رواندا: من جحيم الإبادة إلى معجزة التنمية – مقارنة مع العالم العربي ..اخبار محلية

اخبار محلية بواسطة : (جو 24) -
  "ما لا يقتلنا، يجعلنا أقوى" — فريدريك نيتشه. ربما لم تتحقق هذه العبارة بقدر ما تحققت في رواندا. دولة عرفت أقسى أنواع العنف الجماعي، ثم تحولت في ظرف عقدين إلى واحدة من أكثر الدول استقرارًا ونموًا في إفريقيا. فكيف تحقق ذلك؟ وهل يمكن للعالم العربي، المتعثر في تناقضات التاريخ والجغرافيا، أن يستفيد من هذا الدرس الوجودي العميق؟ في عام 1994، شهدت رواندا واحدة من أبشع المجازر في التاريخ المعاصر، إذ قُتل خلال 100 يوم فقط ما بين 800,000 إلى 1.2 مليون شخص من أقلية التوتسي وبعض المعتدلين من الهوتو. كانت المجازر جماعية، يدوية، ومنظمة بشكل مذهل. لم تكن مجرد حرب أهلية، بل كانت مشروع إبادة عرقية مخطط له. ولم يكن العنف في رواندا ناتجًا فقط عن حقد عرقي، بل كان نتيجة تراكمات تاريخية استعمارية فرنسية وبلجيكية كرّست الفروق الإثنية، وغذت مشاعر الكراهية، ثم تُركت البلاد لتواجه انفجارًا ذاتيًا بعد انسحاب القوى الأجنبية. لكن الحادثة لم تكن نهاية القصة، بل كانت بداية تحول جذري. من بين رماد المجازر، لم ينهض بول كاجامي كرجل ثأر، بل كمُهندس لذاكرة وطنية جديدة. بدلًا من تسليح الحقد، سلّح رواندا بالعدالة المصالحة، فكانت محاكم "غاتشاكا" التقليدية أداة لترميم الروح الجماعية، لا للانتقام. ومن تحت ركام الموت، بُني مشروع حياة عنوانه "رؤية 2020" ثم "رؤية 2050" – رؤى لا تسعى فقط لرفع الناتج المحلي، بل لتجاوز لعنات الجغرافيا والتاريخ، والوصول برواندا إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع. إنها ليست مجرد خطة اقتصادية، بل إعلان فلسفي: أن المأساة لا تقتل الأمم، بل يقتلها غياب الإرادة في تحويل الألم إلى أمل. أهم ملامح التحول: -النمو الاقتصادي: حافظت رواندا على نمو سنوي يصل إلى 8%، مع جذب استثمارات أجنبية تفوق 2.4 مليار دولار سنويًا. -الفساد: تُعد رواندا من أقل دول إفريقيا فسادًا، وفقًا لمؤشرات الشفافية الدولية. -تمكين المرأة: 61% من مقاعد البرلمان تشغلها نساء، وهي النسبة الأعلى عالميًا. -التحول الرقمي والتعليمي: أصبحت كيغالي من العواصم الإفريقية الرائدة في التكنولوجيا والبنية الرقمية. -إعادة تشكيل الهوية الوطنية: تم حظر استخدام التصنيفات العرقية (هوتو/توتسي) رسميًا، في محاولة لصهر الشعب في هوية "رواندية" موحدة. مع كل ما تحقق، تطرح التجربة الرواندية سؤالًا صعبًا: هل يمكن للتنمية أن تتغلب على الحرية؟ بول كاجامي، رغم إنجازاته، يحكم منذ 2000 بلا انقطاع، ويفوز في الانتخابات بأرقام تقارب 99%. المعارضة مقموعة، حرية التعبير محدودة، والمنظمات الحقوقية تتحدث عن حالات تعذيب واعتقالات. تُشبه التجربة الرواندية "استبداد تنموي"، حيث تُعلق الديمقراطية مقابل بناء الدولة. هنا تبرز المعضلة: هل من الأفضل أن تُقاد الشعوب بقبضة حديدية لتحقيق التنمية، أم أن الحرية السياسية لا تقبل التنازل؟ رواندا لم تجب بشكل نهائي، لكنها تضع العالم النامي أمام نموذج مثير للجدل. في المقابل، يشهد العالم العربي تناقضات جذرية. فمن حيث الموارد، يفوق ما يملكه العرب (النفط، الغاز، الموقع الاستراتيجي، الكثافة السكانية المتعلمة) ما تملكه رواندا بكثير. ومع ذلك، لم تُترجم هذه الثروات إلى تنمية مستدامة. تتميز رواندا بنمو اقتصادي مستقر وسريع، يعكس رؤية واضحة واستراتيجية وطنية طويلة الأمد، بينما يشهد العالم العربي تقلبات اقتصادية مرتبطة بشكل كبير بأسعار النفط، مما