احتكار الرواية التاريخية في تركيا: كيف فُرضت قداسة على لوزان؟ ...الشرق الأوسط

اخبار عربية بواسطة : (ترك برس) -

ترك برس

استعرض الكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، آليات التعتيم التاريخي المفروضة على معاهدة لوزان في تركيا، مسلطًا الضوء على الحظر المفروض على مساءلة هذه الوثيقة أو طرح روايات بديلة حولها. 

وكشف أقطاي في تقرير بصحيفة يني شفق كيف تم احتكار السردية الرسمية للتاريخ الحديث عبر "الخطاب"، الذي صُوّر كمرجعية وحيدة لا يجوز مناقضتها، مع توثيق محاولات قمع الأصوات المخالفة مثل كاظم قره بكر. 

كما ناقش تغييب البرلمان الأول المعارض للمعاهدة، وتجاوز الاعتراضات الشعبية من خلال إعادة تشكيل البرلمان لتمرير الاتفاق. ويدعو إلى إعادة النظر في "قداسة" لوزان، باعتبارها غطاءً سياسيًا أُخفيت تحته خسائر جغرافية كبرى ومسؤوليات تاريخية لم تُحاسب بعد.

وفيما يلي نص التقرير:

عندما يطرح موضوع معاهدة "لوزان" يبرز على الفور ذلك الصوت الجماعي المتمثل في عبارات "لن نسمح بالكلام"، "لن نسمح بالمساس"، "لن نسمح بالتشكيك". ويبدو أن هذا الصوت لا يزال يحظى في تركيا اليوم بمجال واسع من التأثير والنفوذ، لقد استمد هذا النفوذ قوته على مدى قرنٍ كامل من نجاحه في فرض الصمت ومنع التساؤل، فالمساحات التي لا يُسمح بالتفكير فيها أو المساس بها أو طرح الأسئلة بشأنها في تاريخنا الحديث كثيرة جدًا. عادةً ما يكون التاريخ الأسهل للكتابة هو التاريخ الحديث لوفرة الشهود والوثائق والمتأثّرين به. فإذا ما خرج أحدهم بسردية مشوّهة، فمن السهل دحضها وتصحيحها بوفرة الأدلة المتاحة. إلا أن تاريخنا القريب، الذي تأثر به الجميع بصورة مباشرة، يكتنفه الظلام أكثر بكثير من تاريخنا المتوسط والبعيد. لماذا؟ لأن هناك احتكارًا مُطلقًا للسردية المتعلقة بهذه الفترة، بتلك الحقبة، وفرض حظر رسمي وفعلي على تداول أو التعبير عن أي رواية بديلة أو مغايرة. بل إن أي وثيقة قد تبرز لتفنّد الرواية الرسمية السائدة، سرعان ما تُقابل بقيود وعقوبات صارمة. ونتيجة لذلك، غدا تاريخنا الحديث، الأكثر غموضًا وظلمة في ذاكرتنا التاريخية.

لقد تقرر أن تُقرأ وتُفهم تلك الحقبة فقط من خلال ما ورد في "الخطاب" إذ يعد هذا الخطاب المصدر الوحيد الموثوق به لرواية حرب الاستقلال الوطنية. وأي سردية بديلة أو ادعاء مغاير لما ورد فيها لا يُتهم صاحبه بالخيانة والكذب وتزييف التاريخ فحسب، بل قد يتعرض لجميع أنواع الملاحقة القضائية.

فعلى سبيل المثال، لقد حُظر تمامًا علينا أن نفهم ما جرى في فلسطين ـ حيث ذُقنا مرارة الهزيمة التي أنهت الحرب العالمية وأدّت إلى سقوط الدولة العثمانية ـ بأي طريقة أخرى غير الرواية الواردة في "الخطاب". ففي "الخطاب" قد تم سرد كل ما حدث هناك بتفاصيله الكاملة، ولا حاجة لأي رواية أو دليل آخر. فكان لا بد من الهزيمة هناك، وكان جيشنا في حالة يرثى لها، غير قادر على القتال، ولم يكن لدينا خيار سوى الانسحاب. بل إن ذلك الانسحاب كان استراتيجيًا في الأساس، وكان الخطوة الأولى في خطة مدروسة امتدت لـ 5-6 سنوات لاحقة. لقد كان انسحابًا حكيمًا للغاية. صحيح أنه أُسر 70 ألفا من جنودنا على يد البريطانيين، واستشهد 35 ألفًا آخرون، ولكن لا بأس بذلك، فلم يكن هناك حل آخر. ومن يدعي غير ذلك فهو يسعى وراء الفتنة والفساد، لا أكثر.

