دخلت عملة البيتكوين مرحلة جديدة من تاريخها الصاعد محققة أعلى سعر لها على الإطلاق عند 111970 دولار في 22 مايو، هذا الإنجاز لم يكن مجرد رقم فحسب، بل مثّل لحظة فاصلة في مسيرة العملة الرقمية الأولى في العالم، شهد هذا الشهر زخمًا غير مسبوق من حيث حجم التداول وتدفقات الاستثمار والدعم المؤسسي والسياسي.
بدأت عملة البيتكوين شهر مايو بقيمة تقارب 63 ألف دولار، ولكن سرعان ما دخلت العملة في موجة صعودية قوية، وبحلول منتصف الشهر تخطى السعر حاجز 90 ألف دولار وبلغ ذروته في 22 مايو عند 111970 دولار، هذا الارتفاع المذهل يعادل زيادة بنسبة 77% خلال أقل من 30 يومًا، وهو ما جذب انتباه المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
العوامل الرئيسية وراء هذا الارتفاع التاريخي
تداول البيتكوين منذ فترة طويلة، كان ارتفاع العملة الرقمية أبطأ من المعتاد مدفوعًا بزيادة ملكية المؤسسات للأصل الرقمي واعتماد الشركات له، وكان تراجع التوترات التجارية بين واشنطن وبكين وتخفيض وكالة موديز تصنيف الديون السيادي الأمريكي، الذي سلّط الضوء علي بدائل لتخزين القيمة مثل البيتكوين، من العوامل المحفزة الرئيسية.
صرّح "جيمس باترفيل" رئيس قسم الأبحاث في شركة كوينشيرز لإدارة الأصول المتخصصة في العملات المشفرة، بأن تحرك البيتكوين مدفوع بمزيج من الزخم الإيجابي والتفاؤل المتزايد بشأن تنظيم العملات المشفرة في الولايات المتحدة والاهتمام المستمر من المستثمرين المؤسسيين.
ويأتي ارتفاع سعر أكبر عملة مشفرة في العالم على الرغم من انخفاض الأسهم الأمريكية في ذلك الوقت، ولطالما ارتبطت البيتكوين بعلاقة طردية مع أسواق الأسهم وخاصةً ناسداك الذي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا، فقد يكون التباين الحالي في تحركات البيتكوين والأسهم نتيجةً لبحث المستثمرين عن بدائل لتخزين القيمة.
1 .الزيادة الكبيرة في تدفق الأموال إلى صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة  (ETFs)
ارتفع سعر البيتكوين الآن بأكثر من 19% هذا العام، حيث شهدت صناديق البيتكوين المتداولة دفقات قوية ومستقرة، مع تسجيل تدفقات خارجة ليومين فقط حتى الآن في مايو، وفقًا لـ SoSoValue، ومنذ بداية عام 2025 ارتفع عدد البيتكوين التى تحتفظ بها الشركات بنحو 31% لتصل إلي حوالى 349 مليار دولار، ويمثل ذلك نحو 15% من إجمالى المعروض من البيتكوين.
ضخت التدفقات المؤسسية لا سيما من خلال صناديق بيتكوين المتداولة الفورية الأمريكية نحو 2.8 مليار دولار في السوق في شهر مايو وحده، ليتجاوز إجمالي أصول هذه الصناديق 122 مليار دولار، ولتوضيح ذلك، يُقدر أنه تم استثمار ما بين 150 و 225 مليار دولار في صناديق الذهب المتداولة منذ عام 2003.
من بين العوامل الأخرى التي دفعت سعر بيتكوين إلى مستويات قياسية جديدة هو نمو السيولة العالمية وضعف الدولار في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما عزز جاذبية بيتكوين كوسيلة تحوط.
إن هذا المستوى المرتفع الجديد يمثل علامة فارقة في تطور هذا الأصل من عملة إنترنت متخصصة إلى مخزن رقمي عالمي للقيمة، حيث أن القيمة السوقية للبيتكوين تتجاوز عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وألفابيت أو جوجل، لقد أصبحت البيتكوين الآن خامس أكبر أصل في العالم من حيث القيمة السوقية.
2 .التبني المؤسسي الواسع
قامت شركة Strategy المعروفة سابقًا باسم MicroStrategy) ) بشراء أكثر من 25000 بيتكوين إضافي خلال الربع الأول من 2025، لترتفع حيازتها إلى أكثر من 580000 بيتكوين، هذه الخطوة عززت الثقة في السوق وأشارت إلى تحول البيتكوين من أصل مضاربي إلى أصل استراتيجي طويل الأجل.
