*المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب
على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة
الحلقة الثانية
وقد استنكر الجميع تفشي فضيحة الغش بعدد من المدن المغربية ما يؤكد أن المدرسة المغربية كانت بصدد تفسخ خطير.
֎القضاء لم يسلم من الفساد فيما سمي بالعهد الجديد
في نفس السنة (2006)، ستكون منظومة العدالة بالمغرب على موعد مع اختلالات كبرى فجرها خمسة محامين في مقال معنون ب" رسالة الى التاريخ " تم نشره بإحدى الصحف الوطنية. وقام فيه المحامون المعنيون بانتقاد لاذع لما اعتبروه ممارسات لا مسؤولة تطبع سير العدالة، مؤكدين أن "الرشوة والزبونية والفساد تنخر جسم القضاء المغربي".
وقد أفضت هذه القضية التي انطلقت من هيئة المحامين بشمال المملكة إلى توقيف المحامين الخمسة الرافضين في الانخراط في موجة "التهجين القضائي" بالسكوت عن الفساد المستشري في القطاع، بل منهم من شطب على اسمه من الهيئة.
المهم في هذا الملف أنه عرف تشابكا مريعا للخيوط في إطار عمليات فساد طالت جمركيين ومسؤولين كبار بالسلطة وقضاة وموظفين ساميين بالعدالة. تحركت الهيئات النقابية والحقوقية للدفاع عن ضحايا ضريبة التصدي لأمواج الفساد المستفحل، ولكن دون جدوى. كانت الفترة على صفيح ساخن من الأحداث المتعاقبة بشكل مثير: ملف منير الرماش ( وريث الديب و العربيطي و التمسماني: "أباطرة المخدرات" في تسعينيات القرن الماضي)، ملفات أخرى مرتبطة بمنظومة العدالة و التي أدت إلى استقالة عدة قضاة من المجلس الأعلى للقضاء بالمغرب خصوصا مع وقائع متسارعة في جرائم تسهيل تجارة المخدرات، حيث وردت أسماء بعض القضاة في المحاضر المنجزة من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كفريد بنعزوز نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتطوان وكذا عبد القادر اليونسي و عبد السلام الحجيوي وعبد الله سلال قاضيين بالمحكمة الابتدائية بتطوان، وكذا عبد الكريم الزهواني رئيس الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بتطوان في فترة من فترات هذا الملف الضخم الخاص بتجارة المخدرات شمال المغرب و الذي أطاح بشخصيات وازنة من الدرك الملكي و الأمن و الجمارك و القضاة و مسؤولين بمصالح المديرية الجهوية لحماية التراب الوطني و بعض البرلمانيين ( محمد الجوهري نموذجا). في خضم هذه السياقات المتداخلة ربما، سيجتمع في شهر غشت من سنة2011 حوالي 350 قاضيا لتأسيس جمعية مهنية تحت مسمى «نادي قضاة المغرب" هدفها التأطير الجديد للقضاة داخل الحدود العامة التي أصبح يتيحها الدستور الجديد لأفراد السلطة القضائية، رغم ان هذه العملية التأسيسية الجديدة لم تكن سلسة إطلاقا...
يجب ألا ننسى أيضا التذكير بملف منير الماجيدي الذي قام، تحت عباءة القصر في فترة لاحقة، بتنمية بعض الأعمال الخاصة حتى لقب بـ ” سيد اللوحات الاشهارية " والعقارات السياحية السهلة المنال بسبب استغلال النفوذ والسيطرة على كل السلط كمدير للكتابة الخاصة لمحمد السادس قبل أن يغضب عليه جلالته غضبة قوية جرده على إثرها من كل مهامه السابقة...
