*المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب
على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة
الحلقة 03 الثالثة
أما في قضايا التملص الضريبي، فقد استغل الوزراء والمنتخبون مناصبهم لعقد زواج كاثوليكي مع الفساد. فقد قامت الخزينة العامة للمملكة بحجز راتب رشيد الطالبي العلمي، القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجلس النواب (يا حسرة)، بعد تهربه من أداء الضرائب لأزيد من 25 سنة. هدا مع اكتشاف معمل سري لإنتاج النسيج تابع لشركته منذ سنة 1991 ! . ألم يكن مبلغ مليار و300 مليون درهم، كافيا من شر إفلاس صناديق التقاعد؟ هذا يُذكّرنا أن الريع لا يحتاج إلى الأقنعة، بل قد تكون له بذلة رسمية، ولسان يدافع عنه باسم المساواة.
المؤسف للغاية في هذا الصدد هو أن بعض المسؤولين الفاسدين لا زالوا يواصلون مهامهم بكل أريحية داخل مشهدنا السياسي رغم ثبوت التورط. فبعد فضيحة ملعب الرباط بفعل "مول الكراطة" والذي أقاله الملك بعد "الكارثة"، جاء في الانتخابات الموالية ليطل علينا من أعلى قبة البرلمان (راجع مقال أحد الزملاء فترتئذ "عندو أوزين عندو الفساد دايرو في دارو". أما صاحبنا المتملص الضريبي فلا زال يمارس مهامه رغم ثبوت الجريمة وحجز الراتب قبل شهور! وهذا من مشجعات الفساد، لأنه مقارنة مع الإجراءات المتخذة ضد الفاسد في بعض الدول المجاورة، لا يشرف المغرب الجديد مكوث هؤلاء في مناصبهم بهذا الشكل على إيجابية الأحكام الصادرة في حق بعضهم:
فالوزير الاول "بيير بيريجوفوا" انتحر لمجرد أن الصحافة اتهمته بأنه قد حقق فوائد عينية. وفي كندا تمت محاسبة وزير الهجرة الكندي جو فولب في البرلمان، عندما أنفق 138 دولاراً كندياً أي ما يعادل 840 درهم على غذاء من فطائر البيتزا لصديقيه وحولها الى حساب نفقاته كوزير. وفي الصين تم اعدام مختلس لما يعادل 800 درهم فقط. وتم بالحكم ثلاث سنوات سجنا نافذا بعد(التجرجير) لرئيس نادي أولمبيك مارسيليا برنار طابي لثبوته في فضيحة رشوة للتلاعب بنتيجة المباراة لصالح النادي الكروي. وتم الحكم على رئيس الجمهورية الفرنسية ساركوزي بالسجن مع ارتداء سوار إلكتروني بسبب تهم فساد. وفي إسبانيا غادر الملك خوان كارلوس البلاد إلى غير رجعة لتورط ابنته في فضائح تبديد المال العام من أجل عطلة استجمام بسفاري إفريقيا والزعم بصلات غير لائقة لصفقات تجارية مع المملكة العربية السعودية... اننا لا ننتظر من وزرائنا الانتحار أو المغادرة، ولكن أن يقوم القضاء بعمله بكل استقلالية لتفعيل المساءلة والمعاقبة. هكذا يضمحل الفساد وتتقوى الدولة.
وعلاقة بكون الفساد يضعف الدولة المغربية إضعافا، فقد سبق للكثير من الجمعيات المدنية أن أشارت إلى ضرورة الحسم في هذه المعضلة وفي أسرع وقت ممكن عندما التقت برئيس لجنة النموذج التنموي الجديد في إطار جولاته بمختلف مدن المملكة لتوجيه النقاش حول أولويات التنمية الوطنية، وتعزيز التنسيق بين جميع الفاعلين حول أهداف مشتركة ونهج موحد في تحقيق التنمية المستدامة. وكان لنا شخصيا رأي مفصل في معضلة الفساد في مداخلتنا أمام السيد شكيب بنموسى بالغرفة الفلاحية بأزيلال قبل حوالي ثلاث سنوات. (راجع مقالنا في هذا الصدد بالفرنسية Lamsallak said fait l’étalage de son point de vue sur le NMD au Maroc.
