سونير دوغان - فوكوس بلس - ترجمة وتحرير ترك برس
كما صرح السفير الأمريكي في تركيا توم باراك: "فرض الغرب قبل قرن خرائط وأنظمة انتداب وحدودًا مرسومة وحكومات أجنبية. قسم سايكس-بيكو سوريا ومنطقة أوسع ليس من أجل السلام بل من أجل المكاسب الإمبراطورية. كلفنا هذا الخطأ أجيالًا. لن نكرره." يعكس هذا التصريح نقدًا ذاتيًا تاريخيًا، كما يكشف عن تحول محتمل في الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة.
يشير تحول باراك إلى أن الحدود المصطنعة والأنظمة التدخلية التي رسمها الغرب في الماضي لم تعد قابلة للاستمرار. كلماته ليست مجرد بيان دبلوماسي، بل تثير الحاجة إلى فهم الخلفية التاريخية لكيفية تشكل الحدود في الشرق الأوسط ولماذا. ويهدف هذا المقال إلى تلبية هذه الحاجة من خلال تقديم تحليل شامل للجذور التاريخية والجيوستراتيجية والاستعمارية لقضايا الحدود في المنطقة، مما يكشف عن أصول الهشاشة الهيكلية التي تعاني منها اليوم.
تشكل الحدود الحديثة في الشرق الأوسط
تأثرت قضايا الحدود في الشرق الأوسط تاريخيًا بالتدخلات الخارجية والاستعمار (الكولونيالية) واستراتيجيات النفوذ الإمبراطوري. في الواقع، تم رسم العديد من الحدود الدولية الحالية خلال القرون الثلاثة الماضية. رسم الأوروبيون أولًا حدود أوروبا، ثم حدود الأمريكيتين وأفريقيا، وأخيرًا حدود الشرق الأوسط. تعود جذور عدم الاستقرار الذي يحيط بالمنطقة اليوم إلى حدود مرسومة بالمسطرة قبل قرن من الزمان، وإلى الخطط السياسية والاقتصادية الكامنة وراء هذه الرسومات.
اتفاقية سايكس-بيكو
تمثل اتفاقية سايكس-بيكو، التي وقعتها بريطانيا وفرنسا عام 1916، إعادة تنظيم الخريطة المادية والسياسية للمنطقة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية عبر التدخل الخارجي. اكتسبت هذه العملية طابعًا مؤسساتيًا أكثر مع إعلان نظام الانتداب في مؤتمر سان ريمو عام 1920، مما فرض نظامًا سياسيًا دون إرادة السكان المحليين. لم تأخذ الحدود المرسومة في الاعتبار التركيبة الديموغرافية أو الروابط التاريخية أو الواقع القبلي، بل صُممت بالكامل لضمان مصالح القوى الأوروبية ونطاقات نفوذها. وبالتالي، شكلت هذه الحدود المصطنعة أساس الانقسامات السياسية المستمرة حتى اليوم.
تُعتبر اتفاقية سايكس-بيكو اتفاقًا قسم الشرق الأوسط ليس على أساس السلام والاستقرار، بل وفقًا للمصالح السياسية والاقتصادية للدول الأوروبية. طالبت فرنسا بمناطق سوريا ولبنان وفلسطين وكيليكيا والموصل، بينما طالبت بريطانيا بمناطق بغداد والبصرة وميناء حيفا وعكا.
في مؤتمر باريس للسلام عام 1919، تم قبول هذه المطالب إلى حد كبير، وأعيد تشكيل نطاقات النفوذ البريطانية والفرنسية على المستوى الدولي. في الواقع، تأثرت سياسات المنطقة بشكل مباشر برغبة بريطانيا في تأمين طرق التجارة إلى الهند وقناة السويس. في هذا الإطار، احتلت بريطانيا قبرص عام 1878 ثم مصر عام 1882. مثلت هذه التدخلات العسكرية والإدارية أمثلة كلاسيكية للكولونيالية، لكن المنطق الاستراتيجي الكامن وراءها كان جزءًا من آلية السيطرة الإمبراطورية.