أمام هذا السيل العارم من فضائح الفساد الذي طال أيضا قطاعا حيويا يتباطأ في الحكم على المفسدين الكبار ويصدر أحكاما بسرعة البرق على من يحتج على غلاء السردين وأسعار المواد الغذائية وغيرها إلى حدود اليوم، تحركت وسائل الإعلام الحرة بالبلاد واستمرت في النبش لفضح تواطؤات القضاء كسلطة مستقلة وجب عليها محاربة الاختلالات عوض التستر عليها. وقد برز اسم الصحفي رشيد نيني وقتئذ، بجريدة المساء " كصوت لاذع ضد هذه الملفات وغيرها، ومن أبرز ما كتبه في الصدد: " شيء ما فاسد في المملكة الشريفة". كما توالت تنديدات أصوات صحفية أخرى ضد الوضع القائم جراء الفساد، حتى أن هناك من الصحفيين من تجرأ بالقول أن: "الإنصاف والمصالحة مسرحية هزلية، وأن السكتة القلبية التي رفعت كإنذار في التسعينات مازالت أسبابها قائمة في المغرب» كما أن احمد بن جلون أدلى وقتها للشرق الأوسط بما يلي:
مرحلة جديدة من رغبة الدولة في مكافحة الفساد 2007/2012
عمل المغرب ربما في هذه الفترة على تطبيق المقولة الشهيرة للمهدي المنجرة: "الإصلاح كالعملية الجراحية كلما تأخرت إلا وقلت فرص نجاحها وضاعفنا الثمن"
فقد عرفت (فترة حكومة عباس الفاسي: 2007-2012) شروع المغرب في تنفيذ خطة ملاءمة بين مقتضيات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وتشريعاته الوطنية، ابتداء من نشرها بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 يناير 2008، مبادرة استحسنها المجتمع السياسي والمدني رغم صدورها من حكومة وزير أفلت من العقاب في ملف "فضيحة النجاة" الشهيرة التي نهبت ملايير شباب المغرب من طرف هنود وباكستانيين ومغاربة. وشهدت هذه المرحلة حدثا بارزا وهو تفعيل دور المجلس الأعلى للحسابات في التصدي لمظاهر سوء التدبير والفساد الإداري والمالي. وبالفعل، ومع أن المغرب لم يتحسن وضعه في الترتيب العالمي، فقد كان التحول الأساسي في استراتيجية الدولة في مجال محاربة الفساد هو التفعيل العملي للمجلس الأعلى للحسابات ابتداء من سنة 2007، على عهد الرئيس الأول أحمد الميدواي. فتبوأ المجلس وبسرعة مكانة الصدارة ضمن الأعمدة الأساسية في منظومة النزاهة بالمغرب. نظرا لامتلاكه دراية بحقائق التدبير الإداري والمالي العمومي، بحيث تكون لملاحظاته وتوصياته التدقيقية أثر في التنبيه والوقاية من الفساد من جهة، ولإحالاته على القضاء الجنائي للملفات التي يشتبه في طابعها الجنائي دور في ردع ومكافحة الفساد من جهة أخرى. كما يملك المجلس أيضا القدرة القانونية على المساءلة التأديبية المالية للمخالفات التدبيرية التي لا تكتسي صبغة جنائية، لكنها تشكل مدخلا لسوء الإدارة وهدر المال العام.
واتخذت الحكومة إجراءات عقابية بحق بعض المسؤولين الإداريين الواردة عنهم ملاحظات في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فضلا عن بعض حالات المتابعة الجنائية بالاستناد إلى أشغال اللجنة التي أحدثها وزير العدل وقتها، والتي اشتغلت على التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات. كما أن تخويل المجلس صلاحية مراقبة حسابات الأحزاب وإنجازه لتقارير خاصة بالموضوع، وتخويله الثقة والمسؤولية فيما يخص ضبط ومتابعة التصريحات بالممتلكات وفقا لقانون جديد صدر سنة 2009 في هذا الشأن، كل ذلك أدى إلى تزايد الطلب على دور المجلس من قبل المجتمع السياسي والمدني، وإلى تفاعل متصاعد مع تقاريره، وترقب مستمر من الرأي العام لصدورها، مع طرح تساؤلات حول المآلات المخصصة لها.
