كتب: كمال ميرزا بالأمس قبل أن أنام، كنتُ أفكر بأنّ ما تحتاجه إيران كي لا تكرّر الخطأ الذي وقع به غيرها، أن تبادر هي بالهجوم، وأن تكون الضربة الأولى لها، لا أن تنتظر أن يقوم العدو بحركته مراهِنةً على قدرتها على امتصاص الضربة واحتوائها ومن ثمّ الردّ عليها. هذا هو أحد الدروس العظيمة التي علّمنا إياها "طوفان الأقصى" حين استبقت المقاومة المخطّطات الصهيونيّة تجاه قطاع غزّة بشنّ هجوم السابع من أكتوبر، ولو أنّ المقاومة انتظرت أن يقوم العدو بخطوته الأولى لاختلف مسار الأحداث، ولحُسمت المواجهة مبكراً، ولربما كان قطاع غزّة الآن قاعاً صفصفاً خالياً من أهله وقد نجح مخطّط الإبادة والتهجير. وفي حدود تصوّري، من أبجديّات الإستراتيجيّة العسكريّة (أو هكذا يُفترَض): إذا كانت المواجهة محتومة ولا بدّ، فلتختر أنتَ الزمان والمكان والكيفيّة، ولا تترك للعدو أن يفرض عليك زمانه ومكانه وكيفيّته! وما أن أغمضتُ عينيّ على هذه الفكرة وقد اضمرتُ الكتابة عنها في الصباح، استيقظتُ لأجد أنّ الكيان الصهيونيّ وقد سلبنا المبادرة مرّة أخرى، وقام بالفعل بتنفيذ ضربته لإيران، أو للدقّة، أمريكا والغرب هما اللذان قاما بتوجيه ضربتهما من خلال الكيان الصهيونيّ ذراعهما في المنطقة! الذي أوحى إليّ بهذا الكلام خبر عابر قرأته أثناء تصفّحي أمس المواقع الإخباريّة: ((تقديرات أمريكيّة: إيران تمتلك نحو 2000 صاروخ باليستي قادر على ضرب إسرائيل)). للوهلة الأولى، ظاهر مثل هذا الخبر قد يدغدغ عواطف أنصار المقاومة ومحورها، وكارهي الكيان الصهيونيّ وأمريكا وأذنابهما في المنطقة. ولكن لسبب ما، هذا الخبر أعاد إلى ذهني أجواء ما تسمّى "حرب الخليج الأولى"، والخطاب الإعلاميّ الذي كان سائداً حينها. أيامها كانت هناك مبالغة كبيرة وتهويل شديد من قبل وسائل الإعلام الغربيّة (وبالتبعيّة وسائل الإعلام العربيّة) في تصوير قوّة وقدرات الجيش العراقيّ، ووصفه بأنّه رابع أقوى جيش في العالم، وامتلاكه ما تُسمّى "أسلحة الدمار الشامل"! لتتالى الأحداث بعدها، ويتبيّن أنّ الهدف الحقيقيّ من المبالغة والتهويل هو خلق قناعة ولو مُضمرة لدى الجميع بفداحة "الخطر" الذي يمثّله العراق وأسلحته، وبالتالي تبرير وتسويغ ولو بطريقة غير مباشرة حجم وفداحة العدوان الذي سيُشن عليه تاليّاً (تحت غطاء قرارات ما تُسمّى الشرعيّة الدوليّة). وبالنسبة لمحبّي العراق وأنصاره، فإنّ المبالغة في تصوير قوة العراق وقدراته، زادت من وقع وهول وأثر هزيمته وانكساره.. ولا ننسى هنا أنّ العرب لم يُساقوا سوقاً إلى مؤتمر مدريد للسلام إلّا بعد أن هُزم العراق! هل يعني هذا أنّ العراق لم يكن قويّاً وقتها، وأنّ إيران ليست قويّة الآن؟! الإجابة قطعاً لا، ولكن بما أنّ العدو يعرف مقدار هذه القوة تماماً، ويتحدّث عنها في خطاباته وتصريحاته وإعلامه، فقطعاً قطعاً أنّ تعويله في مخططاته لا يقوم على الصدام مع هذه القوة وإمكانيّة كسرها بالمعنى الآنيّ المباشر. ففي حالة العراق، أمريكا وأذنابها لم يستطيعوا فعليّاً كسر العراق عسكريّاً، لا في العدوان الأول سنة 1990، ولا في الغزو التالي سنة 2003. ما حدث أنّه قد تمّ توجيه ضربة قاسية للعراق أرهقته، وأضعفت قدرة الدولة العراقيّة بأجهزتها ومؤسساتها خاصة في الشقّين السياديّ والأمنيّ، صاحبَ ذلك عقوبات وحصار جائر