المستشار خالد شبيب - خاص ترك برس
في قلب الشرق، حيث وُلدت الأبجدية الأولى على ألواح أوغاريت، وارتفع صوت الإنسان من ماري وإيبلا وتل حلف ودورا أوروبوس، ومن رحم جبالها ووديانها انطلقت الديانات السماوية، واصطفت خطى الأنبياء من آرام إلى دمشق، هناك، في سوريا، لم يكن الوطن فكرةً مستوردة أو كيانًا هشًا جُمع على عجل، بل كان حضارة متراكمة، وذاكرة أزلية لشعوب تعايشت، وتحاورت، وتمازجت، وصنعت من اختلافها فسيفساء وطنية يصعب أن تتكرر.
سوريا ليست خريطة تُقسّم، ولا تجمعًا عرقيًا يُدار بمنطق الحصص، بل كيان حضاري تأسس على مبدأ التعارف الإنساني، الذي أكّدته الآية الكريمة: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا﴾ فالتنوع فيها ليس طارئًا، بل جوهر تكوينها.
من أوغاريت التي نُقشت فيها أولى الأبجديات، إلى دمشق التي كانت أول عاصمة للعرب المسلمين، ومن كنيسة حنانيا إلى الجامع الأموي، ومن سهل الغاب إلى سنجار، سوريا لم تكن ساحة صراع بين الأعراق، بل كانت مرآة حضارية لوحدة المجانسة المتعاونة المتحابة، حيث انصهرت الأعراق في نسيج واحد دون أن تذوب، وتعددت الألسن دون أن تتصارع، وتكاملت الهويات دون أن تتنافر.
ومن هنا، لا بد أن ننطلق نحو مقاربة سياسية وقانونية تُوازن بين الاعتراف بالخصوصيات، ومنع الانزلاق نحو مشاريع فدرلة مبنية على القومية، تهدد وحدة الدولة وتُقوّض مفهوم المواطنة.
أولاً: سوريا... فسيفساء طبيعية وليست تركيبة مصطنعة
التركمان، والدروز، والعلويون، والسريان، والأرمن، والكرد، والعرب، ليسوا ضيوفاً على الجغرافيا السورية، بل أبناءها، تفاعلوا معها تاريخيًا، وشاركوا في صناعة يومياتها السياسية والثقافية والاجتماعية. لذلك، فإن الاعتراف بخصوصية كل مكون لا يُعدّ مِنّةً، بل التزامًا دستوريًا أصيلًا. لكن الخطر يكمن حين تتحوّل الخصوصية إلى مشروع انفصالي مغلف بمصطلحات كالفيدرالية القومية أو "الحق في تقرير المصير".
ثانياً: المواطنة لا تُجزأ ولا تُساوم عليها
من منظور قانوني، المواطنة هي الرابط الأعلى والأشمل بين الفرد والدولة. لا تُبنى على أساس لغوي أو ديني أو عرقي، بل على قاعدة المساواة أمام القانون، والولاء للدولة، والمشاركة في صنع القرار. وأي نظام يُمنح فيه مكوّن امتيازًا سياسيًا بسبب قوميته، إنما يُسقط مبدأ المساواة، ويضعف البنيان المؤسسي للدولة.
ثالثاً: مخاطر الفدرالية القومية على الدولة السورية
1. تهديد السيادة الوطنية: حين تُنشأ مؤسسات محلية مستقلة على أسس قومية، تتآكل سيادة المركز تدريجياً، ويفقد القرار السياسي بوصلته الواحدة.
2. خلخلة الوظيفة العامة: توزيع الصلاحيات على أساس عرقي قد يؤدي إلى تنازع قانوني وإداري بين الهيئات، ويفسح المجال لثنائيات سلطوية تُفقد الدولة شرعيتها.
3. فراغ أمني تستغله الأطراف المعادية: التفتت الإداري يُعقّد التنسيق الأمني ويُربك استجابة الدولة للأزمات، ويفتح الباب أمام الجماعات المسلحة أو التدخلات الأجنبية.
رابعاً: المسار الآمن... نحو وحدة تعددية مسؤولة
إن صون الوحدة الوطنية لا يكون بالقسر ولا بالإقصاء، بل من خلال:
دستور جامع يُنظم التعدد دون أن يُشرعن التجزئة، ويُصيغ الهوية السورية على مبدأ المواطنة الجامعة لا الانتماء القومي.
لا مركزية إدارية رشيدة تُفوّض السلطات المحلية في إدارة الخدمات والتنمية، دون المساس بالسيادة العليا للدولة.
حوار وطني دائم عبر هيئة تمثيلية جامعة تُعيد تعريف العلاقة بين المكونات، وتنتج تشريعات متوازنة تُعزز الثقة والانتماء.
الخاتمة: سوريا وطن لا يُفصّل على مقاس العرق أو الطائفة
في لحظة يتلاشى فيها الفرق بين الدعوة للحق والمطالبة بالانفصال، لا بد أن نُعيد التأكيد على أن سوريا ليست دولة "الأكثريات والأقليات"، بل دولة "المواطنة المتساوية". لا تُقاس الحقوق فيها بنسبة السكان، بل بدرجة الانتماء، ولا تُوزّع السلطات وفق الهويات، بل وفق الكفاءة والمسؤولية.
لنحمِ سوريا من التجزئة بمزيد من العدالة، ولنصنْ صوتها الواحد بتعدد لغاتها، ولنصنع دستورًا لا يُقصي أحدًا ولا يُؤسس لدولة داخل الدولة.
سوريا باقية ما بقيت العدالة… والعدالة لا تعرف التجزئة.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة سوريا المواطنة لا تحتمل التجزئة القومية تحت سقف الوطن
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ سوريا المواطنة لا تحتمل التجزئة القومية تحت سقف الوطن قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، سوريا المواطنة لا تحتمل التجزئة القومية تحت سقف الوطن.
في الموقع ايضا :