كتب وائل المنسي - يمر الاقتصاد الأردني بمنعطف حاسم يتطلب إعادة تقييم شاملة للمسار التنموي الذي اتبعته المملكة على مدى العقود الماضية، في ضوء رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها اللجنة الملكية، والتي تسعى إلى تحفيز النمو وخلق مليون فرصة عمل بحلول عام 2033. يتزامن هذا الجهد مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة، ما يستدعي تفكيك بنية التحديات البنيوية التي يواجهها الاقتصاد، وتحليل الإمكانات غير المستغلة ضمن منظور استراتيجي شمولي. إن فهم الواقع الاقتصادي الأردني لا يمكن أن يتم خارج سياق المصالح الإقليمية الجديدة، والمشاريع العابرة للحدود، والتحولات في سلاسل الإمداد والطاقة والتكنولوجيا، والتي تفرض على الأردن ضرورة التموقع من جديد ضمن شبكة القيم الاقتصادية العالمية. في هذا السياق، يبرز الموقع الجغرافي للأردن كأحد نقاط القوة المركزية، فهو يشكل معبرًا حيويًا بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، ما يتيح له إمكانية التحول إلى مركز لوجستي إقليمي، إذا ما تم الاستثمار في البنية التحتية للنقل والتجارة وربطها بالمشاريع الإقليمية مثل "الممر الهندي–الأوروبي” ومشاريع الربط الكهربائي مع الخليج والعراق ومصر. كما يملك الأردن رأسمال بشري نوعي يتمثل في نسب التعليم المرتفعة، خاصة في المجالات التكنولوجية والصحية، وقد أثبت هذا المورد البشري قدرته على المنافسة إقليميًا، إلا أن هذا المورد يظل محدود الأثر التنموي بسبب الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، إضافة إلى ضعف استراتيجيات التوظيف والربط مع القطاعات الإنتاجية. لكن هذه المزايا تتقاطع مع عدد من نقاط الضعف البنيوية، أبرزها ارتفاع حجم الدين العام إلى مستويات مقلقة، وغياب سياسة صناعية واضحة، واستمرار الاعتماد على المنح الخارجية التي ترتبط غالبًا بحسابات سياسية مؤقتة، ما يقلل من القدرة على بناء اقتصاد منتج ومستقل. يُضاف إلى ذلك بيئة بيروقراطية مثقلة بالتعقيدات، وانخفاض فاعلية القطاع العام، الأمر الذي يُضعف ثقة القطاع الخاص ويُحد من تدفق الاستثمارات النوعية. كما أن معدلات البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، تعكس اختلالات هيكلية لا يمكن إصلاحها فقط من خلال النمو الاقتصادي، بل تتطلب تدخلات اجتماعية ومؤسساتية متكاملة. رؤية التحديث الاقتصادي، رغم طموحها، تظل معرضة للتهديد ما لم تترافق مع إصلاح إداري جذري يعيد الاعتبار للحوكمة الفعالة ويضع معايير واضحة للمساءلة والتنفيذ. فالمصفوفة التنفيذية للرؤية (2023–2025) التي تضم أكثر من 500 أولوية و380 مبادرة، تعكس رغبة في التنظيم والتوجيه، لكنها بحاجة إلى إرادة سياسية تضمن التنفيذ الميداني المتكامل، خاصة أن الاستثمار المرصود لا يتجاوز 734 مليون دينار، وهو رقم متواضع قياسًا بأهداف خلق فرص العمل وتحفيز النمو. في المقابل، فإن البيئة الإقليمية تفتح فرصًا غير مسبوقة أمام الأردن، خصوصًا في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، حيث يتمتع الأردن بميزات جغرافية ومناخية تجعله مرشحًا لأن يكون مركزًا لهذا النوع من الطاقة، في ظل توجه عالمي متسارع نحو إزالة الكربون. كما تشكل مشاريع الربط الكهربائي الإقليمي فرصة استراتيجية ليس فقط لتصدير الطاقة بل لتعزيز الاعتماد المتبادل مع دول الجوار. وعلى مستوى التحولات الجيوسياسية، فإن اشتراك الأردن في الممرات الاقتصادية الكبرى يعطيه فرصة لإعادة التموضع داخل سلاسل القيمة العالمية، ما يتطلب استباقًا استراتيجيًا في السياسات الصناعية والبنية التحتية. كذلك فإن التحولات في النظام الاقتصادي العالمي، وتراجع نموذج العولمة التقليدي، تمنح الدول المتوسطة مثل الأردن فرصة لإعادة بناء سيادتها الاقتصادية من خلال التركيز على الأمن الغذائي والمائي، والتصنيع المحلي، وتطوير التكنولوجيا