هذه الفترة على إيجابية طابعها الاستثنائي، لم تخل من استمرار بعض تمظهرات الفساد، بالإضافة إلى ظهور مقاومة شرسة للرغبة في التغيير. فالقضاء لم يستطع بعد الحسم في الملف الشائك لشركة النجاة التي مارست النصب والاحتيال على 30 ألف شاب مغربي، فضيحة ضلعت فيها الكثير من الأسماء الوازنة التي تقلدت مناصب حساسة في المسؤولية الوزارية والإدارية بالمملكة! كما أن المجلس الأعلى تعرض لهجومات شرسة من طرف الأحزاب السياسية بعد أن بدأ بفحص حساباتها وطرق صرفها للدعم العمومي المقدم لها عندما قام بنشر تقاريره الرقابية، فاتهمته بتجاوز اختصاصاته وبسلوك نهج الانتقائية في الرقابة والمحاسبة: فعبد الحميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال سبق له منذ سنة 2008 أن وصف في تصريح مثير قضاة المجلس الجهوي للحسابات بفاس بالإرهابيين، فيما عبر الناطق الرسمي لنفس الحزب سنة 2014 عن موقف يتهم المجلس بتجاوز اختصاصاته والتدخل في الشأن السياسي على خلفية الانزلاقات التي كشفها المجلس في تدبير قطاع الأدوية في عهد الوزيرة الاستقلالية ياسمينة بادو. وكان حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2012 قد طرح سؤالا برلمانيا لوزير العدل بخصوص ما أسماه “الانتقائية في الملفات المعروضة على القضاء، والسرعة في البت في بعضها دون الأخرى”، وذلك على خلفية اعتقال القيادي في الحزب خالد عليوة بشأن الانزلاقات المسجلة في تدبيره الإداري والمالي لمؤسسة القرض العقاري والسياحي كما دعا حزب العدالة والتنمية المجلس الأعلى للحسابات إلى اعتماد استراتيجية واضحة في المراقبة وأعاد الكرة نفس الحزب خلال شهر ديسمبر 2018 متهما رئيس المجلس بالتقييم السياسي لعمل الحكومة على خلفية الانتقادات التي تضمنها عرضه السنوي أمام البرلمان، والتي همت سياسات الحكومة في تدبير المديونية والقطاع الاجتماعي. فيما أكدت تقارير المجلس على غياب الحكامة المالية الرشيدة لإدارة أغلب الأحزاب السياسية. وفي مستوى آخر تحول موضوع مكافحة الفساد إلى موضوع للمزايدات بين الأحزاب السياسية: ففريق الأصالة والمعاصرة "المعارض" للعدالة والتنمية، يعتبر أن فشل سياسات مكافحة الفساد هو فشل تتحمله الحكومة وحدها وأحزابها، وأن “الإرادة الحقيقية غير موجودة لديها لمحاربة الفساد، مذكرا بأن عبد الإله ابن كيران (2012-2017) سبق له أن صرح أكثر من مرة بأن الفساد يحاربه، وليس هو الذي يحارب الفساد، كما أنه أشهر الراية البيضاء تجاه الفساد”. ...
كل ما سبق ذكره، يبين بأن المسار التنفيذي لاستراتيجية محاربة الفساد، تعترضه معيقات سياسية بنيوية تعود أيضا إلى تقاعس الأحزاب السياسية في الانخراط فيها ومحاولات التستر -أحيانا- على المؤاخذات المنسوبة لأعضائها، وإلى غياب التوافق السياسي في هذا الخصوص.