يجعل اقتصاده هشًا وغير مستدام. من ناحية الاستقرار السياسي، تتمتع رواندا بحكم قوي ولكنه سلطوي يضمن وحدة الدولة، في حين يعاني العالم العربي من حالة من الهشاشة السياسية. أما على صعيد الهوية الوطنية والحوكمة، فقد نجحت رواندا في صهر الفروقات الإثنية ضمن هوية وطنية موحدة، بينما تواجه الدول العربية تحديات كبرى بسبب الطائفية والقبلية التي تضعف الشعور بالوطن الواحد، إضافة إلى غياب استراتيجية وطنية واضحة وتعدد مراكز السلطة. وبالرغم من أن تمكين المرأة في العالم العربي بدأ يتحسن بشكل نسبي، إلا أنه لا يزال بطيئًا مقارنة برواندا التي تعتبر من الدول الرائدة في إشراك النساء في السياسة. أما حرية التعبير، فتظل محدودة في كلا الجانبين، لكنها تتخذ أشكالًا مختلفة ومتباينة في العالم العربي. العالم العربي يعيش مأزقًا وجوديًا: إما أن يظل حبيس التوازنات القديمة، حيث الاستبداد لا ينتج تنمية، أو ينفتح على الديمقراطية دون أدوات مؤسساتية حقيقية، مما يؤدي للفوضى (كما رأينا في الربيع العربي). في حين أن رواندا فرضت سردية مركزية موحدة، لا يزال العالم العربي مشطورًا بين سرديات متناقضة: الهوية الدينية، الطائفية، القومية، القبلية، وحتى الإثنية. ما الذي يمكن تعلمه؟ -المصالحة لا تأتي بالعفو فقط، بل بإعادة بناء السردية الوطنية. -غياب التعددية لا يمكن أن يكون دائمًا، لكنه قد يكون انتقالًا مرحليًا في بعض الحالات. -التنمية تحتاج خطة، وليس مجرد تمويل. -الفساد هو القاتل الصامت لكل نهضة، كما أثبتت رواندا. -دور المرأة ليس ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة اجتماعية. رواندا مقارنة مع خمسة دول عربية رواندا والأردن: التشابهات: -كلا البلدين يواجهان تحديات كبيرة مرتبطة بالاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في بيئة إقليمية معقدة. -لدى كلاهما تجربة في مواجهة أزمات تهدد الوحدة الوطنية (مأساة الإبادة في رواندا، والتحديات السياسية واللاجئين في الأردن). -الخطاب السياسي في كلا البلدين يستند إلى "شرعية النصر"؛ حيث تستند قيادة رواندا إلى انتصارها على الإبادة، ويستند الأردن إلى دوره كدولة مستقرة في منطقة مضطربة. الاختلافات: -الاقتصاد: 1- رواندا حولت مأساة الإبادة إلى فرصة لإعادة بناء الدولة وتنويع الاقتصاد برؤية تنموية واضحة ومركزية. 2- الأردن يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية، ويواجه صعوبات في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. السياسة والحريات: 1- الأردن يتمتع بدرجة أكبر من الحريات السياسية مقارنة برواندا. 2- رواندا تتمتع بحكم مركزي قوي مع قيود على حرية التعبير. - الاستقرار: -رواندا شهدت استقرارًا سياسيًا نسبيًا بعد الإبادة بفضل رؤية قيادية واضحة. -الأردن يعاني من ضغوط سياسية واقتصادية متواصلة بسبب الأزمات الإقليمية واللاجئين. -رواندا تحولت من ذاكرة مأساوية إلى مشروع وطني يركز على المستقبل والمسؤولية الجماعية. -الأردن يواجه تحديات في التوازن بين إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية وبين بناء رؤية تنموية طويلة الأمد، ما يجعل تجربته أقرب إلى إدارة الأزمات المستمرة من تحقيق تحول جذري. رواندا ومصر التشابهات: -كلا البلدين تبنيا نموذجًا تنمويًا تقوده الدولة بشدة، حيث تمركز القرار في يد القيادة السياسية. -مشروعات كبرى (سدود، عواصم إدارية، بنية تحتية). الاختلافات: -رواندا اعتمدت على استقطاب الاستثمار الأجنبي، ومكافحة الفساد كأداة للتنمية، بينما لا تزال مصر تعاني من