العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي: من يحكم الإنسان أم الآلة؟ ..اخبار محلية

اخبار محلية بواسطة : (جو 24) -

 في حكم تاريخي صدر عن المحكمة الفيدرالية للمنطقة الجنوبية بولاية فلوريدا في 20 مايو 2025، وقع حادث يتوجب على كل محامٍ قاضي ومشّرع التوقف عنده طويلاً. فالقصة بدأت عندما قدّم محامٍ زائر من كاليفورنيا ومعه محامٍ محلي من فلوريدا، مذكرة دفاع تتضمن استشهادًا بحكم قضائي من محكمة ديلاوير. ولكن الصدمة كانت عندما اكتشفت المحكمة أن هذا الحكم لا وجود له من الأساس. فلم يكن سوى "هلوسة" (Hallucination) ناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث القانوني. هذا المثال الواقعي ليس مجرد خطأ عابر؛ إنه جرس إنذار مدوٍ يُبرز تحديًا وجوديًا يمس جوهر فهمنا للعدل والمسؤولية في النظام القانوني، ويُظهر كيف أن الذكاء الاصطناعي، رغم إمكاناته الهائلة، بات يفرض معضلة فلسفية عميقة: كيف يمكن الموازنة بين كفاءة الآلة وبين ضرورة العدالة التي لا تقبل الخطأ أو الانحياز؟

لم يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرد أداة تجريبية حبيسة المختبرات التقنية، بل بات لاعبًا رئيسيًا وثوريًا في ساحات المحاكم، ومكاتب المحامين، ودوائر التشريع. لقد أصبح اليوم الذكاء الاصطناعي يشارك بفاعلية في صياغة العقود، إعداد المرافعات المعقدة، تحرير الأحكام القضائية، بل وحتى وضع التشريعات الأولية. هذا التحول لا يمثل مجرد تقدم تقني بحت، بل يطرح معضلة فلسفية عميقة تلامس جوهر أنظمتنا القانونية.

تُظهر دراسات حديثة أن النصوص القانونية المنتجة بالذكاء الاصطناعي تشمل طيفًا واسعًا من الوثائق الحيوية، يمتد من العقود والاتفاقيات التجارية إلى المرافعات القضائية التفصيلية، مرورًا بالأحكام القضائية، ومشاريع القوانين التشريعية، والشكاوى، وحتى تقارير الشرطة الأولية. ويتم إنتاج هذه النصوص أو تحريرها باستخدام أدوات متقدمة مثل ChatGPT، وWestlawو CoCounsel حيث يخلق هذا الاستخدام المتزايد واقعًا قانونيًا جديدًا تتداخل فيه القدرات الهائلة للبرمجيات مع النوايا البشرية.

واليوم، تستخدم مكاتب المحاماة الرائدة الذكاء الاصطناعي لتوليد مسودات العقود بسرعة فائقة، وتستعين به المحاكم لتحليل أنماط القضايا السابقة وتوقع نتائجها المحتملة، بينما تقوم بعض الجهات التشريعية بتمرير مشاريع قوانين أولية أنتجتها أدوات ذكية، قبل أن تُعرض على المراجعة البشرية النهائية. هذا التغلغل الواسع يؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساعدة هامشية، بل أصبح يؤثر بشكل مباشر في صلب العملية القانونية، مما يطمس الخطوط التقليدية للمساءلة البشرية ويثير تساؤلات جوهرية: من المسؤول عن الأخطاء؟ من يراجع هذه النصوص؟ ومن يتحمل النتائج المترتبة عليها؟

الا انه في خضم هذا الحماس للتقدم التقني، تطفو على السطح تحديات عميقة لا يمكن تجاهلها، تتجاوز الجوانب التقنية البحتة لتلامس الأبعاد الفلسفية والأخلاقية للعدالة نفسها:واولاها واخطرها مخاطر "الهلوسة" والتحيز. كما تجلى بوضوح في قضية فلوريدا، فإن الذكاء الاصطناعي، رغم قوته الحسابية، قد يُنتج استشهادات قضائية أو وقائع وهمية تمامًا. هذا لا يمثل مجرد عيب تقني، بل يهدد جوهر العدالة والمساواة أمام القانون. فالتحيز الكامن في البيانات التدريبية يمكن أن يؤثر على نتائج التحليلات القانونية، مما يثير أسئلة فلسفية عميقة حول كيفية تحقيق "العدل" إذا كانت بيانات الآلة الأساسية مشوبة بالعيوب.

