السلام بلغة إسلامية: قطر وتركيا وتحوّل الجغرافيا السياسية للوساطة ...الشرق الأوسط

اخبار عربية بواسطة : (ترك برس) -

ترك برس

تناول مقال لرئيس وزراء أسكتلندا السابق، حمزة يوسف، التحول الجيوسياسي في مشهد الوساطة الدولية، مسلطًا الضوء على انتقال مركز ثقل جهود السلام من أوروبا—التي طالما لعبت دورًا محوريًا من خلال دول محايدة كالنرويج وسويسرا—إلى العالم الإسلامي، لاسيما من خلال بروز كل من قطر وتركيا كقوتين فاعلتين في التوسط لحل النزاعات العالمية.

واستعرض يوسف في مقاله بموقع الجزيرة النت نماذج ملموسة من هذا التحول، مثل اتفاق تصدير الحبوب في البحر الأسود وجهود الهدنة في غزة، مؤكدًا أن انخراط هذه الدول ليس مجرد تحرك دبلوماسي، بل يعكس التزامًا أخلاقيًا وثقافيًا يُضاف إلى أدوات العالم لبناء السلام، دون أن يُشكل تهديدًا لإرث الوساطة الأوروبي بل مكمّلًا له.

وفيما يلي نص المقال:

عندما كان زعماء العالم يجتمعون من أجل إحلال السلام في تسعينيات القرن الماضي، كانت وجهاتهم جنيف أو أوسلو. أما اليوم، فغالبًا ما يستقلون طائراتهم إلى الدوحة أو إسطنبول.

لقد كانت أوروبا، لعقود طويلة، مركزًا عالميًا لحل النزاعات. فقد لعبت دول مثل سويسرا والنرويج، بالاستفادة من حيادها والتزامها بالدبلوماسية، دورًا محوريًا في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في صراعات دولية متعددة.

فقد قدّمت سويسرا عبر ما يُعرف بـ"المساعي الحميدة" خدمات تسهيل التفاوض في العديد من الملفات، من دعم عمليات السلام في سوريا وموزمبيق، إلى استضافة كيانات فاعلة في ساحة الوساطة، مثل "مركز الحوار الإنساني" الشهير عالميًا.

أما النرويج، فقد كانت مساهماتها لا تقل أهمية، إذ شاركت في اتفاقيات أوسلو، كما أدت دورًا بارزًا في عملية السلام في كولومبيا، مؤكدة بذلك التزامها العميق بتحقيق الانسجام العالمي.

غير أن مركز الثقل في هذا المجال شهد تحولًا لافتًا في السنوات الأخيرة، حيث انتقل من أوروبا إلى العالم الإسلامي، لا سيما من خلال بروز دولتي قطر وتركيا كقوتين محوريتين تسعيان لإيجاد حلول لبعض من أكثر النزاعات استعصاء في العالم.

ولعل الدور التركي في الحرب الروسية-الأوكرانية يُعد مثالًا كلاسيكيًا على هذا التحول. ففي يوليو/ تموز 2022، وبتعاون مع الأمم المتحدة، توسطت تركيا لإبرام "مبادرة البحر الأسود للحبوب" بين روسيا وأوكرانيا، ما سمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بأمان.

وقد ساعد هذا الاتفاق في استقرار أسواق الغذاء العالمية، إذ تم تصدير أكثر من 32 مليون طن متري من الأغذية إلى الأسواق الدولية، ذهب جزء كبير منها إلى الدول النامية، قبل أن تنسحب روسيا من المبادرة في يوليو/ تموز 2023.

ومؤخرًا، أعلن كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعدادهما لإجراء جولة من المحادثات في تركيا، في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق نار، وإنهاء حرب أودت بحياة الآلاف، وشرّدت الملايين. ويشير ترحيب الطرفين باستضافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهذه المحادثات إلى سعي أنقرة للحفاظ على علاقات متوازنة مع الشرق والغرب، دون أن ترغمها التحالفات على الانحياز لطرف دون آخر.

أما قطر، فجهودها الدبلوماسية المتعددة تُسلط مزيدًا من الضوء على تنامي تأثير العالم الإسلامي في ساحة الوساطة الدولية. فرغم تعدادها السكاني الصغير نسبيًا، فقد أدت قطر دورًا بارزًا في تسهيل الحوار بين أطراف متصارعة، واستمرت في ذلك على مدى نحو عقدين من الزمن. ولعل كثيرًا من نجاحاتها لم تحظَ بعناوين بارزة في الصحف، لكنها انخرطت بهدوء وفاعلية في الوساطة في نزاعات السودان، وتشاد، واليمن، بما يعكس التزامها العميق باستقرار المنطقة.

كما اضطلعت قطر بدور جوهري في محاولة التوصل إلى هدنة في غزة، بالشراكة مع حلفائها في الولايات المتحدة ومصر. وعلى الرغم من الانتكاسات المتكررة، والإحباط المتزايد الذي أعربت عنه قطر إزاء استمرار الخلافات بين الأطراف، فإنها واصلت استضافة المحادثات بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس.

ويعكس توجه جهود السلام العالمي نحو العالم الإسلامي تحوّلًا أوسع في الجغرافيا السياسية، إذ لدى دول الخليج – على وجه الخصوص – من القوة المالية ما يعزز نفوذها السياسي. وقد تجلّى هذا التحول مؤخرًا عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تكون أول زيارة خارجية له في ولايته الثانية إلى الخليج، متجاوزًا حلفاءه الأوروبيين والأميركيين الشماليين، بل وحتى الإسرائيليين.