وبالرجوع لعملية الإفساد الانتخابي التي لا مجال للتشكيك فيها ولتأثيراتها السلبية على المجتمع المغربي على مدى سنوات طوال، ولمجرد التذكير فقط، شكلت الأحزاب الإدارية على مدى عقدين كاملين (الثمانينيات والسبعينيات) الاحتياط الاستراتيجي للدولة المخزنية بالمفهوم المنجرتي للعبارة من أجل تقوية نفوذها. وفي التسعينياتـ حلت مرحلة الأعيان وتدخل سلطة المال وزرع اللامنتمين لإضعاف معارضة الأمس.
في أزيلال مثلا، التي عايشنا فيها تجارب مريرة في المعارك الانتخابية رفقة اليسار منذ انخراطنا بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي سابقا، هيمنت الحركة الشعبية على الإقليم بلون "الغيس" حتى صعب التمييز بينها وبين المخزن. بل إن بعض الألوان الأخرى لم توضع أمام أعين الناخبين في بعض صناديق الاقتراع التي يسيطر على نتائجها اسم المحجوبي أحرضان لعقود. سيطرة تشبه الوباء لابن منطقة والماس الذي نصبه المخزن "مقيما عاما" بأزيلال، و الذي قال في إحدى خطاباته أمام المتجمهرين ممن جيشتهم السلطة قسرا: "صفقوا أو لا تصفقوا فأحرضان هو برلماني أزيلال.." ! ؟.
في الشاوية ورديغة وخريبكة القريبة من المنطقة، لعبت وزارة البصري لعبتها لسنوات لتركيز السلطة ونفوذ الأعيان الذين استغلوا فقر الناس بتوزيع أموال طائلة مجهولة المصدر...
هذه أمثلة قاسية من الماضي على ثبوت مسؤولية الدولة في إفساد العملية الانتخابية والتي أصبح ينظر إليها المواطن عموما ك «لعبة قذرة" أصبحت من اختصاص "الطبقة المستقلة" (بامتيازاتها ومناصبها ونفوذها) كما يسميها الباحث التشيكي ميلوفان ديجيلاس، إلى درجة المقاطعة وفقدان الثقة في الموجب والسلبي على السواء، ما ضيق أيضا من هامش النضال.
باختصار، كان الإفساد الانتخابي في المغرب مرعبا منذ فجر الاستقلال السياسي، وربما في نظرنا هذا ما جعل المؤرخ أندري جوليان يقول: «في المغرب خاصيتان أساسيتان، لا شيء يحسم وكل شيء يلفه الغموض". لذلك ضاعت التنمية المنشودة منذ سنوات..
لا بد من الإشارة في آخر هذا المحور إلى أن بعض المنتخبين اليوم وليس كلهم يساهمون بسلوكياتهم في هذا الإفساد بشكل من الأشكال. فمن الفائزين من يدعي أنه ممثل للعقل أو ناطق باسم الحقيقة أو المؤتمن الوحيد على القضايا والمصالح بمجرد حصوله على صفة "مستشار جماعي أو نائب برلماني! وقد شاهدنا الكثيرين منهم ممن تخلوا عن مهمتهم الأساسية كفاعل سياسي/اجتماعي بمجرد الوصول إلى المجلس الجماعي أو الاستشاري، فصار يمارس الاستجمام السياسي كما مارس البعض الاستجمام النقابي لسنوات في قطاعات أخرى دون جدوى. للأسف كما يقول علي حرب في أحد كتبه، فهذا السلوك وغيره يزرع نوعا من الوعي الزائف لدى هذه الفئة المستفيدة من امتياز مرحلي (امتياز تمثيل من صوتوا عليهم) بأنهم يضطلعون بمهمة رسولية طليعية "لإنقاذ الوضع" القائم. وهذا سلوك خاطئ قلما انتبه إليه أو تجاهله الكثير من المنتخبين خصوصا المثقفين منهم، على الأقل هذه الفئة التي لا تؤمن بأن التغيير مهمة يشترك فيها الجميع: الخاسر والفائز وجميع الفاعلين الاجتماعيين دوناستثناء. لأن هناك فئة أخرى تضر بالعمل السياسي بعد الانتخابات، تتمثل في نوع من المستشارين الذين لا يهمهم أمر تغيير الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتنموي السائد بقدر ما يهمه الفوز في الانتخابات من أجل التخلص من عبء المكتب بالإدارة العمومية التي يشتغل بها إن كان موظفا بالجماعة أو العمالة أو الصحة وغيرها أو من أجل الهروب من ضجيج الفصل الدراسي ومتاعب السبورة أو الإدارة التربويةبالمؤسسة التعليمية إن كان مدرسا، أو من أجل تسهيل صفقات شركته بتواطؤ زبوني مع أغلبية الرئيس إن كان مقاولا وهلم جرا...