على الجميع قبول هذه الرواية وكتابة الأحداث وفقًا لهذه الأطروحة الموجزة. ولا يجوز لأحد — حاشا لله — أن يخطر بباله أن وقوع هزيمة في جبهةٍ كان يقودها مصطفى كمال نفسه. فالجيوش الأخرى هناك هُزمت لعدم كفاءتها وأهليتها وانعدام انضباطها بالطبع، لكن الجيش السابع انسحب ليتجنب الهزيمة. وإياكم أن يخطر ببال أحد أن انسحاب الجيش السابع كان سبب هزيمة الجيشين الثامن والرابع.

ويشير المؤرخ والفيلسوف التاريخي البريطاني الشهير إدوارد هـ. كار، في كتابه "ما هو التاريخ؟" إلى أن أبرز التحديات التي تواجه علم التاريخ تتمثل في أن أيّ رواية تاريخية تصلنا غالبًا ما تكون قد شقّت طريقها من خلال حجب روايات بديلة أخرى. ما يقصده في الواقع هو التالي: إن كل رواية تاريخية تصلنا ما هي إلا واحدة من بين عدد لا يُحصى من الروايات التي نشأت في زمن وقوع الحدث ذاته، ولكن نظرًا لأنها تصلنا من خلال رواية فرد أو قلة، فليس لدينا إمكانية اللجوء إلى روايات وشهادات بديلة أخرى.

هذه إشكالية منهجية تطول علم التاريخ بأسره. لكن المشكلة التي نعانيها في تاريخنا المعاصر أعمق بكثير: لقد مُنع شهود العيان الحقيقيون من الإدلاء بشهاداتهم، وبالتالي قُطع تدفق الوثائق عن عصرنا هذا إلى المستقبل بقصدٍ مسبق.

وخير مثال على ذلك ما جرى لكاظم قره بكر. فهذا الرجل، الذي يُعد بلا منازع أحد أهم الشخصيات في تاريخ حرب الاستقلال، لمّا حاول الردّ على ما ورد في الخطاب من روايات أحادية، بل واتهامات صارخة وأحكام قاسية بحق أحداث عايشها بنفسه، لاقى من المضايقات ما لا يُطاق. فبعد نشر "الخطاب" في صحيفة "ملييت"، لم يُسمح له الرد إلا بعد خمس سنوات، وحتى ذلك الردّ نُشر مصحوبا باتهامات خطيرة وقاسية ضده، صادرة عن النائب عن "سيرت" ورئيس تحرير الصحيفة آنذاك "محمود سويدان"، ولم يُسمح باستمرار نشر ردوده لأكثر من ستة أيام فقط. أما اليوم السابع، فقد مُنعت مقالاته من النشر. حينها قرر قره بكر إصدار ردوده في كتاب، ولكن في اليوم الذي اكتمل فيه طبع الكتاب، اقتحمت شاحنات ترافقها الشرطة المطبعة، وصادرت جميع النسخ، وأحرقتها في أفران الجير. وبعد ذلك قامت الشرطة بتفتيش منزل كاظم قره بكر ومنازل أقربائه مرارًا، للتأكد من عدم وجود أي نسخ متبقية من الكتاب، كما صودرت الأكياس المملوءة بالوثائق التي شكّلت المادة الأصلية للكتاب، وأُتلفت بالكامل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وُضع تحت المراقبة الأمنية المشددة لسنوات، خشية أن ينطق بأي كلمة تتعارض مع رواية "الخطاب".