خنق الشعب العراقيّ (أيضاً باسم الشرعيّة الدوليّة)، وجوّع أبناءه، وحطّم معنويّاته (وهو الذي كان قد خرج منتشيّاً وفخوراً بنصره في الحرب العراقيّة الإيرانيّة)، وأرسى حالة من اليأس والقنوط والسخط، وأوجد جيلاً مهزوماً يفتقر لإرادة الصبر والصمود والتحدّي. إضعاف الدولة وخنق الشعب خلقا مناخاً مواتياً ومهّدا الأرضيّة للسلاح الحقيقيّ الذي تعوّل عليه أمريكا وأذنابها لتحقيق الحسم على المدى البعيد: الخون والعملاء والجواسيس، سواء من الأفراد مدنيّين وعسكريّين داخل منظومة الدولة وهرم القيادة نفسه، أو من فئات وقوى وشرائح ومكوّنات اجتماعيّة بعينها (طبعا مع التوظيف الكثيف للإعلام والبروبوغندا والخطاب الطائفيّ). هؤلاء الخون والعملاء والجواسيس قد كانوا العامل الحاسم في استكمال "المهمّة"، وتحقيق النصر، وتمكين أمريكا وأذنابها لاحقاً من غزو العراق واحتلاله ووضع اليد على موارده وسلب ثرواته ومقدراته بأسهل ما يمكن وبأقل التكاليف. هذا النموذج و"السيناريو": ضربة ترهق الدولة وتسهّل اختراقها، ومن ثمّ خون وجواسيس وعملاء، هو نفس النموذج و"السيناريو" الذي تمّ تطبيقه فيما تسمّى ثورات الربيع العربيّ، وبشكل أساسيّ في سوريا، مع اختلاف الحيثيّات والتفاصيل. وهو نفس النموذج و"السيناريو" الذي طالما طبّقه وانتهجه الكيان الصهيونيّ في الضفّة الغربيّة تحت غطاء ما يسمّى "التنسيق الأمنيّ"، ويحاول أن يطبّقه الآن في غزّة عبر عصابة "ياسر أبو شباب" ومَن لفّ لفيفه. وبالقياس، هو نفس النموذج و"السيناريو" الذي سيحاول العدو تنفيذه في إيران، بل بالأحرى، قد شرع بتنفيذه بالفعل؛ فالعقوبات والحصار ضدّ إيران موجودان أساساً (وطبعاً سيصار إلى تشديدهما)، واختراق الداخل الإيرانيّ بالخون والعملاء والجواسيس حاصل بالفعل، وهو ما وشت به الاغتيالات والاستهدافات المتكرّرة، وما وشى به العدوان الإسرائيليّ الأخير. بكلمات أخرى، ما على إيران أن تخشاه تاليّاً ليس ما يأتيها من الخارج، بل ما يُحاك ويُدبّر لها في الداخل! هل يعني هذا الكلام أنّه قد "فات الفوت"؟! الإجابة قطعاً لا، ولكن بشرط، ألّا تقترف إيران الخطأ الذي ارتكبه غيرها، وألّا تقع في الفخ نفسه! إذا كان لدى إيران قوة فلتستخدمها الآن، وحالاً، وتوّاً، ولتُفرغ مافي جعبتها مباشرةً على رؤوس الكيان وداعميه، وعلى طريقة "عليّ وعلى أعدائي".. لأنّها إذا انتظرت أكثر فسيتم تحييد قوتها هذه حتى وإن بقيت سليمة ولم تُدمّر، وستصبح "هي وقلّتها واحد"! هذا هو الدرس الذي تعلّمه العراق وحاول تداركه عندما حاول إفراغ ما في جعبته من صواريخ على رأس الكيان الصهيونيّ.. ولكن بعد فوات الأوان. وهذا هو الدرس الذي رفض النظام السوريّ تعلّمه على مدار سنوات الأزمة، وأخذته العزّة بالأثم، وأصرّ على الرهان على دهائه وقدرته على اللعب على جميع الأوتار في علاقته مع حلفائه وخصومه على حدّ سواء.. ليسقط هذا النظام بطريقة هزليّة، وليدمّر الكيان الصهيونيّ في يومين الأسلحة والقدرات التي راكمها الجيش السوريّ على مدار خمسين سنة ولم يستخدمها أو يستغلّها بـ "خمسة قروش" كما يقول التعبير الشعبيّ. وفي المقابل هذا هو الدرس الذي تعلّمه أبطال المقاومة في غزّة وإخوان الصدق في اليمن: الهجوم هو خير وسيلة للدفاع، وهو ما مكّنهما من الصمود لغاية الآن، والاحتفاظ بالمبادرة، وتقوية