واما الخطر الاخر فهو الفيضان القانوني (Legal Floodgates). فسهولة إنتاج النصوص القانونية بكميات هائلة قد تؤدي إلى تراكم غير مسبوق من الوثائق غير الضرورية أو المكررة. هذا قد يربك المحاكم ويثقل كاهل الأنظمة القضائية بمستندات بلا قيمة فعلية، مما يعيق سير العدالة ويهدد بتقويض فعالية النظام القضائي وثقة الجمهور به، حيث قد تُغرق القضايا بمعلومات زائدة لا طائل منها، مما يقلل من قيمة الخبرة القانونية البشرية.

وثالثً هذه المخاطر فهو الصدق والمصدرية. وهنا يبرز سؤال جوهري يمس النسيج الأخلاقي للمهنة: من الذي يقف حقًا خلف هذا النص القانوني؟ هل تعكس هذه الوثيقة نية المحامي الذي رفعها أو رأي القاضي الذي أصدرها، أم أنها مجرد مخرجات خوارزمية تفتقر للنية الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية؟ هذا البعد يغوص في فلسفة النية والمسؤولية الأخلاقية، وهي مفاهيم مركزية في علم الأخلاق والقانون. فعندما يغيب العنصر البشري الواضح في صياغة النص، تتلاشى فكرة "النية الأصلية" التي تُعد حجر الزاوية في التفسير القانوني، مما يؤدي إلى ضبابية خطيرة في المساءلة ويجعل من الصعب تحديد من يتحمل العواقب القانونية لأي خطأ.

وتتباين مواقف المؤسسات القانونية في العالم تجاه هذه التحولات بشكل كبير، مما يعكس فجوة تنظيمية واضحة ومحيرة. فبعض المحاكم – خصوصًا في الولايات المتحدة، وكما اتضح في حكم فلوريدا – تمنع كليًا استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة المرافعات أو الأحكام إذا لم تخضع لمراجعة بشرية دقيقة، وتفرض غرامات قاسية على المحامين الذين يقدمون استشهادات قضائية وهمية ناتجة عن "هلوسات" الذكاء الاصطناعي. بينما تكتفي جهات أخرى بطلب الإفصاح الصريح عند استخدامه، مع اشتراط مراجعة بشرية قبل التقديم الرسمي. هذا التباين يُظهر محاولات للتكيف، ولكنه يكشف أيضًا عن غياب إطار تنظيمي موحد للتعامل مع هذه التقنيات.

وفي المقابل، تسعى شركات التكنولوجيا نفسها إلى تنظيم ذاتي طوعي، وتضع قيودًا داخلية على مخرجات الذكاء الاصطناعي. إلا أن هذا التنظيم الذاتي، رغم أهميته، يفتقر إلى سلطة الإنفاذ أو المساءلة القانونية الحقيقية، مما يجعل الأمر معلقًا بين اعتبارات الأخلاقيات الداخلية وضرورات الواقع التجاري. هذا الواقع يبرز حدود التنظيم الذاتي والحاجة الملحة لتدخل تشريعي خارجي لضمان بناء الثقة المستدامة في النظام القانوني.

لم تعد "العدالة" اليوم تُكتب فقط بأقلام المحامين وأحكام القضاة، بل بدأت تُصاغ بلغات البرمجة وأوامر الذكاء الاصطناعي. هذا التحول ليس مجرد تطور تقني؛ بل هو تحوّل فلسفي عميق في الطريقة التي نفكر بها في القانون، ومصدره، والمساءلة عنه. والسؤال الحقيقي لم يعد "هل نستخدمه؟" بل "كيف نستخدمه بطريقة تضمن العدل، وتحمي الحقيقة، وتحفظ للإنسان دوره الجوهري في صناعة القرار .ففي النهاية، القانون ليس مجرد نص جامد؛ بل هو روح العدالة التي يجب ألا يطمسها خوارزم ولا يُخادعها فكر آلة، وأن تبقى الأمانة المهنية غير قابلة للتجزئة.

.

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا :::

مشاهدة العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي من يحكم الإنسان أم الآلة

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي من يحكم الإنسان أم الآلة قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، العدالة في زمن الذكاء الاصطناعي: من يحكم الإنسان أم الآلة؟ .

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة اخبار محلية
جديد الاخبار