فنجد هذا المترشح تارة مع حزب الوردة، و سرعان ما ينجر مع الجرار، و تارة يركب الحصان، و في الحملة الموالية نجده منخرطا مع "مناضلي" الحركة الشعبية و قد يغير كل شيء ليدافع عن رمز " المقراش "؟؟
للأسف، قلما نجد من ينخرط اليوم في المغرب انتخابيا من أجل الصالح العام، بل يستغل تفرغه لقضاء مآربه الخاصة. وهذا أيضا نوع من الإفساد.
֎ قطاع الجيش بالمغرب: أخطبوط فساد بخراطيم خانقة
ظلت المؤسسة العسكرية جهازا لا يعرف عنه المغاربة إلا القليل، وظلت هذه المؤسسة في عيونهم بمثابة قوة غامضة لا حق لهم في الاطلاع على ما يدور بصفوفها، سواء في أكاديمياتها أو جحيم ثكناتها. فجيشنا تعود على العمل في السرية وفي الظل منذ زمن بعيد. لكن بعض الأحداث والكتابات، وحتى تصريحات المتقاعدين المنخرطين في بعض الإطارات النضالية:" كالرابطة الحرة لقدماء العسكريين والمحاربين ومتقاعدي القوات المساعدة وذويهم"، قد ساهمت في إماطة اللثام عن فساد المؤسسة العسكرية. ففضحت ما يجري ويدور في أفلاكها من صراعات حول المواقع المذرة للثروات. وفي عهد الملك محمد السادس بدأت تلوح في الأفق المغربي مساءلة بعض الضباط هنا وهناك، خصوصا في البدايات الأولى من حكم جلالته: (ملف سقوط 3 جنرالات، القادري والحرشي وبلبشير، وملف إبعاد لعنيكري ثم تبعات الاعترافات الجريئة لمصطفى أديب في ملف تهريب البنزين والصرخة الشجاعة ل السعيد سعد الله...). ما أدى إلى انتشار التوتر والقلق في صفوف رموز الماضي العسكرية، خوفا من فقدان مواقعهم/البقرة الحلوب..
بعدها، انكشفت جملة من مظاهر الفساد في صفوف الجيش بدءا من السرقة والاختلاس، مرورا بالاستحواذ على ممتلكات عمومية وأراضي زراعية ووصولا إلى فضائح رخص الصيد في أعالي البحار. ولم يكن الإعلام في الماضي القريب يقوى على تناول الإشكالات المرتبطة بالجيش، ولا البرلمانيون يتجرؤون على مناقشة ميزانيته، بالرغم من أنها مقتطعة من مال الشعب. فالفساد في المؤسسة العسكرية ظل متملصا من الرقابة الإدارية والبرلمانية بحجة الدواعي الأمنية، مما جعلها من المناطق المحرمة، الشيء الذي ساهم في تجميع كل الشروط الملائمة لاستئساد أخطبوط الفساد فيها. ولا ننسى تدبير شؤون إدارة الإنعاش الوطني، الذي ظل حكرا على العسكريين، ولم تتجرأ جهة حتى إلى عهد قريب على القيام بكشف فضائحه، علما أن هذا النوع من الفساد قائم بتواطؤ بين المسؤول العسكري ورجال السلطة القائمين على الأمور بالولايات والأقاليم.