في جانب آخر من استمرار تمظهرات الفساد المستشري، رغم نية الإصلاح في المرحلة الجديدة، تم تسجيل ارتفاع مبالغ فيه لتعويضات بعض المسؤولين الكبار عن قطاعات بعينها كاتصالات المغرب مثلا، حيث لوحظ ارتفاع الدخل الشهري لأحيزون بشكل ملفت سنة 2011. وكشف موقع edubourse.com أن عبد السلام أحيزون الرئيس المدير العام لاتصالات المغرب، المملوكة بنسبة 51 في المائة لمجموعة “فيفاندي” الفرنسية، تقاضى سنة 2010 تعويضات تصل إلى 2 مليون و289 ألف أورو وهو ما يعادل راتبا شهريا يفوق 210 مليون سنتيم. وحسب الموقع ذاته فقد تقاضى أحيزون خلال 2007 تعويضات تفوق 2 مليون و386 ألف أورو، بينما وصلت تعويضاته في عام 2008 إلى 2 مليون و265 ألف أورو. هذه التعويضات الخيالية اعتبرها المتتبعون أيضا ضربا من اللامعقول في تدبير الشؤون الاقتصادية والمالية لفترة مهمة من مجهودات الدولة في تكريس المحاسبة وترشيد النفقات.
֎حركة 20 فبراير المجيدة: «هي كلمة واحدة، هاد الدولة فاسدة"
بعد أن بلغ السيل الزبى في تراكم ملفات الفساد التي أزكمت رائحتها كل الأنوف، وتزامنا مع حراكات شعوب المنطقة العربية من أجل التحرر من قيود الظلم والاستبداد، تأسست بالمغرب حركة 20 فبراير كحركة وطنية استهدفت تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في المغرب. وكان من بين المطالب الأساسية للحركة محاربة الفساد، والعدالة الاجتماعية، والحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان. فلعبت دوراً كبيراً في تنظيم الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بالإصلاح، وفي إبراز قضية الفساد على الساحة ومحاسبة المفسدين. كما ساهمت الحركة في رفع مستوى الوعي المجتمعي بأهمية محاربة الفساد، وتأثيراته على المجتمع والاقتصاد، وقاطعت حركة 20 فبراير الدستور الذي تمت الموافقة عليه، وساهمت في التوجه نحو إصلاحات أكثر شمولاً في مجال محاربة الفساد وتفعيل المساءلة.
֎ حكومة بنكيران بعد الحراك وإقرار الدستور: من "سأحارب الفساد" إلى "عفا الله عما سلف" !!
ظل بنكيران رمزا للثرثرة عن وجوب التغيير ومحاربة الفساد والتصدي للمفسدين خلال اندلاع حركة 20 فبراير حتى فوز حزبه بالولاية الحكومية. فقد نصب نفسه مالكا حصريا للأصل التجاري للنزاهة والشفافية بسلاح الحزم والصرامة والإيمان القوي... اعتقد المغاربة المصوتون عليه أن الوقت ربما حان لتغيير المنكر باليد لا بالقلب هذه المرة، لكن بدا للعيان أن سياسات مكافحة الفساد لم تستثمر كثيرا المناخ السياسي الملائم في أعقاب دستور 2011، ولم تستفد من حالة التعبئة الوطنية ضد الفساد التي تمخضت عن تفاعلات الحراك الشعبي. وظلت تلك السياسات تشكو من غياب رؤية استراتيجية عملية وبعيدة المدى، مجسدة في خارطة طريق محددة الأهداف والمواقيت. وقد تجلى ذلك في تأخر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لم يعلن عنها إلا في نهاية عهد حكومة بنكيران (2012-2017)، ولم يشرع في تنفيذها عمليا إلا في سنة 2018، بعد أن تسلم خلفه سعد الدين العثماني المنتمي لنفس الحزب رئاسة الحكومة! لقد ظل بنكيران يشكو من العفاريت والتماسيح دون كلل.