3 .السياسات الحكومية المؤيدة
إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن خطط لإنشاء "احتياطي رقمي أمريكي" يشمل البيتكوين، كما بدأت وزارة الخزانة في دراسة إمكانية إدراج الأصول الرقمية ضمن الاحتياطيات الفيدرالية، مما أضفى شرعية جديدة على سوق العملات الرقمية.
كما سنّت خمس ولايات أمريكية قوانين جديدة للبيتكوين، وأنشأت تكساس احتياطي بيتكوين الحكومي الذي طال انتظاره، في ألاباما، أُجِّلت إلى أجل غير مسمى جهود إعفاء العملات المشفرة من بعض أشكال الضرائب.
3 .تراجع التوترات التجارية
تنفست الأسواق الصعداء عندما توصل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في 12 مايو إلى اتفاق تجاري مع الصين، معلّقًا الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، والتي كانت قد أدت إلى حالة من الاضطراب في الأسواق، وقد أدى هذا الخبر إلى وصول سعر بيتكوين إلى 105 ألف دولار وهو أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر، قبل أن ينخفض إلى 102 ألف دولار.
4 .ندرة المعروض بعد التنصيف
في أبريل 2024 حدث التنصيف الرابع للبيتكوين، ما أدى إلى خفض المكافأة الممنوحة للمعدّنين إلى النصف، هذا التنصيف خفّض من معدل إصدار البيتكوين، وبالتالي زاد من ندرته، مما أثر إيجابيًا على سعره نتيجة قانون العرض والطلب.
التداعيات الاقتصادية والمالية
التأثير على أسواق العملات الرقمية:
ارتفاع البيتكوين دفع بباقي العملات الرقمية إلى الصعود، حيث ارتفع سعر الإيثيريوم إلى أكثر من 7500 دولار، وتضاعفت قيمة بعض العملات الصغيرة، كما ساهم في تنشيط التداول على المنصات الكبرى مثل Binance وCoinbase.
- إقبال المؤسسات المالية:
أعلنت بنوك استثمارية كبرى مثل Goldman Sachs وMorgan Stanley عن إطلاق منتجات استثمارية جديدة تعتمد على العملات الرقمية، كذلك بدأت صناديق تقاعد في دول مثل كندا وألمانيا في تخصيص نسبة من استثماراتها للبيتكوين.
- تغير في السياسات المالية العالمية:
بعض البنوك المركزية خاصة في الدول النامية بدأت في دراسة إمكانية إصدار عملات رقمية مدعومة جزئيًا بالبيتكوين، كوسيلة للتحوط ضد التضخم وتقلبات العملات المحلية.
- ارتفاع في الطلب على خدمات الحفظ والتأمين:
مع تزايد الاستثمارات في البيتكوين، زادت الحاجة إلى خدمات حفظ رقمية مؤمنة، ما أدى إلى ازدهار شركات مثل Fireblocks وAnchorage Digital التي تقدم حلول حراسة مؤسسية.
توقعات بوصول البيتكوين بين 180 ألف و 250 ألف دولار في عام 2025
مع استمرار البيتكوين في مساره الصعودي وتحقيقه مستويات قياسية جديدة، فإن أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا بين المستثمرين هو: إلى أي مدى يمكن أن يصل سعره فعليًا؟
يُعرف تحديد توقيت الوصول إلى أعلى سعر للسوق بأنه مهمة شائكة، ويتطلب إتقان فن "الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر مرتفع" قناعةً ودقةً، خاصةً مع تزايد التوقعات ببلوغ سعر البيتكوين مستوى قياسيًا جديدًا، في هذه المرحلة من الدورة تُقدم التوقعات القديمة والجديدة قيمةً: فالأولى تُساعد في وضع الصورة العامة في سياقها الصحيح، بينما تعكس الثانية تطور ديناميكيات الاقتصاد الكلي والسوق اليوم.
والتوقيت مهم، فإذا بلغت البيتكوين ذروتها في عام 2025، فهل ينبغي على المستثمرين سحب استثماراتهم بالكامل خوفًا من شتاء قاسٍ آخر للعملات الرقمية، أم ستكون هذه المرة مختلفة؟
ظهرت الجولة الأولى من أهداف الأسعار في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025، عندما تجاوز سعر البيتكوين 90 ألف دولار، وبدأ محللون من فان إيك وجالاكسي ديجيتال وفندسترات بمشاركة توقعات تتراوح بين 180 ألف دولار و 250 ألف دولار، مشيرين بشكل رئيسي إلى دورات الأسعار التاريخية والتبني المؤسسي والحوافز التنظيمية كمحفزات رئيسية.