֎ باختصار، ملفات فساد مدوية في زمن كورونا وما بعدها
في عام 2019، تم الكشف عن ملفات فساد مختلفة في المغرب، وشملت بعض هذه الملفات: ملفات الفساد في الصفقات العمومية: فقد تم الكشف عن عمليات فساد في توقيع العقود والصفقات الحكومية، بما في ذلك الرشوة وتفضيل بعض الشركات على حساب غيرها. وملفات الفساد في القطاع العام: شملت حالات فساد في بعض المؤسسات الحكومية، مثل وزارة الصحة والأمن والسلطة المحلية.
مع حلول جائحة كوقيد 19، لاحظ المتتبعون للشأن التنموي عبر العالم وليس فقط في المغرب، تصاعدا قويا لبؤر الفساد في الكثير من القطاعات. في بلادنا، وحسب دراسة ميدانية للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تم خلال كورونا الكشف، عن أرقام صادمة لانتشار الفساد بمؤسسات الدولة، وذلك في أعقاب إجراء بحث الوطني حول الفساد. وهمت بالخصوص تراخيص البناء والتعمير بالنقاط السوداء كالبناء بمحاذاة الشعاب والبناء في التجزيء السري وسط الفدادين داخل المدارات الحضرية ثم المأذونيات واختلاس معدات النظافة في صفقات مشبوهة وغيرها...
في ملف كبير آخر، شهدت المحاكم المغربية محاكمة غير مسبوقة في ولاية الحكومة الحالية، تمثلت في فتح ملف المدعو الحاج أحمد بن إبراهيم والملقب بـ” بابلو إسكوبار الصحراء”. وكشفت من خلال خذا الملف عن دور بارز للبرلماني السابق عن حزب الأصالة والمعاصرة، المعروف بـ "ب. م"، في تهريب المخدرات عبر الحدود بين المغرب والجزائر. المحاكمة تستهدف اليوم نحو ثلاثين شخصًا، بينهم مسؤولون سابقون وشخصيات بارزة، وتدور حول تهم متنوعة تشمل تزوير الوثائق الرسمية، الفساد، تهريب المخدرات، والاستيلاء على الممتلكات. ومن بين المتهمين رؤساء مجالس تم التصويت عليهم من طرف المواطنين في انتخابات سابقة!.
وعرفت سنة 2022 عزل الأساتذة المتورطين في فضيحة “الجنس مقابل النقط” بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات التي تفجرت سنة 2021. قرار العزل النهائي يأتي بعد قضاء الأساتذة لمدة حبسية بعد صدور أحكام متفاوتة ضدهم. وشمل قرار العزل من الوظيفة العمومية أربعة أساتذة، من بينهم منسق ماستر المالية العامة، وأستاذ تاريخ الفكر السياسي، ورئيس شعبة القانون العام وأستاذ الاقتصاد.
وقد استمر الفساد في "أساس الملك" الذي هو العدل، حيث أحال المجلس الأعلى للسلطة القضائية 55 قاضيا على المجلس التأديبي بسبب اختلالات مهنية وأخلاقية، فيما أمر بتتبع ثروة 15 قاضيا آخرين، وأصدر المجلس سنة 2024، بحسب التقرير المرفوع إلى الملك محمد السادس، عقوبات بحق عدد من القضاة تراوحت بين العزل في حق قاضيين إثنين، والإحالة إلى التقاعد الحتمي في حق 7 قضاة، والإقصاء المؤقت عن العمل في حق 15 قاض وقاضية.. وموازاة مع ذلك، ارتفع عدد القضاة الذين تقرر إحالتهم إلى المجلس التأديبي من 35 قاضيًا سنة 2021 إلى 42 قاضيًا سنة 2022، ثم
إلى 55 قاضيًا سنة 2023، أي بنسبة ارتفاع بلغت 57% مقارنة مع سنة 2021. الأمر الذي يتسم بدلالات كثيرة.
