«نزل عليَّ جبريل لمَّا صلَّيت الركعة الأولى فقال: يا محمد إن رجلًا من ولدك يُقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين»
وردت هذه العبارة في كتاب «مقاتل الطالبيين» لأبي الفرج الأصفهاني، الذي خصَّصه لمآسي ومقاتل آل بيت الرسول (ص) من نسل الإمام علي، في القرون الأولي، وهي منسبوبة إلى الرسول محمد (ص)، وتنص تلك الرواية على أن الرسول عليه الصلاة والسلام نزل بمنطقة تسمَّى «فخ» قرب مكة المكرمة، فصلى برفقته من أصحابه ركعتيْن، فبكى بكاءً شديدًا في الركعة الثانية، حتى بكى المأمومين لبكائه (ص)، فلما فرغ من الصلاة، سألوه عن سبب بكائه الشريف، فأجابهم بالعبارة المذكورة آنفًا.
وبغض النظر عن مدى موثوقية تلك القصة التي نقلها الأصفهاني بصيغٍ متنوعة، فإنه بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأكثر من قرنٍ ونصف، وتحديدًا عام 169هـ، ستشهد تلك المنطقة معركةً غيرَ متكافئة، سيُقتَل فيها العشرات من نسل النبي (ص) يقودهم واحدٌ منهم يحمل اسم الحسين بن علي.
الحسين بن علي.. توافق الاسم والمصير
حسين تلك القصة هو واحد من أعلام آل بيت الرسول (ص) في العصر العباسي، واسمه بالكامل أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أي أنه حفيد حفيد الحسن بن علي رضي الله عنهما، حفيد الرسول (ص).
وليس غريبًا أن يأتي في نسل آل البيت من يحمل اسمه الحسين بن علي ومصيره كذلك، فقد كانت مأساة الشهيد بن الشهيد في كربلاء عام 61هـ نقطةً فارقةً في تاريخ الأمة الإسلامية، وتحتل مساحة مركزية في وعي ووجدان آل البيت وشيعتهم والكثرة الغالبة من جمهور المسلمين، الذين يرون في الحسين ثائرًا ضد الظلم والاستبداد وتوريث حكم المسلمين.
وقد اجتمع للحسين نسب أهل البيت من جهة أمه زينب، وأبيه ابن عمها علي بن الحسن، فنشأ الحسين في أجواء تحفها المِحَن والمآسي التي تعرَّض لها آل البيت على يد أبناء عمومتهم العباسيين، فقد استشهد أبوها عبد الله بن الحسن وزوجها وبعض إخوتها والعشرات من أهل البيت في سجن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.
مجتمع
منذ 4 سنوات دفع ثمن كلمته.. ثورة «النفس الزكية» التي تسببت في جلد العباسيين للإمام مالكوحدث ذلك إبان ثورة أخيها محمد النفس الزكية عام 145هـ، إذ عاقبتهم السلطات العباسية لخروج محمد في الحجاز، وأخيه إبراهيم في العراق، قبل أن تنجح الجيوش العباسية في قمع الثورتيْن وقتل الرجليْن وسحق أنصارهما، فكانت زينب كثيرًا ما تبكي مصارع أهلها وقومها، وتكرر الدعاء على ظالميهم قائلةً:
«يا فاطر السموات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده، احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين».
فلا عجبَ وقد نشأ الحسين بن علي في تلك الأجواء من الشجن والذكريات المرَّة، أن تشبَّع بروح الأسى على مقاتل أهله، والرغبة في الانتقام من العباسيين الذين سرقوا الثورة ضد الأمويين (128هـ – 132هـ) قبل عقود، والتي كانت تهدف في الأصل إلى استبدال الحكم الأموي بحكم من يرضاه المسلمون من آل البيت، وبالتحديد من نسل علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).
وبالفعل سبق وأن بايع العباسيون ومنهم أبو جعفر المنصور محمدًا النفس الزكية بالخلافة أثناء اندلاع الثورة في خراسان، لكن لمَّا انهزم الأمويون، تجاهل العباسيون مطالب وحقوق أبناء عمومتهم، وجعلوا الدولة الجديدة دولةً للعباسيين، وجعلوا توارث الحكم فيها بين أبناء نسلهم هم فقط دون أهل البيت العلوي ودون عموم المسلمين، فثار محمد وأخوه إبراهيم بعد سنوات وبعدهم بعقود الحسين بن علي، مستندين إلى شرعية ما كانوا يرونه حقَّهم الأصيل في الخلافة.
ويذكر ابن الأثير الجزري في موسوعة «الكامل في التاريخ» أن الحسين بن علي بن الحسن، كان جوادًا معطاءً، فقد ائتلفه الخليفة العباسي المهدي بن المنصور بمبلغٍ هائل الضخامة، ما يقارب 40 ألف دينار، فوزعه بالكامل على فقراء بغداد والكوفة. ونُقل عنه أيضًا أنه باع أرضًا له، وتصدَّق بثمنها، وأنه كان يكسو خادمه بالثياب الجديدة يؤثره بها على نفسه، بل تشتطُّ بعض الروايات في قصص كرمه، فتذكر أنه استدان غيرَ مرة بسبب صدقاته الغزيرة.
