كتب د. محمد أبو غزله - يشهد الأردن في هذه الفترة أيامًا مباركة يحتفل فيها الأردنيون بعيد الاستقلال، وذكرى انطلاق الثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، وهي مناسبات قادها رجال أسسوا لنهضة الأمة ووحدتها، وسعوا لتحقيق الرفعة والكرامة. كما تستمر مسيرة الإصلاح، ويشهد الأردن حراكا سياسيا واقتصاديا وإداريا في إطار ترجمة رؤية التحديث 2033، حيث تتجه الدولة نحو التطوير والتحديث وتعزيز الإصلاحات لمواكبة متغيرات العصر. إلا أن المتابع للمشهد العام يلحظ أن هناك من يتغلف بالانتماء والولاء، ويسخر كل أدواته لوضع العصي في دولاب الإصلاح والتطور والتحديث، ولعل الخطورة تكمن في الممارسات الفكرية والأدوات الإعلامية التي تعيق هذا التوجه. فالفضاء الإعلامي الفج والموجه والمتنفع يستخدم وسائل الإعلام لخدمة أجندات معينة، وفي الغالب شخصية، من خلال تقديم محتوى انتقائي يفتقر إلى الموضوعية، يهدف إلى توجيه الرأي العام وخلق صور نمطية عن أشخاص أو أحداث، ويضخمها حيثما يشاء. كما يعطي مساحة أكبر لأصوات بعينها، رغم أنها غير مقنعة وغير مؤهلة للحديث في الشأن العام، في حين يتم تهميش أو إسكات أصوات أخرى. ويؤدي ذلك إلى تشويه الوعي الجماعي وزرع الانقسام بين فئات المجتمع، ويهز الثقة بالمؤسسات وبالمنظومة الإعلامية، رغم أن دورها الرقابي مهم للغاية في دعم خطط الإصلاح والتطوير والتحديث التي تتبناها الدولة. والمتابع للشأن الداخلي يجد أن بعض القنوات الفضائية لا تسخر نفسها وأدواتها للقيام بهذا الدور الاصلاحي، رغم أنها يجب أن تكون من أبرز أدوات التأثير على الرأي العام وصناعة الوعي الجمعي بصورة إيجابية لدعم مسارات الإصلاح والتطوير. بل إن بعضها يسخر منابره لأشخاص وصوليين يسعون لتحقيق مصالح شخصية أو تنفيذ أجندات ضيقة على حساب المصلحة العامة، فتتحول هذه القنوات إلى أدوات هدم بدلا من أن تكون وسائل بناء. إن استضافة بعض القنوات لأشخاص يتقنون فن الخطابة، وكانوا في السابق من عوامل الهدم للوطن، بل وأثخنوه الوطن بأقوالهم وأفعالهم، ثم تحولوا – بعد أن أغدِق عليهم – إلى أدوات لتزييف الحقائق وبث رسائل مضللة والتشكيك بالشعب والمخلصين من أبناء الوطن، إنما هو أمر خطير لقد أصبح هؤلاء – انطلاقا من مصالحهم الشخصية – يدعون أنهم حملة شعلة النهضة والتطوير، وهم في الواقع يضلّلون الناس ويوهِمونهم ويخوفونهم من مناقشة القضايا الأساسية وإيجاد الحلول العملية لها، ويستغلون المنصات الإعلامية للترويج لأفكارهم التي تعارض التغيير الحقيقي، ويبررون مواقفهم السابقة من خلال إثارة الانقسام وتشويش الرأي العام والدعوة الى الفتك بمكونات المجتمع بدلا من التركيز على الإنجازات التي تحقق وماثلة أمام الناس والتي يمكن الحديث عنها وتعظيم دور الدولة وأبنائها الذين أسهموا في تحقيقها. إن مثل هذه الممارسات، ومنح هؤلاء الأشخاص مساحة إعلامية واسعة، رغم معرفة الناس بتاريخهم ومواقفهم السابقة، يضعف ثقة المواطن بالإنجازات المتحققة، ويهز مصداقية الإعلام، ويجعل من الصعب التمييز بين من يعمل لصالح الوطن، ومن يسعى لتحقيق مكاسب آنية، وهذا كله يؤدي إلى تعطيل المشاريع التنموية، وتشويش الرؤية المستقبلية، وإرباك صانعي القرار، كما يولد حالة من الإحباط وفقدان الثقة لدى المواطنين، لا سيما في ظل صمت بعض المؤسسات التي لم تتحرك لإبراز جهودها، وسمحت للمتسلقين باحتلال الساحة والتنظير على الشعب، مما يفتح الباب للتشكيك في جدية الإصلاح، ويكرس الجمود بدلا من التقدم. إن إعادة ضبط هذه المنابر الإعلامية، وتوجيهها نحو العمل بمهنية وموضوعية، هو أمر ضروري لضمان مشاركة الناس، وتعزيز إيمانهم بالإصلاح والتحديث، وعلى هذه القنوات أن تركز على دورها التنموي كجسر بين المواطن وصانع القرار، وأن تتوقف عن استضافة هذه النماذج، لأن ذلك يفقد مشروع التحديث مصداقيته، ويبني حاجزا نفسيا