ومن فضائح الفساد المدوية التي ينطبق عليها المثل القائل: "حاميها حراميها" ما وقع مؤخرا في قضية القطيع المستورد بغية خفض أسعار اللحوم الملتهبة رأفة بجيوب المواطنين. الدعم الموجه إلى استيراد الأغنام والأبقار كان قد أثار جدلاً سياسياً واسعاً خلال الأشهر الماضية، خاصة مع فشل الحكومة في تحقيق الغاية من هذا الدعم، المتمثلة في خفض أسعار اللحوم وإعادة الحيوية للقطيع الوطني استعداداً لعيد الأضحى. هذا الفشل لم يؤدِ فقط إلى استمرار الغلاء، بل انتهى إلى قرار بإلغاء شعيرة الذبح لهذه السنة استناداً إلى دعوة ملكية، وهو ما زاد من حدة الانتقادات لأداء الحكومة ووزارة الفلاحة. ووُجهت للحكومة اتهامات باللجوء إلى حلول ترقيعية، أبرزها فتح باب الاستيراد بشكل غير مضبوط، وهو ما استفاد منه بعض المقربين من الحزب، وفق ما راج من معطيات، لتُطرح بذلك شبهات حول تبديد 13 مليار درهم خُصصت كدعم لاستيراد المواشي، بينما تجاوز سعر الكيلوغرام من اللحوم سقف 120 درهماً، في تناقض صارخ مع الأهداف المعلنة. بهذا المشهد، يتأكد أن أزمة اللحوم في المغرب ليست ظرفية أو موسمية، بل هي نتاج تراكمات في التدبير، وفشل واضح في التخطيط، وغياب آليات المراقبة والمحاسبة.
֎ رأي في الفضيحة الأخيرة لبيع الدبلومات وعن دور الجامعة.
دور الجامعة الحقيقي والمنطقي يتجاوز مجرد توفير التعليم وتخريج الأفراد، بل يشمل أيضًا تنمية المجتمع، والبحث العلمي، وتعزيز المواطنة. الجامعة مكان لتنمية المعرفة، حيث يتم إنتاجها وتطويرها وتوزيعها.
فهي تقوم يتخريج أفراد مؤهلين لسوق العمل ولديهم القدرة على التأثير في المجتمع كما أن الجامعة مسؤولة عن إجراء البحوث العلمية التي تساهم في حل المشكلات المجتمعية والتطور التكنولوجي. وتعمل أيضا على تقديم خدماتها للمجتمع، مثل تقديم المشورة والمساعدة في حل المشكلات وتنمية المنطقة ولا ننسى دورها المحوري في تعزيز قيم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية وكذا تنمية وتشجيع الإبداع والابتكار من خلال توفير بيئة تعليمية وبحثية محفزة... فالجامعة المغربية المعاصرة ظلت موئلا للسعي العقلاني والالتزام الصادق مع الجابري وعبد الرزاق مولاي رشيد وسالم يفوت وغيرهم كثير.
لا بد من التركيز اليوم في صفوف الأساتذة الباحثين الشباب على ضرورة الانخراط الأخلاقي اللازم في جعل الجامعة تتابع جوهر وجودها: التوق المتلهف واللامتناهي لحضور العقل الساعي لإنضاج صورة المستقبل عن طريق أخذ المبادرات المعرفية المبنية على النوايا التربوية الشفافة مع تشجيع الطلبة على الانخراط المتواصل في العمل الفريقي العلمي مهما تباعدت الخلفيات لخدمة الوطن. هذه الدافعية الإيجابية للعمل الجاد بالجامعة تؤمن الدوافع الداخلية للتطوير. لأنه اليوم، الأستاذ في الكثير من الأحيان لم يعد يحب مهنته (على غرار ما وضحه مارسيل با نيول في روايته la gloire de mon père)، وأضحى غير مقتنع بقدرة التربية والتكوين داخل المدرسة والجامعة على التغيير، وهو بذلك يعمل بالتالي على نقل سلبيته إلى الطالب والمتعلم بنوع من العدوى.