صحيح أن حكومته عملت على اتخاذ مجموعة من التدابير، من قبيل إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي حلت محل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة؛ حيث تعززت استقلالية الهيئة واتسعت صلاحياتها لتشمل التحقيق والزجر، وتم تجديد الإطار المؤسساتي لمجلس المنافسة، الذي بات يتوفر على صلاحيات واسعة وتقريرية، بعد أن تمت دسترته على غرار هيئة النزاهة؛ وتم تكليفه بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة. وقامت الحكومة بمراجعة النص القانوني المنظم للصفقات العمومية، بإدخال مجموعة من التعديلات الكفيلة بضمان المزيد من الشفافية وتكافؤ الفرص. ومن جهة أخرى تم تفعيل مجموعة من القوانين التي تتوخى محاصرة الفساد؛ كقانون مكافحة غسل الأموال وقانون التصريح الإجباري بالممتلكات وقانون حماية الضحايا والمبلغين والشهود. وتم الشروع في إصلاح القضاء وتخليق منظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية. لكن دون جدوى. فمقولته الشهيرة "عفا الله عما سلف" أمام كاميرات برنامج "بلا حدود" على فضائية الجزيرة، بينت بأنه لا ينوي "مطاردة الساحرات" ولا متابعة الفاسدين والمفسدين بمصباحه في جحورهم وأوكارهم، وإنما أتى إلى السلطة بنية "إصلاح الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتردية للبلاد". هذا تصريح يتنافى تماما مع وعوده الانتخابية كما يتعارض مع تجربة نشره للوائح مأذونيات النقل من لدن وزارته في التجهيز، وما أثارته من ضجة من طرف من تحصل عليها، حتى امتنع لاحقا عن نشر الباقي، لاسيما مأذونيات الصيد بأعالي البحار حيث حصة الأسد منها للجيش وعلية القوم. حتى زميله مصطفى الرميد -وهو المحامي والنائب البرلماني الذي طالما ناهض جيوب الفساد والمفسدين في المحاكم كما في غرفتي البرلمان- يقول وقتها إن الحكومة "لن تنهج حملات تصفية للمراكز المالية ولذوي رؤوس الأموال بدعوى محاربة الفساد". لم يفهم المصوتون على الحزب الملتحي أي شيء !!! .
في مقال مطول كتبناه عن هذه التصريحات العجيبة منذ سنوات (عفا الله عما سلف ودرس لمن يتهاون من الخلف)، أكدنا –كما أكد ذلك العديد من الزملاء في الإعلام الوطني- أن لا حق لبنكيران أن يصدر عفوا جزافيا على من ارتكب جرائم الفساد أو ساعد على ارتكابها، فهو ليس منتدبا قضائيا عن المغاربة، خاصة الذين صودرت أملاكهم أو ابتلعت أراضيهم أو تعرضت مشاريعهم للمصادرة...
֎ صناديق التقاعد: فساد يقض المضاحع..
في ذات الولاية، دق محمد العلوي العبدلاوي، المدير العام للصندوق المغربي للتقاعد، ناقوس الخطر حول ما يتهدد الاحتياطات المالية للصندوق، حيث قال حينها: "إذا لم نرد أن نصلح فيجب أن نقول للمتقاعدين والمستخدمين بأنه لن تكون لدينا أموال لتأدية مستحقاتهم". وكشف العبدلاوي خلال يوم دراسي حول تقرير المجلس الأعلى للحسابات بشأن أنظمة التقاعد، أن الصندوق المغربي للتقاعد صرف خلال 2014 حوالي 24 مليار درهم شهريا، في حين أن صندوق المقاصة الذي يهم جميع المغاربة لم تتجاوز مصاريفه حوالي 28 مليار درهم. والحقيقة أن البعد المؤسسي كان رئيسيا في المعضلة، خصوصا سوء الحكامة، والاختلالات في التدبير العمومي لصناديق التقاعد، زيادة على وجود متأخرات لمساهمة الدولة في صناديق التقاعد تعُود إلى سنة 1994، لم يجر دفعها إلى حدود تلك الفترة. (راجع مقالنا في ذات الصدد: "صندوق التقاعد تكال..2015.).
وينضاف إلى هذه المعضلة تزايد نسبة الشبحية الوظيفية حيث ازداد عدد الموظفين الأشباح وشكلوا عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة كما لا يزالون إلى حدود اليوم.
أمّا المثير للدهشة والاستغراب، فهو أنّ وزير الوظيفة العمومية المودع السجن اليوم بسبب الفساد: محمد موبديع، اعترفَ وقتها أنّ هناك موظفين أشباحا يحصلون على رواتبهم، رغم أن منهم من يعيش في الخارج، ومنهم من التحقَ بالرفيق الأعلى. كما أن تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات وقتها، أفادت أن المبلغ السنوي الذي يبتلعه أشباح الجماعات الترابية وحدها يصل إلى الملايير. حدث هذا للأسف في ولاية من تعهدوا بمحاربة الفساد والمفسدين.