التقسيم الاستعماري وتشكيل الدول
شُكلت العراق من اتحاد ولايات الموصل وبغداد والبصرة، ورُسمت حدودها وفقًا لأولويات التجارة والأمن البريطانية. في مؤتمر القاهرة عام 1921، تم رسم حدود الأردن وتنصيب عبد الله بن الشريف حسين حاكمًا. اتُخذت هذه القرارات بناءً على تقييمات الدبلوماسيين والخبراء البريطانيين (مثل السير بيرسي كوكس وفريقه) أكثر من إرادة السكان المحليين. كما أن قرار تعيين فيصل كأفضل زعيم للعراق كان نتيجة هندسة سياسية مركزها لندن. بموجب اتفاقية العقير عام 1922، تم ترسيم حدود العراق والسعودية والكويت وإنشاء مناطق محايدة. لكن اكتشاف احتياطيات النفط في هذه المناطق جعل مسألة من يديرها أكثر تعقيدًا في السنوات اللاحقة.
التلاعب الدبلوماسي والوعود المتناقضة
لم يقتصر بناء الحدود في الشرق الأوسط على الاحتلال المادي فحسب، بل شمل أيضًا التلاعبات الدبلوماسية. في هذا السياق، تبرز الوعود البريطانية المتناقضة للعرب. كشفت مراسلات مكماهون-الشريف حسين عن وعود بإنشاء مملكة عربية واسعة، لكن يبدو أن هذه الوعود كانت غامضة وتهدف إلى كسب الوقت. أراد مكماهون تحريض العرب ضد العثمانيين نيابة عن بريطانيا، لكن الوعود لم تُنفذ لاحقًا. وهذا يظهر أن الدبلوماسية الإمبريالية يمكن أن تكون أداة مدمرة مثل الاحتلال المباشر.
في نفس الفترة، حدد تقرير لجنة بونسن الأولويات الاستراتيجية البريطانية للشرق الأوسط ما بعد العثماني، مقدماً خريطة إقليمية تستند إلى عوامل عرقية ودينية واقتصادية. على الرغم من عدم اعتماد التقرير رسميًا، فقد وجهت توصياته السياسات اللاحقة.
الدول الهشة والهويات المقسمة
نتج عن هذه العمليات دول صُممت من قبل هياكل استعمارية، واستندت إلى شرعية مفروضة من الخارج بدلاً من الشرعية الشعبية. زاد هذا الأمر من هشاشة الدول، وأصبحت "النظام" و"الدولة" شيئًا واحدًا في العديد من الأماكن. صُممت أجهزة الدولة وفقًا لنمط مؤسسي مستورد من الغرب، وطُورت نماذج التنمية الاقتصادية والتعليم وفقًا لرغبات الحكام، لكن البنى الاجتماعية المحلية لم تتمكن من التكيف مع هذه النماذج. أدى هذا التناقض إلى أزمات شرعية داخلية وخارجية متكررة للدولة.
أدى تقسيم القبائل التي تعيش في المناطق الحدودية إلى تعقيد مشاريع الهوية الوطنية. حافظت الشعوب الأصلية عمومًا على مسافة من الحدود الجديدة ونموذج الدولة القومية. حاول الحكام تعزيز شرعيتهم من خلال إيديولوجيات وقيم تهدف إلى توحيد المجتمعات والأراضي المقسمة.
النزاعات بين الدول وحروب الحدود
أدى النفط إلى إضافة بُعد اقتصادي إلى قضايا الحدود، إلى جانب البعد الجيوسياسي. منذ الستينيات، مع اكتساب العديد من مناطق الشرق الأوسط أهمية بسبب موارد الطاقة، عادت نزاعات الحدود المنسية إلى الواجهة. نشبت خلافات شديدة بين العراق والكويت، والسعودية وقطر، والسعودية والإمارات العربية المتحدة، والبحرين وقطر حول الوصول إلى الموارد تحت الأرض. مع أزمة النفط عام 1973، أصبحت موارد الطاقة أوراقًا جيوسياسية، وأعيد تعريف الحدود كساحات صراع حول هذه الأوراق.