الأستاذ الجامعي الفاعل في نظرنا يكون قادرا دوما –عبر نضاله- على تخطي أحلك الظروف المقاومة للتغيير وليس انتشار الفساد الأخلاقي بالجامعة من أقلها. والأكيد أن الجامعة بشكل عام ظلت لقرون رمزا للنضال والتغيير ونشر القيم النبيلة رغم تعدد الصدمات القوية ...) يمكن مراجعة ما كتبه Michael Harloe في إعادة التفكير في دور الجامعة).
֎ قبل الختم: هل تمد الدولة حقا يدها اليوم للمجتمع المدني والحقوقي لمناهضة الفساد؟
في أحد المحاور السابقة، وضحنا كيف أن بعض الخطب الملكية ومضامين الدستور الجديد ل 2011 تدعو صراحة إلى الإشادة بدور المجتمع المدني في التنمية وفي كل ما يتعلق بالمساهمة في مكافحة كل أوجه الفساد بالمغرب. لكن بعض الأمثلة المنتزعة من صلب واقع الممارسة تثبت بأن هذا الدور تعرقله العديد من الممارسات المتناقضة تتراوح بين المنع والتضييق والمكيدة ضد فعاليات مدنية تستهدف تأطير المواطنين أو التوعية والتحسيس أو فضح بعض الخروقات الفاسدة.
- قبل الدستور الجديد: تم منع إحدى الهيئات المدنية المغربية من تنظيم نشاط تحسيسي حول فساد الانتخابات بمنطقة بوفكران، وتعلل المخزن حينها ب «عدم موافقة الوالي". وتم بمدينة العيون سنة 2007 رفض الترخيص لاستعمال قاعة العروض لإقامة نشاط تأطيري من طرف أحد الأحزاب القانونية بذريعة: "انتظار موافقة الوزير شخصيا".
ثم منع المناضل عبد الغني أوشعيب بالحاجب من تقديم نشاط تأطيري وتلفيقه تهمة "التجمهر والتحريض"...
- بعد الدستور الجديد: تم منع شبيبة الاشتراكي الموحد من إقامة المائدة المستديرة التي كانت تنوي الحركة تنظيمها تحت عنوان “الحريات الفردية، ترف أم ضرورة” بالمركز الثقافي إدماج بعين السبع سنة 2019. كما تم منعنا شخصيا من تقديم نشاط حقوقي باسم الهيئة المغربية لحقوق الإنسان حول تيمة الفساد سنة 2015/2014 تحت عنوان "هل يمكن القضاء على الفساد بالمغرب؟" بدار الشباب محمد الزرقطوني. حيث تم تعليل الرفض في المرة الأولى ب"تزامن النشاط مع زيارة مصطفى الرميد إلى المحكمة الابتدائية بأزيلال!!." ، وفي المرة الثانية "بعدم ملاءمة العنوان". وفي المرة الأخيرة ب: «تزامن العرض مع الحملة الانتخابية". أما بخصوص التضييق على المناضلين بالمكيدة، والغيورين على المساهمة في تنوير المواطن وتأطيره، فقد تم وضع كمية من المخدرات في السيارة الخاصة للرفيق مجدي بمراكش سنة 2013 في إخراج فاشل لمسرحية "التنمر المخزني بالواضح"..
وفي سياق تحديث المساطر القانونية، استغل الوزير وهبي فرصة تعديل قانون المسطرة الجنائية لتحقيق هدفه الرامي إلى منع جمعيات حماية المال العام من تقديم الشكايات ضد المنتخبين والشخصيات العامة في قضايا اختلاس المال العام. وجعل أمامها جملة من المثبطات للقيام بهذه المهمة.
الحقوقيون بالمغرب اعتبروا هذا الإجراء غير منطقي، وأن الحكومة هي جزء من اللوبيات الفاسدة المستفيدة من واقع الفساد باستحضار تورط رئيسها في ملفات "تضارب المصالح" كما تداولت ذلك الصحف الوطنية. كما نددت هيئات حماية المال العام ب "رفع عقوبة التبليغ بالوشاية الكاذبة إلى 10 سنوات. ونعتوا هذه الوصفة "الوهباوية" بكونها تستهدف التهويل والترهيب لتفريش السجاد الأحمر تحت أرجل المفسدين.