إن انخراط العالم الإسلامي في جهود السلام يجب أن يُرحّب به لا أن يُخشى منه.

فالكثير من النزاعات المعاصرة تقع في أو تؤثر على مناطق ذات أغلبية مسلمة. ومن هنا، فإن وجود وسطاء يفهمون الخصوصيات الثقافية والدينية والاجتماعية لهذه المجتمعات يُعد أمرًا لا يقدّر بثمن. إذ إن مخاطبة المسلمين المتحاربين من خلال لغة ثقافية ودينية مشتركة، قد تُحدث فرقًا حاسمًا بين استمرار النزاع أو تحقيق السلام.

بل إن مبادئ السلام والمصالحة متجذّرة بعمق في تعاليم الإسلام. فكلمة "إسلام" ذاتها مشتقة من "سلام".

ولا شك أن كثيرًا من زعماء العالم يسعون إلى تحقيق السلام كوسيلة لترسيخ إرثهم الشخصي، وهو هدف جدير بالسعي إليه. ويمكن القول إن شخصيات مثل الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المعروفين بالتزامهما الديني، لا يريان في السعي إلى السلام مجرد مهمة دبلوماسية، بل مسؤولية أخلاقية ودينية أيضًا.

وسيُبادر بعض المنتقدين، لا سيما في الحكومات الغربية، إلى الإشارة إلى مآخذ حقوقية في الدول التي أصبحت تنشط في ساحة الوساطة العالمية. لكنّ هذه المآخذ ليست حكرًا على العالم الإسلامي؛ فالدول الغربية نفسها لطالما قامت بوساطة السلام وهي تتعامل مع انتقادات حقوقية، بل وفي أحيان كثيرة كانت منخرطة في تدخلات خارجية مثيرة للجدل.

فالحقيقة أن الدبلوماسية الدولية نادرًا ما يمارسها "القديسون". ما يهم هو ما إذا كانت الدول قادرة على تجاوز مصالحها الضيقة عندما تتطلب الظروف مواقف سامية. وفي حالات مثل وساطة قطر في غزة، أو دور تركيا في تسهيل صادرات الحبوب أثناء الحرب، فإن هذه الجهود كان لها أثر إنساني ملموس وقابل للقياس. وهذا، لا شك، مقياس مهم.

ويجب أن أكون واضحًا: لا أقول بسذاجة إن دوافع العالم الإسلامي للمشاركة في جهود السلام هي مبرأة عن كل مصلحة خاصة. لكن لا ينبغي لنا أيضًا أن نخدع أنفسنا ونظن أن الوساطة في النزاعات لا تكون نبيلة إلا عندما تكون أوروبا هي الطرف الفاعل.

إن من الضروري النظر إلى هذا التطور لا بوصفه تهديدًا لإرث أوروبا الدبلوماسي، بل كتطور مكمّل له. إذ إن الوساطة في النزاعات ليست مشروعًا رخيصًا، فهي تتطلب موارد لاستضافة وفود متعددة، كما تستلزم استثمارًا كبيرًا في الوقت، ورأس المال السياسي، والطاقة، والموارد المالية والبشرية، لتيسير الحوار بين الأطراف المتنازعة.

وفي الوقت الذي تواجه فيه دول أوروبا تحديات اقتصادية وتحولات سياسية، فإن دخول العالم الإسلامي إلى ساحة الوساطة يقدّم زوايا نظر جديدة، ويضيف أيضًا مصادر تمويل حقيقية.

وفي ظل هذا التوازن الجديد في قوى الدبلوماسية العالمية، يبدو أن العالم الإسلامي لم يعد مستعدًا لأن يكون مجرد ضحية سلبية للنزاعات، بل يسعى جديًا إلى أن يكون وسيطًا فاعلًا في تحقيق السلام.

وفي عالم يتزايد فيه الانقسام ويتراجع فيه الإيمان بالقوى التقليدية، تتبوأ دول مثل قطر وتركيا أدوارًا جديدة، نتائجها، في كثير من الحالات، تخدم أهدافًا إنسانية ذات أثر ملموس خلال فترات التفاوض. فهي تجلب معها فهمًا عميقًا للثقافة، وروابط إقليمية متينة، ورأسمالًا سياسيًا وماليًا يُترجم إلى التزامات فعلية.

وهذا لا يشكّل تهديدًا لإرث أوروبا في صنع السلام، ولا هو محاولة للسطو على دورها، بل يُعد توسعة ضرورية ومرحّبًا بها في أدوات العالم لبناء السلام. فإذا كان السلام هو هدفنا المشترك، فينبغي لنا أن نرحب بكل مساهمة مخلصة، أيًا كان مصدرها، ما دامت تُقرّبنا من تحقيقه.

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::

مشاهدة السلام بلغة إسلامية قطر وتركيا وتحو ل الجغرافيا السياسية للوساطة

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ السلام بلغة إسلامية قطر وتركيا وتحو ل الجغرافيا السياسية للوساطة قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، السلام بلغة إسلامية: قطر وتركيا وتحوّل الجغرافيا السياسية للوساطة.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة اخبار عربية
جديد الاخبار