءمة الإطار القانوني الوطني المتعلق بحماية وتثمين ونقل التراث الثقافي الوطني مع الالتزامات الدولية المصادق عليها من قبل المملكة المغربية.
– المغربي يعرف أن القفطان تراث وطني والزليج كذلك تراث وطني.. إلخ. لكن الخلفية التاريخية والعلمية أحياناً تكون منتفية. أليس ضروريّا، في تصوّرك، تأهيل وعي جميع المغاربة اليوم بدلائل معقولة تساعدهم على الدفاع، من جهتهم، عن تراثنا الوطني بوعي حقيقي وبحجج قوية؟
من المثير للاهتمام والانتباه أن المغاربة يعيشون منذ قرون خلت، ولحدّ الآن، في كنف تراثهم الذي يشكل السمة الأبرز لهويتهم وأصالتهم، التي أضحت مستهدفة من طرف جهات خارجية لدواع سياسية صرفة.
غير أن ردود المواطن في أي نقاش حول الهوية الوطنية والتراب يتعين أن يظلّ محصّنا ونائيا عن الوقوع في فخ الاستفزازات التي تروج لها الدعاية الكاذبة. هذه “البروباغندا” حيّة ومنتعشة وجائلة تستفيد من آلة ترويج ضخمة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
يستدعي أيضا الدفاع عن تراثنا استحضار المجهودات التي تقوم بها المؤسسات المعنية، مع ضرورة الإقدام على قراءة متمعنة للمراجع والبحوث، والاستعانة بالخبراء ذوي الاختصاص، والبحث في المواقع الرسمية، والفهم الجيد للمفاهيم والنصوص قبل الخوض في أي نقاش أو جدال.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة السفير الدهر الجزائر تعيش أزمة هوية وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ السفير الدهر الجزائر تعيش أزمة هوية وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية قد تم نشرة ومتواجد على هسبريس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية.
في الموقع ايضا :