باختصار، النصوص الرسمية المكتوبة تشجع الجمعيات المدنية على العمل والتأطير والتحسيس وغيرها من الأمور المكفولة دستوريا، لكن واقع الحال يترجم تناقضا صارخا بين الموجود والمنشود في هذا الصدد. وهذا مظهر من مظاهر إيقاذ مشعل اليأس وإحباط عزائم بناء مجتمع حر وديمقراطي.
3- على سبيل الختم: خلاصات تركيبية ومنظور خاص في التصدي للمعضلة
لاحظنا كيف عاش المغرب محطات فساد خطيرة أضرت بالجميع لكونها في السنوات الأولى مست كل القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني. كما لاحظنا أن التعليم كقطاع يصنع الأجيال توالت عليه الضربات القاتلة لفضائح التسريب، كما أن القضاء كسلطة مستقلة لم يسلم من براثن الرشوة وهو المفروض أن يدافع عن حقوق المستضعفين ويصون كرامتهم ضد الفساد والمفسدين. وقد تطرقنا لبعض الجوانب المظلمة من تاريخ العملية الانتخابية بالمغرب والتي استأسد فيها الفساد استئسادا، مركزين أيضا على بعض أوجه الإفساد الانتخابي الأخرى التي قلما ننتبه إليها بخصوص النخبة السياسية بالمجالس الجماعية والبرلمان. واستطردنا في المقال بتقديم نماذج حية من فساد المؤسسة العسكرية قبل أن نعرج على استفحال الفساد في زمن كورونا وتقديم رأي مقتضب عن دور الجامعة العصرية وسمات الأستاذ الجامعي الفاعل داخلها. كما ركزنا على الطابع المتناقض في تعامل الدولة مع المجتمع المدني فيما يتعلق بمعضلة محاربة الفساد وكافة الأنشطة التحسيسية والتأطيرية المنوطة بالفاعل المدني من أجل المساهمة في بناء مجتمع حر وديمقراطي، تناقض يتجلى في رغبة الدولة في دخول مراحل متقدمة من مسار مكافحة الفساد بإشراك المجتمع المدني في مسلسل الإصلاح من جهة، ومقاومة بعض المبادرات الجمعوية الهادفة إلى حماية المال العام والتأطير المكفول من طرف الدستور من جهة أخرى.
يمكن القول بأنه سيكون من الصعب تحقيق المغرب للتقدم المطلوب في مكافحة الفساد، خاصة في ظل التصنيفات الدولية، إذا لم يتم تعزيز فعالية النظام الوطني للنزاهة بشكل شامل، بدلاً من مجرد التركيز على إصلاحات سطحية أو إجراءات معزولة. كما أن الجهود الحالية في مكافحة الفساد، مثل الخطابات أو الحملات التوعوية، قد تكون غير فعالة إذا لم يتم توفير الظروف الملائمة (الاستقلالية، الحرية، الإمكانيات) لتنفيذها بشكل فعال.
بشكل عام، هناك تحديات تعيق سياسات مكافحة الفساد في المغرب: التحدي الأول مرتبط بجدية الإرادة السياسية لمحاربة الفساد. التحدي الثاني يرجع إلى الاختلالات والنواقص على مستوى الإطار القانوني والمؤسساتي وضعف الأداء المؤسساتي في هذا الشأن، ولا سيما محدودية فعالية النظام الوطني للنزاهة بوجه عام، وعلى مستوى منظومة المحاسبة بوجه خاص. والتحدي الثالث يتمثل في الضعف المسجل على مستوى الموارد والقدرات، والبطء في تفعيل مؤسسات الحكامة، وهناك تحدي هام يتمثل في الصعوبات الملحوظة على مستوى إدماج المجتمع المدني في الجهود الرسمية، وكذا شيوع ثقافة التطبيع مع الفساد. ويرى بعض المحللين أنه رغم كل الترسانة القانونية والمنظومة المؤسساتية وحزمة الإجراءات التي حققتها الدولة، فإن الفساد مازال مستشريا بالمغرب، مخلفا آثارا وخيمة اقتصادية واجتماعية ومعنوية على مستوى صورة المغرب. إذ تقدر الخسائر بما يتراوح بين 5% و7% من الناتج الداخلي الخام أي ما لا يقل عن ربع ميزانية الدولة وثلاث مرات ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية!!!.