الوطنية. ومن أبرز الفرص الاستراتيجية التي برزت مؤخرًا على الصعيد الإقليمي هي طفرة الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إذ باتت دول الخليج تستثمر بمليارات الدولارات في مراكز بيانات عملاقة، ومراكز بحث وتطوير، وسحابات رقمية سيادية، بالتعاون مع كبرى شركات التقنية العالمية. في هذا الإطار، يشكل الأردن مرشحًا قويًا للمشاركة في هذا التحول، نظرًا لما يملكه من كفاءات بشرية متميزة في مجالات البرمجيات والتحليل الرقمي، وعدد كبير من الخريجين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. إذا تم تبني استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، مدعومة بسياسات تحفيزية واستثمارات بنية تحتية ذكية، يمكن أن يتحول الأردن إلى حاضنة إقليمية للتقنيات المتقدمة، ما سيسهم في خلق وظائف عالية القيمة وتعزيز صادرات الخدمات الرقمية. إلا أن هذا التحول التكنولوجي، كما أشار إليه الاقتصادي الأمريكي الحائز على نوبل جوزيف ستيغليتز، يحمل في طياته مخاطر تعميق الفجوة الاجتماعية، ما لم تقترن التكنولوجيا بسياسات إعادة توزيع عادلة وحماية اجتماعية شاملة. فالتقدم التكنولوجي لا يضمن تلقائيًا تحسين جودة الحياة، بل قد يعيد إنتاج أنماط الإقصاء ما لم يتم توجيهه ضمن نموذج تنموي عادل. ومن هنا تبرز أهمية دمج مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي في السياسات الاقتصادية الأردنية، حيث يتم الموازنة بين ديناميكية السوق وضرورة العدالة الاجتماعية، عبر تدخل الدولة في ضمان التعليم والرعاية الصحية والتدريب المهني والحد الأدنى للأجور. كما أن هذا النموذج يوفر أرضية صلبة لتوجيه التكنولوجيا نحو خدمة التنمية البشرية لا استغلالها. خارطة الطريق المقترحة للاقتصاد الأردني يجب أن تنطلق من تبني سياسة إنتاجية جديدة قائمة على دعم القطاعات القابلة للتصدير، مثل الصناعات الدوائية والغذائية وتكنولوجيا المعلومات، مع التركيز على تعزيز سلاسل القيمة المضافة محليًا. ويجب أن يترافق ذلك مع إصلاحات مؤسسية عميقة تضمن استقلالية القرار الاقتصادي وتكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص، من خلال بناء بيئة استثمارية شفافة وفعالة. ولا يمكن لأي سياسة اقتصادية أن تنجح دون ربط التعليم بسوق العمل وتحديث المناهج لتتواكب مع احتياجات الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر، مع ضرورة دمج النساء والشباب في هذه السياسات لضمان عدالة التنمية واستدامتها. ولأن التحولات الرقمية تحمل إمكانات هائلة، فإن الاستثمار في القدرات البشرية وتعزيز العدالة الاقتصادية لم يعد خيارًا بل شرطًا لاستقرار المجتمعات. إن اللحظة الاقتصادية الأردنية تتطلب أكثر من مجرد إصلاح تقني أو إداري، بل إعادة تعريف لدور الدولة ووظيفتها الاقتصادية والاجتماعية، وتحولاً جذريًا في آليات صنع القرار الاقتصادي، من عقلية الاسترضاء السياسي إلى منطق الكفاءة والاستثمار في المستقبل. فالموارد المحدودة، إذا ما أُديرت بعقل استراتيجي، يمكن أن تتحول إلى ميزات تنافسية. ويبقى التحدي الأساسي هو في القدرة على الترجمة الفعلية للرؤية إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن في حياته اليومية، عبر نمو اقتصادي شامل يربط بين العدالة الاجتماعية والإنتاجية، ويجعل من الأردن دولة ذات سيادة اقتصادية ومكانة إقليمية متقدمة. .
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة النهضة المؤجلة إعادة ابتكار الاقتصاد الأردني في زمن التحول الإقليمي والرقمي
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ النهضة المؤجلة إعادة ابتكار الاقتصاد الأردني في زمن التحول الإقليمي والرقمي عاجل قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، النهضة المؤجلة: إعادة ابتكار الاقتصاد الأردني في زمن التحول الإقليمي والرقمي عاجل.
في الموقع ايضا :