الحدود والهوية
لم تحدد الحدود في الشرق الأوسط الأراضي فحسب، بل حددت أيضًا الهوية والانتماء. كانت الحدود في الشرق الأوسط ذات دلالة سياسية، مما جعلها تعمل كتصورات ذهنية. لم يتطابق مفهوم الحدود الحديث القائم على نظام ويستفاليا مع الحقائق الاجتماعية في الشرق الأوسط في كثير من الأحيان. في المنطقة، ترتبط الهوية أكثر بالقبيلة والقيادة، بينما تأتي الأرض في المرتبة الثانية. لذلك، لم تكن فكرة الحدود الثابتة والمتوافقة مع الهوية الوطنية ذات معنى كبير للسكان المحليين.
زادت حركة القبائل البدوية الموسمية من مرونة الحدود وأضعفت سيطرة الدول على هذه المناطق. بهذا المعنى، تمتلك حدود الشرق الأوسط طابعًا "قاسيًا" و"سائلًا" في آن واحد.
النزاعات البحرية
تعد مناطق الولاية البحرية من بين المشكلات المزمنة في المنطقة. على الرغم من الاعتراف الدولي بمعظم الحدود البرية، لا تزال هناك نزاعات كبيرة حول المناطق البحرية، خاصة في الخليج العربي. يتمتع العراق بوصول محدود جدًا إلى البحر، بينما تقتصر صلة الأردن بالبحر على شريط ساحلي ضيق. أدى هذا الوصول المحدود إلى زيادة التنافس والتوتر في مجال نقل الطاقة والتجارة والأمن البحري.
الحروب والنزاعات المسلحة
أدت مشاكل الحدود هذه على مر التاريخ إلى توترات واشتباكات مسلحة وحروب. يرتبط الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وغزو العراق للكويت عام 1990، والتوترات بين السعودية ودول الخليج والسعودية واليمن (1995-1998) ارتباطًا مباشرًا بنزاعات الحدود. تظهر هذه الأمثلة أن الحدود لم تكن مجرد قضايا دبلوماسية، بل أصبحت أيضًا مبررًا للتدخلات العسكرية المباشرة.
الخلاصة: إرث الاستعمار وأزمات الحدود
في ضوء هذه البيانات، تكمن جذور مشاكل الحدود في الشرق الأوسط في التدخلات الاستعمارية وسياسات القوى الإمبريالية. رُسمت حدود دول المنطقة إلى حد كبير من قبل قوى خارجية، وتجاهلت هذه الرسومات في كثير من الأحيان المطالب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة. خاصة بعد انسحاب بريطانيا من الخليج العربي في الستينيات، أطلقت معاهدات الحدود الثنائية التي تركتها أزمات جديدة بين الدول المجاورة. كانت هذه الاتفاقيات من جانب واحد في الغالب، واستبعاد الأطراف المجاورة الأخرى من العملية أضعف شرعية الحدود.
في الختام، كانت الحدود في الشرق الأوسط خطوطًا مصطنعة لم تشكل الأراضي فحسب، بل شكلت أيضًا الشعوب والهويات والمستقبل. ظهرت هذه الخطوط كنتاج للتدخلات الاستعمارية، وحُفظت لحماية مصالح القوى الإمبريالية. على الرغم من انتهاء المشاريع الإمبريالية ظاهريًا، لا تزال المشكلات الهيكلية الناتجة عن الحدود من بين الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الإقليمي اليوم. ربما تغيرت خريطة الإمبريالية، لكن المشكلات الهيكلية التي خلفتها الحدود لا تزال إرثًا ينتظر الحل.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة المصير المرسوم بالمسطرة مشاكل الحدود في الشرق الأوسط
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ المصير المرسوم بالمسطرة مشاكل الحدود في الشرق الأوسط قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، المصير المرسوم بالمسطرة: مشاكل الحدود في الشرق الأوسط.
في الموقع ايضا :