موقفهما التفاوضيّ.. رغم الفرق الهائل في القوة والإمكانات! وامتداداً لثيمة الخون والعملاء والجواسيس، القاسم المشترك في النموذج و"السيناريو" الصهيو-أمريكيّ أعلاه، وجود دول جوار تناصب "الدولة المستهدَفة" العِداء، أو على الأقل مستعدّة لاعتبارات نفعيّة ومصالحية ووظيفيّة ضيقة التواطؤ ضدّ هذه الدولة، وإتاحة أراضيها وأجوائها ومياهها وقدراتها وأجهزتها وبناها التحتيّة لصالح العدو إن هجوماً أو دفاعاً. والمضحك المُبكي، أنّ المستهدِف بالأمس (بكسر الدال) قد يصبح المستهدَف اليوم (بفتح الدال)، وأنّ المُستهدَف اليوم قد يصبح مستهدِفاً في الغد.. والمستفيد دائماً وأبداً هو العدو! فعلى سبيل المثال، سوريا التي شاركت في قوّات "حفر الباطن" ضدّ العراق سنة 1990 هي التي تم التآمر عليها وصولاً إلى إسقاطها سنة 2025. وإيران التي تواطأت مع الغزو والاحتلال الأمريكيّ للعراق سنة 2003 هي التي بدأت عمليّاً وعمليّاتيّاً معركة إسقاطها حاليّاً. والسُنّة الذين اكتووا بنيران التقارب الأمريكيّ-الشيعيّ في مرحلة من المراحل، هم الذين نراهم يضعون يدهم الآن في يدّ الأمريكيّ والصهيونيّ ضدّ الشيعة.. وهكذا دواليك! هذا الكلام مهم وخطير وحسّاس لثلاثة أسباب: السبب الأول: أنّ سقوط إيران، وبغض النظر عن مدى حبّك أو كرهك لها كدولة أو نظام أو شعب، هو إضعاف للمنطقة برمّتها يدفع ثمنه الجميع من خلال إعادة إنتاج وترسيخ حالة الهيمنة والتبعيّة والاستلاب. السبب الثاني: أنّ العدو الصهيو-أمريكيّ لا يؤمَن جانبه مهما أُبرِمَت معه من عهود وأحلاف، ومهما تمّ إبداء الود وحسن النوايا تجاهه، ومهما قُدّمت إليه من هبات ومغريات.. فهذا العدو لا يعرف ولا يقدّس إلّا مصالحه، وهو على استعداد للتخلّي عن أوثق أصدقائه وحلفائه في لحظة إذا اقتضت مصلحته ذلك. السبب الثالث: أنّ الانتهاء من مهمّة إسقاط وتقويض وتفتيت دولة ما في المنطقة، لا يعني العودة إلى حالة من الهدوء والاستقرار ولو نسبيّاً، بل يعني الانتقال إلى الدولة التالية على سُلّم الأولويّات. وعربيّاً، لدينا ثلاث أولويّات لا يمكن للعدو الصهيو-أمريكيّ وفق نهجه ومخططاته الحالية السماح لها بالبقاء والاستمرار والرسوخ وبلوغ مداها. أولاً: مصر الأكبر ديمغرافيّاً مما ينبغي والأقوى عسكريّاً مما ينبغي. ثانياً: السعودية الأكبر مساحةً مما ينبغي والأغنى مما ينبغي. ثالثاً: الجزائر الكبيرة والغنية والقويّة نسبيّاً إلى حدّ كبير! نحن أمام تجلٍ آخر من تجلّيات سيناريو إمبرياليّ استعماريّ قديم وفيلم صهيو-أمريكيّ محروق، وهذا الكلام موجّه بشكل أساسيّ لأولئك الذين يعميهم حقدهم الطائفيّ وغباؤهم السياسيّ حدّ الفرح بضرب إيران وتمنّي سقوطها أو حتى التواطؤ ضدّها! إذا سقطت إيران فإنّ الدور لن يتوقّف عند إيران، أنتم تالياً، وهذا الدرس رغم أنّنا تعلّمناه بالطريقة الصعبة إلّا أنّنا نصرّ كعرب ومسلمين على الرسوب في اختباره مرّة بعد مرّة بعد مرّة! .
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة ما ي حض ر لإيران وما يمكن لإيران فعله عاجل
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ ما ي حض ر لإيران وما يمكن لإيران فعله عاجل قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، ما يُحضّر لإيران.. وما يمكن لإيران فعله! عاجل.
في الموقع ايضا :