باختصار شديد، نرى أنه من الجدير بالإشارة التنويه بمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات وما قام به من أدوار مهمة في مكافحة الظاهرة منذ التأسيس، لكن وجب الانتباه إلى جملة من الإكراهات التي تواجهه في مقدمتها الكم الهائل من الإيداعات مقارنة مع الإمكانيات التي يمكن أن يسخّرها في عملية المراقبة. من هنا ضرورة مراجعة الجانب التشريعي والمؤسساتي والجانب التنظيمي والعملي لهذا المجلس، مع إرساء منظومة معلوماتية متطورة ومدمَجة، تستطيع تحليل المعطيات بكيفية شاملة وأوتوماتيكية وبتنسيق ربما مع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
كما نرى أنه من الأفضل بل من الضروري نغيير الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة حتى الآن في هذا الشأن، والتي تتسم بالسير وفق إيقاع بطيء وتقوم على التحسيس أكثر مما تقوم على الزجر، الذي يظل مطلبا أساسيا في حق كل فاسد متلبس. (لاحظ النماذج الأروبية والأمريكية، وراجع نموذج فرنسا خلال القرن التاسع عشر لمحاربة الفساد الذي ركز على إصلاحات قانونية، وتأمين الأصول، وتعزيز الشفافية. كما استهدف هذا النموذج الفساد في مختلف مستويات الحكومة والقطاع الخاص، مع التركيز على وضع قواعد صارمة وعقوبات قاسية لمنع الفساد). طالع أيضا ما كتبه Yvonnick Denoel في التاريخ السري للرشوة بالجمهورية الخامسة...
ويجب على الإعلام المرئي أن يقوم بدوره المحوري في مكافحة فعالة للمعضلة من خلال برامج تلفزية هادفة تعمل على التكوين والتحسيس والتأطير وخصوصا إعطاء الدروس والعبر. في هذا الصدد، وجب تقديم حلقات في برنامج مهم ك «مداولة" خاصة بمجرمي المال العام وناهبي الثروات الوطنية من كبار الشخصيات وأصحاب الثراء الفاحش عوض الاقتصار على مواضيع الطلاق والسرقة الموصوفة والجنح الساذجة..²
ولا ننسى ضرورة أن يصبح موضوع مكافحة الفساد بالمغرب موضوعا محوريا في أوراش الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية مع ربطه ربطا عضويا بالنموذج التنموي الجديد. وفي المقترح الأخير، لا بد من الاستمرار في تقوية منظومة العدالة وجهاز القضاء الذي مازال في طور إعادة البناء والإصلاح، ويشكو من ضعف الموارد البشرية تبعا لما جاء في أول تقرير للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صدر سنة 2018.
فالمعركة معركة وطنية بامتياز يجب نزع الطابع السياسوي عنها من خلال العمل على تشكيل تكتل عريض وتوافق سياسي واجتماعي واسع يؤطره ميثاق وطني لمكافحة الفساد. لأنه على الرغم من التحديات الكبيرة، إلا أن القضاء على الفساد في المغرب ليس مستحيلًا. فالأمر يتطلب تغييرًا جذريًا في الثقافة والاتجاهات، وإصلاحات شاملة في القوانين والنظم الرقابية بتنسيق تشاركي مع جميع الأطراف، ما سيمكننا من بناء مجتمع أكثر عدلاً وكرامة.
*المسلك سعيد، أستاذ اللغة الفرنسية بثانوية ولي العهد الإعدادية بأزيلال وعضو الفرع المحلي للهيئة المغربية لحقوق الإنسان.
التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::
مشاهدة المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة الحلقة 03 الثالثة قد تم نشرة ومتواجد على ازيلال 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، *المسلك سعيد يكتب عن ثلاثة عقود من الفساد بالمغرب على ضوء فضيحة الديبلومات الأخيرة الحلقة 03 الثالثة .
في الموقع ايضا :