ضد البناء والإصلاح. ولعل الأحداث الأخيرة خير شاهد على فشل تلك القنوات التي استضافت شخصيات غير موثوق بها، عملت على تسويق الروايات الرسمية، ولكنها فشلت في إقناع الناس، رغم صدق تلك الروايات واعتراف مرتكبي الجرائم أنفسهم بالتخطيط والتصنيع وتلقي الأموال من جهات خارجية، لأن من يقدم الرواية غير موثوق. وينطبق الأمر ذاته على الكُتاب المستكتبين الذين يوجهون من افراد أحيانا يعتقدون ان ذلك صوابا أو يكتبون بمبادرة ذاتية، وكذلك على الباحثين الذين يستعان بهم للحديث عن الإصلاح والتطوير، ويفشلون في مهمتهم لأنهم أيضا ينطلقون من مصالحهم الذاتية، ويتحولون إلى أدوات دعائية هدفها تجميل الواقع وتبرير السياسات القائمة دون مساءلة أو تحليل نقدي. بل يعززون حالة الجمود، ويغلفون الواقع بأوهام زائفة، رغم أن الوقائع والشواهد تدحض كل ما يكتبون. ومع أن مهنة الصحافة المقروءة مهنة راقية، وتوصف بأنها "السلطة الرابعة"، إلا أن هؤلاء المستكتبين حولوها من أدوات للتنوير وتشكيل الوعي العام إلى أدوات لتعطيل الإصلاح والتطوير وبالتالي، فإن ما يكتبونه لا يسهم في التحديث، بل يعيق التقدم ويغفل الإنجازات، لأنها لا تجلب لهم مكاسب أو منافع شخصية خاصة أن هؤلاء المستكتبون، يتقاضون أجورهم من شخصيات أو مؤسسات تساهم فيها الحكومة، يسهمون في تضليل الحكومة والرأي العام لقاء اجورهم ، ويؤثرون على أولويات الدولة، بدلا من القيام بدورهم الرقابي والنقدي البناء، والدعوة إلى محاسبة المقصرين وكشف مواطن الخلل. لا سيما أن الواقع مختلف تماًما عما يصورونه. ونظرًا للوعي الذي يتمتع به الشعب الأردني، فإن كتاباتهم لا تستحق الجهد ولا حتى كما يقال الحبر الذي كتبت به، وقد خسروا ثقة الناس وأثروا سلبا على مصداقية مهنة الصحافة. وينسحب الأمر أيضا على بعض الباحثين في المراكز الاستشرافية، الذين يجب ألا يتعاملوا مع هذه الوسائل وهؤلاء الكتاب لتسويق أعمالهم، لأن ذلك يشوه عمل هذه المراكزلتي يفترض أن تكون من أهم أدوات الدولة الحديثة في تقويم وتطوير السياسات العامة، لأنها تستند إلى منهجيات علمية ومؤشرات أداء رئيسة في مختلف القطاعات وهذه المراكز يجب أن تحلل الفجوات التنموية وتقترح بدائل مبنية على أفضل الممارسات العالمية، لا أن تتحول إلى أدوات بيد أصحاب النفوذ أو جهات التمويل. وعليه، يجب ألا يكون الإصلاح والتطوير والتحديث رهينة لمن يفترض أنهم حراسه من الساسة أو المنابر الإعلامية أو الباحثين عن مصالح شخصية، لأنهم يؤثرون في اتخاذ قرارات تنعكس سلبا على جهود الإصلاح والتنمية الشاملة، ويخلقون حالة من الإحباط وفقدان الثقة، سواء في وسائل الإعلام أو في نوايا الإصلاح كما أنهم يكرسون الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الحياتي، ويقللون من فرص المساءلة والشفافية، وهما ركيزتان أساسيتان لأي مشروع تنموي ناجح. لذا، فإن إصلاح المنظومة الإعلامية والفكرية يُعد أحد أهم مفاتيح التحديث الحقيقي، وخطوة أساسية لتعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات، وضمان نجاح مسارات الإصلاح والتنمية والاستقرار. فالتحديث يتطلب بيئة فكرية حرة ومسؤولة، يكون فيها الصحفي ناطقا باسم الحقيقة لا أداة موجهة، ويكون فيها الباحث منبعا للعلم والمعرفة، لا أداة للنفوذ أو رهينة للمال كما يجب تحرير المساحات الإعلامية من التوجيه والمصالح الضيقة، كشرط أساسي لأي مشروع إصلاحي جاد، وأساس متين لتنمية مستدامة وشاملة. .
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة الإصلاح رهينة الإعلام أزمة مصداقية أم غياب مهنية عاجل
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ الإصلاح رهينة الإعلام أزمة مصداقية أم غياب مهنية عاجل قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، الإصلاح رهينة الإعلام: أزمة مصداقية أم غياب مهنية؟ عاجل.
في الموقع ايضا :