إن الارتفاع الجديد في تدفقات صناديق البيتكوين المتداولة الفورية والإدراك المتزايد لتوسع السيولة العالمية هما سببان جديدان يدعمان تقديرات سعر العملة، وكما أشار "آرثر هايز" المؤسس المشارك لمنصة BitMEX  فإن تداول البيتكوين يعتمد كليًا على توقعات السوق بشأن العرض المستقبلي من العملات الورقية، وهذه التوقعات في ازدياد مستمر.
ومن المثير للاهتمام أن العديد من التوقعات التي وُضعت في نهاية عام 2024 لم تتغير في مايو 2025، ويعود ذلك إلى أن الافتراضات الأساسية مثل ارتفاع الطلب المؤسسي والإشارات التنظيمية الداعمة للعملات المشفرة قد تحققت إلى حد كبير كما هو متوقع، وقد عززت التطورات الاقتصادية الكلية الأحدث هذه التوقعات، وقد أصبحت "السيولة" كلمة السر المتداولة بين المحللين، حيث يتضح بشكل متزايد أن عائدات سندات الخزانة لا تزال مرتفعة بشكل مستمر وأن أزمة ديون تقترب.
هل سيبدأ سوق العملات المشفرة في اتجاه هبوطي في عام 2026؟
يتفق معظم المحللين على أن البيتكوين في سوق صاعدة بقوة، وقد أشار "ويلي وو" محلل Onchain، مؤخرًا إلى اتجاه "إشارة المخاطرة" نحو الانخفاض والذي يشير إلى أن سيولة الشراء لا تزال تهيمن على السوق الأوسع، في المرة الأخيرة التي حدث فيها هذا كان بين عامي 2023 و 2024 ارتفع سعر البيتكوين بأكثر من 200%، وكتب وو: "نحن نستعد لموجة صعود قوية أخرى على المدى الطويل".
ومع ذلك، تتوقع العديد من نماذج دورات سوق البيتكوين تصحيحًا حادًا في عام 2026، مما قد يؤدي إلى شتاء العملات المشفرة الكامل، ومع ذلك، حتى هذا المنطق موضع تساؤل، وحذّر وو قائلاً: "البيتكوين هو الاقتصاد الكلي العالمي في هذه الدورة".
"لا تراهن بالضرورة على دورات مُحكمة مدتها أربع سنوات، فالبيتكوين في مرحلة انتقالية، حيث أن القوى الداخلية والانقسام إلى النصف يضعف، والسيولة العالمية تُحرك البيتكوين، وبالتالي، تُصبح البيتكوين بمثابة ناقوس خطر لتحركات الاقتصاد الكلي العالمي."
من منظور كلي، يبدو الوضع أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وكما أشار محلل العملات المشفرة "ستاك هودلر" فإن محاولة إدارة ترامب لخفض عوائد السندات لأجل عشر سنوات  (باستخدام التعريفات الجمركية وتخفيضات الإنفاق للإشارة إلى الانضباط المالي) قد باءت بالفشل، والآن من المتوقع أن يرتفع عجز الموازنة الأمريكية، والتاريخ يُكرر نفسه: تزايد الديون وانخفاض قيمة العملة وإعادة ضبط الوضع المالي العالمي، كما قال المحلل: "لا يزال هناك حوالي 7 تريليونات دولار في صناديق أسواق النقد، كل هذا سيتدفق في النهاية إلى شيء لا يمكن طباعته، وبصفتها الأصل الوحيد ذي القيمة المحدودة الموثوقة والذي حقق أداءً متفوقًا باستمرار، ستكون البيتكوين الرابح الأكبر في النهاية.
يمكن لرأس المال هذا، بمجرد إطلاقه، أن يُغذي حركة أكبر بكثير مما تتوقعه معظم توقعات عام 2025 حاليًا، حتى أن "جو بورنيت" من شركة  Unchainedيفترض "سباقًا سياديًا" قادمًا لتجميع البيتكوين مما قد يرفع سعره إلى مليون دولار بحلول عام 2030، وتتوقع شركة ARK Invest التابعة لكاثي وود، نطاقًا واسعًا من الإمكانات يتراوح بين 500000 دولار و 2.4 مليون دولار.
قد تبدو هذه الأرقام مبالغًا فيها، ولكن في عالم لا تُظهر فيه دوامة الديون الأمريكية أي علامات على التباطؤ، وحيث يتزايد التشكيك في استقرار العملات الورقية، لم يعد من السهل تجاهلها، ومع استمرار تزايد قوة بيتكوين قد يبدأ السوق للتو في تسعير دوره في إعادة التنظيم المالي القادمة.
في الموقع ايضا :