تضخم جهاز بيروقراطي وتغلغل الفساد الهيكلي. -المؤسسات في رواندا أكثر مرونة، بينما في مصر تعاني المؤسسات من التسييس و"شخصنة" الدولة. رواندا ركزت على "الدولة الخادمة"، في حين تميل مصر إلى "الدولة الحارسة". الأولى تخدم المواطن لتحسين الإنتاج، والثانية تراقب المواطن خوفًا من التمرد. رواندا والعراق التشابهات: -كلا البلدين خرجا من صراع دموي وانقسام داخلي عميق. -محاولات للمصالحة الوطنية (محاكم غاتشاكا في رواندا، والعملية السياسية التوافقية في العراق). الاختلافات: -رواندا نجحت في تجاوز الانقسام العرقي، وألغت رسميًا تصنيفات الهوتو والتوتسي. -بعد عام 2003، اتجه العراق نحو نظام طائفي قائم على المحاصصة، ما ساهم في ترسيخ الهويات الفرعية وإضعاف مفهوم الدولة الجامعة. رواندا أجابت على سؤال: من نحن؟ بجواب وطني موحد. العراق ما يزال يجيب بـ: نحن سنة، شيعة، أكراد، مسيحيون... وهذا يعوق تشكل "الأنا الجمعية". رواندا وسوريا التشابهات: -مركزية الحكم، وإفراط في الاعتماد على الأمن في بناء الدولة. -الدولة تُقدَّم كـ"صاحبة الشرعية الوحيدة". الاختلافات: -رواندا أوقفت العنف بعد الإبادة وتبنّت خطاب المصالحة، أما سوريا فلا تزال تعيش نزاعًا دون أفق حقيقي للمصالحة. -رواندا بنت مؤسسات تنموية بعد الحرب، بينما انهارت مؤسسات سوريا تدريجيًا. رواندا تجاوزت مأساتها برؤية تنموية موحدة ومؤسسات قوية، بينما سوريا ما بعد الحرب لا تزال تُدار عبر نظام انتقالي يُعيد إنتاج السلطة تحت غطاء ديني، دون إصلاح شامل أو عدالة حقيقية. الفرق أن رواندا بنت مستقبلًا من ذاكرتها، بينما سوريا ما زالت تحاصر حاضرها بخوف من ماضيها. رواندا والجزائر التشابهات: -كلا البلدين لهما ماضٍ دموي للتحرر (رواندا من الإبادة، الجزائر من الاستعمار الفرنسي). -خطاب سياسي يستند إلى "شرعية النصر". الاختلافات: -الجزائر استثمرت كثيرًا في سردية الثورة، وأقل في التنمية الاقتصادية التنويعية. -رواندا حولت سردية الإبادة إلى منصة انطلاق اقتصادي. -رواندا حولت الذاكرة إلى مسؤولية مستقبلية. الجزائر ما تزال تتعامل مع الذاكرة كثقل مقدّس يمنع المساءلة. ومن هنا يتجلى الفارق بين ذاكرة للتحرر وذاكرة للتقدم. إن ما يميز رواندا ليس فقط أرقامها الاقتصادية، بل فلسفة الدولة الجديدة التي تؤمن أن الأمة تُبنى من الإنسان لا من الأرض أو السلاح. بينما العالم العربي ما يزال أسير فكرة أن الدولة "كيان جغرافي وسياسي" أكثر من كونها مشروعًا أخلاقيًا-اجتماعيًا. خلاصة: هل نستطيع الاستفادة من "درس رواندا"؟ ليس المقصود من تجربة رواندا أن تُقلَّد حرفيًا، بل أن تُفهم فلسفيًا. لا يوجد طريق واحد للنهضة، لكن يوجد قاسم مشترك لكل تجارب التحول: إرادة سياسية صلبة، هوية موحدة، رؤية طويلة الأمد، وجرأة على التغيير. إن العالم العربي لا يعاني من نقص في الموارد، بل من أزمة في المعنى. وحين تخرج الأمم من قوالب الهوية الموروثة، وتصنع نفسها من جديد، كما فعلت رواندا، تبدأ النهضة الحقيقية.   . .

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::

مشاهدة رواندا من جحيم الإبادة إلى معجزة التنمية ndash مقارنة مع العالم العربي

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ رواندا من جحيم الإبادة إلى معجزة التنمية مقارنة مع العالم العربي قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، رواندا: من جحيم الإبادة إلى معجزة التنمية – مقارنة مع العالم العربي.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة اخبار محلية
جديد الاخبار