في حين أن كل ما ورد في "الخطاب" كان شاهدها المباشر أو الثاني هو كاظم قره بكر نفسه. بل إن حرب الاستقلال ما كانت لترى النور لولا جهوده، إذ كان يحتل موقعاً محورياً في تلك الأحداث. ورغم هذا كله، فإن روايته الخاصة حُجبت بقسوة. فأيّ فرصة يمكن أن تتاح لروايات أخرى أن تظهر في ظل هذه الظروف؟

مصدر القداسة المنسوبة إلى معاهدة لوزان

كان من المفترض أن يُكتب تاريخ لوزان كقصة نجاح باهرة، وهكذا صُوِّرَ بالفعل. أما الأسئلة حول التنازلات التي قُدِّمت فيها، ولمن، وكيف؟ فقد حُكم عليها مقدّراً بأنها أدب الفتنة والإفساد. غير أنّ أبرز شاهد على النقاشات التي دارت أثناء مفاوضات لوزان هو المجلس النيابي الأول، ذلك المجلس الذي اعترض على كل بند فيها،وكانت مواقفه تدل بوضوح على أنّ تمرير الاتفاق بهذا الشكل لن يكون أمرًا سهلًا. لقد رأى أعضاء ذلك المجلس بوضوح ما أُجبرنا على التخلي عنه بسبب لوزان. بل إنّهم حتى في ذلك الوقت، لم يكونوا يطالبون بأي حقّ في الأراضي التي احتُلّت بموجب الهدنة، والتي تأسست عليها لاحقًا دول مثل فلسطين ولبنان وسوريا والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية.

إنّ عدم الحديث عن هذه الأراضي التي جرى التخلي عنها نتيجة لـ "الانسحاب الاستراتيجي"، وعدم طرحها مطلقًا لا بوصفها قضية للنقاش ولا بوصفها موضع مطالبة، يُعدّ فضيحة قائمة بذاتها. ومن أراد التحقق من حجم هذا الغياب في أجندة المجلس الأول فليعد إلى سجلاته. لكن على الأقل، من الواضح أنّ هذا المجلس رأى في موقف الحكومة خلال مفاوضات لوزان خضوعًا تامًّا، وأبدى معارضة شديدة له. وكانت هذه المعارضة قوية بما يكفي لمنع تمرير الاتفاق داخل البرلمان. ولهذا السبب – نعم، تحديدًا لهذا السبب – جرى التوجه مباشرة نحو الانتخابات، وكان أول ما وُضع على جدول أعمال المجلس الثاني، الذي شُكّل من أعضاء جدد عيّنتهم السلطة المركزية، هو التصديق على معاهدة لوزان (للاطلاع على مزيد من التفاصيل، يُرجى الرجوع إلى كتاب البروفيسور مصطفى أيدين، لوزان.. نجاح أم تنازل؟، سلسلة "الوجه الحقيقي للتاريخ" دار بيان).

بمعنى آخر، فإن معاهدة لوزان، التي جرى التهرب من النقاش حولها ومن المعارضة الوطنية لها آنذاك، لا تزال حتى اليوم بمنأى عن أيّ نقاش أو مساءلة بفضل من يُسمّون أنفسهم الحماة ويرددون: "لن نسمح بالمساس بها، ولن نسمح بالتفكير فيها." لقد جرى التعامل مع هذه الوثيقة كما لو كانت نصًّا مقدّسًا، جعل الأمة عاجزة عن تقييم مكاسبها وخسائرها وهكذا، تستمر عملية التستر على خسائرنا ومن تسبب بها، وعلى من جنى المكاسب والسلطة بشكل غير مشروع من هذه المعاهدة. فإن لم تكن هذه هي وظيفة "القدسية"، فما هي إذًا؟

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::

مشاهدة احتكار الرواية التاريخية في تركيا كيف ف رضت قداسة على لوزان

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ احتكار الرواية التاريخية في تركيا كيف ف رضت قداسة على لوزان قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، احتكار الرواية التاريخية في تركيا: كيف فُرضت قداسة على لوزان؟.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة اخبار عربية
جديد الاخبار