֎ 2015: الضربة الثانية التي قصمت ظهر قطاع التربية والتعليم.
استفاق التلاميذ ومعهم جميع المغاربة في ثاني أيام امتحانات البكالوريا يونيو 2015 على فضيحة تسريب امتحان مادة الرياضيات ونشره في صفحة “تسريبات” على الفاسبوك ابتداء من الساعة الواحدة ليلا. التسريبات تسببت في فوضى بثانوية أبي القاسم الزياني بالدار البيضاء. ما اضطر المؤسسة إلى توقيف سير الامتحان وعلى إثر ذلك تجمهرت أسر وعائلات المترشحين لامتحانات البكالوريا أمام الثانوية. وبعد الفضيحة عم الاستياء والتذمر الجميع. (راجع مقالنا وقتئذ "لم ننس فضائح الأمس").
֎ خطب غاضبة وقرارات ملكية صارمة أمام تحصيل الحاصل
يبدو الأمر وكأن الجميع في المغرب يسلم بحقيقة "تجدر الفساد" كما يسلم بحقيقة "الأرض دائرية" رغم الجهود التي يقول الكثيرون أنها بذلت من طرف الدولة لمكافحته.
في أواخر الولاية البنكيرانية المذكورة، سيلقي محمد السادس خطبا تفوح منها رائحة الغضب كما سيتخذ بعض القرارات الصارمة:
في الخطاب الملكي ليوم 30 يوليو 2016 بمناسبة ذكرى عيد العرش سيؤكد الملك: “محاربة الفساد هي قضية الـدولة والمجتمع، الدولة بـمؤسساتها، من خلال تفعـيل الآليات القانونية لمحاربـة هـذه الـظاهـرة الخطيرة، وتـجريـم كل مظاهرها للضرب بـقـوة على أيـدي الـمفـسدين” .... “لا ينبغي أن تكون مـوضوع مزايـدات ولا أحد يستطيع ذلك بمـفرده، سواء كان شخصا، أو حزبـا، أو منظمة جمعوية. بل أكثر من ذلـك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خا رج إطـار القانون”. وأضاف” أن المفهوم الجـديـد للسلطة يعني المساءلـة والـمحاسبة، التي تتم عبر آليات الـضبط والمراقبة، وتطبيق القانـون (…)، كما أن مـفهومنا للسلطة يـقوم علـى محاربـة الفساد بكل أشكاله في الانتخابات والإدارة والـقـضاء، وغـيـرهـا “، مشددا على أن “عدم الـقيام بالواجـب، هو نوع من أنـواع الفساد”.
في أواخر ولاية بنكيران وأخواته وإخوانه، سيخطب الملك غاضبا خصوصا بعد فضيحة منارة المتوسط بالحسيمة لاحقا، والتي أفضت إلى ما سمي حينها ب "الزلزال السياسي" الذي عصف بـ 14 مسؤولاً رفيعاً، من بينهم سبع كتاب عامين، بكل من وزارات الصحة، والثقافة، والسياحة، والسكنى وسياسة المدينة والتعمير، والكاتب العام الحالي لرئيس الحكومة بصفته كاتبا عاما سابقا لوزارة البيئة، والكاتب العام لوزارة الشباب والرياضة، والكاتب العام لوزارة التربية الوطنية. دعا الملك في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليو 2017، إلى التفعيل الصارم لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ، ثم أعاد بتاريخ فاتح يوليوز 2018 التأكيد على أن محاربة الفساد ينبغي أن توضع في صميم الأولويات، طالما أنه يشكل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحد من طموح الشباب من خلال رسالة موجهة إلى القمة الـ 31 للاتحاد الإفريقي،
بدا محمد السادس في نظرنا، وكأنه يريد القليل من الثرثرة والكثير من العمل والبراكسيس، خصوصا وأن رتبة المغرب في مؤشر مدركات الفساد قد اضمحلت سلبيا وبلغت 91 عوض 88 قبل حكومة العدالة والتنمية حسب مصادر ترانسبارانسي المغرب فترتئذ. ووعيا من الدولة المغربية بأن فعالية سياسات مكافحة الفساد رهينة بالفعالية النسقية للنظام الوطني للنزاهة، وبأن فعالية هذا الأخير رهينة بتفعيل أعمدته
واستكمال بنيانه وتصليب معماره، صدرت قرارات ملكية جديدة خلال شهري نونبر وديسمبر 2018. وتمثلت هذه القرارات الهامة في تعيين رئيس جديد لمجلس المنافسة وما تلاه من تعيين لأعضائه، ثم ملء شغور منصب رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتعيين رئيس جديد لمؤسسة الوسيط. وقد ترافقت هذه التعيينات مع توجيهات صريحة تدعو على الخصوص للتنسيق المؤسساتي لجهود مكافحة الفساد وإعمال آلية الزجر عبر تحريك المساطر القانونية والقضائية وهي تطورات سارت في الاتجاه الصحيح؛ كما نبأت بإمكانية تجويد حكامة ونتائج سياسات مكافحة الفساد في المستقبل المتوسط والبعيد.
֎ كلمة عن الفساد الانتخابي ببلادنا الذي ينتج نخبا سياسية فاسدة
عرف المشهد الانتخابي بالمغرب لسنوات طوال هيمنة مفضوحة للانتخابات الفاسدة المرتكزة على التحايل والتهديد وشراء أصوات الناخبين. وهذه العمليات كثيرة ومتعددة يدخل في نطاقها الكذب على المصوتين باستغلال سذاجتهم وطيبوبتهم أو دفع مقابل لهم لشراء أصواتهم أو استعمال القوة أو التهديد أو الابتزاز إزاءهم إلى غيرها من الوسائل المستبدة. (راجع مقالنا لسنة 2015 "عندما يصبح المترشح والناخب سيان").
ولعل أكثر مظاهر الفساد الانتخابي شيوعا وانتشارا في واقعنا المغربي ظاهرة “شراء الأصوات” أو “الحصول على أصوات الناخبين بمقابل”. كما أشرنا آنفا. وهذه الظاهرة تجعل المترشح يدلي بصوته لفائدة شخص لا يعرف عن مؤهلاته وأفكاره وبرنامجه أي شيء سوى أنه سيمكنه من مبلغ من المال. ولازالت متحكمة إلى حدود الانتخابات الأخيرة حيث شاهدنا بأم أعيننا الأوراق النقدية توزع على الناخبين المحتملين بالأحياء الشعبية للمدينة التي نقطن بها. وكان الحزب الموزع للأموال وأكياس الدقيق وعلب زيت المائدة هو من فاز بأغلبية مريحة، كما كان قد فاز بها في وقت سابق حزب الجرار الذي دجج حملته الانتخابية بسيارات استعراضية من نوع "جوتابل"، في تكريس غير معقول لمبدأ اللامساواة في الدعم والإمكانيات بين الأحزاب المتنافسة، وهذا موضوع آخر..
وبديهي أن الفساد الانتخابي يؤثر في الحياة السياسية أي أنه يرخي بظلاله السلبية على الحياة السياسية، لاسيما إذا اتسع مداه وشمل نطاق البيع والشراء مساحات شاسعة من الدوائر الانتخابية، ما يؤثر بالتالي على المؤسسات السياسية المنبثقة عن الانتخابات لأنها تقود في نهاية المطاف “منتخبين فاسدين” إلى هذه المؤسسات التي، نتيجة لذلك، تشتغل بشكل سيء وتتخذ قرارات خاطئة في مصير الأمة.
( يتنع )
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة الحلقة الثانية قد تم نشرة ومتواجد على ازيلال 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، *المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة الحلقة الثانية .
في الموقع ايضا :