وظلَّ الحسين بن علي ساكنًا لسنواتٍ لا يثور ضد العباسيين حتى تحيَّن فرصة مناسبة للخروج، وكان يكتفي بالتواصل سرًّا مع أنصار آل البيت من أجل الاستعداد للحظةٍ مناسبة يشعلون فيها الثورة مجددًا ضد العباسيين، ووقع اختيار الحسين بن علي وأنصاره على إعلان الثورة في مكة المكرمة أثناء موسم الحج في عام 169هـ، ليستغلوا زخم اجتماع عشرات الآلاف من المسلمين من كافة أرجاء العالم، وينساب إليهم أنصاره ومؤيدوهم وسط الحجيج، لكن حدث ما عجَّل خروجهم في المدينة المنورة قبل ذلك بأسابيع.
مأساة «فخ».. مهمة انتحارية ضد السلطة
«وَكَانَ بَنو عَليٍّ رَضِي الله عَنهُ فِي الصَّدْر الأول كثيرًا مَا يثورون فِي النواحي شرقًا وغربًا طَالِبين حَقهم فِي الْخلَافَة منازعين فِيهَا لبني أُميَّة أَولًا ثمَّ لبني الْعَبَّاس من بعدهمْ ثَانِيًا» أحمد بن خالد الناصري في كتابه: «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصا»
وكان والي المدينة آنذاك من طرف العباسيين، أمير من نسل الفاروق عمر بن الخطاب اسمه عبد الله بن عبد العزيز، وكان يفرض قبضةً حديديةً على آل البيت في المدينة، ومنهم الحسين بن علي وأقرباؤه، وكان يطلب حضورهم يوميًّا إليه فيما يشبه نظام المتابعة الشُّرَطية في العصر الحالي، ويجعل بعضهم ضامنين أمامه لالتزام الباقين، وحدث أن اتهَمَ الوالي واحدًا من آل البيت بشرب النبيذ، فعاقبه بشدة بثمانين جلدة، وجرَّسَه مكشوف الظهر وأصحابَه في المدينة، فغضب الحسين بن علي وكبار أصحابه كثيرًا إزاء تلك الإهانات.
وتفجَّر الأمر عندما غاب أحد أهل البيت عن الحضور للمتابعة لدى الوالي، فهدَّد الأخيرُ الحسين بن علي باعتقاله وبجلْدِه ألف جلدة إن لم يحضِر مَن تغيَّب، ودارت مساجلة كلامية بين الرجليْن، أنهاها أن أقسم أحد الحضور من آل البيت واسمه يحيى بن عبد الله، أن يحضر الغائب خلال اليوم، ويقرع باب الوالي ليلًا ليتأكد أنه بصحبته، وكان يحيى قد استخدم التورية، وما أراده فعلًا بكلامه أنه سيدعو للخروج ضد الوالي والهجوم على منزله انتقامًا منه.
صلى الحسين بن علي بالناس، ثم خطب في المصلين بعد السلام قائلًا في جزءٍ من الخطبة:
«أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، وفي حرم رسول الله، أدعوكم إلى سُنَّة رسول الله (ص) .. أيُّها الناس: أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود، وتتمسحون بذلك، وتضيعون بُضْعَةً منه؟ (يقصد بالبُضعة نسل الرسول الكريم)»
بالتوازي مع ذلك، كانت قوة من الثائرين تقصد بيت الوالي، فوجدوا أخبار ما وقع في المسجد قد وصلته، ففرَّ هاربًا، ثم في نهاية خطبة الحسين، تكهربت الأجواء في المسجد عندما وصل العشرات من جنود الخلافة العباسية المسلحين من المُسوِّدة (يلبسون الزي الأسود الرسمي للخلافة العباسية)، فعاجلهم يحيى بن عبد الله وأخوه إدريس، وقتلا قائد الجنود، فذهبت المفاجأة بثباتهم، وانسحبوا فورًا، وانتصر الثوار في الجولة الخاطفة الأولى، ثم حاول الوالي مع بعض قواته الهجوم على الثوار وإخراجهم من الحرم، فقاتلوه وهزموه، ثم اندفعوا إلى بيت المال، ونهبوا ما كان فيه من الأموال وكانت تقارب في أرجح الروايات 12 ألف دينار.
وفي الصباح التالي، شهدت شوارع المدينة المنورة حربًا مفتوحة بين أنصار الحسين بن علي وأنصار العباسيين، وكان من اللافت اعتزال غالبية أهل المدينة للطرفين وإغلاق بيوتهم، ولعلَّ الذكريات المؤلمة التي تناقلها عبر الأجيال عن استباحة المدينة المنورة بعد ثورتها قبل 106 أعوام في عصر الأمويين في موقعة الحرة 63هـ، كان لها دورٌ لا يخفى في هذا الموقف السلبي المحايد لأهل أول عاصمة للخلافة الإسلامية.
وبعد قتالٍ شديدٍ طوال ذلك النهار، وقليلًا من الليل، انتصر أنصار الحسين بن علي، لاسيَّما بعد انسحاب أحد قادة العباسيين واسمه مبارك التركي، وكان موجودًا في المدينة مصادفةً في طريقه للحج، إذ قاتل أول النهار مع العباسيين، ثم راسل الحسين سرًا أنه يعز عليه محاربة ابن لرسول الله (ص) ودبر معه أن ينسحب أمام أنصار الحسين مع تجدد القتال ليلًا، فيهز صفوف أنصار العباسيين، وقد كان.
وتحصَّن أنصار الحسين بالمدينة 11 يومًا، ليستكملوا استعداداتهم العسكرية للتوجه إلى مكة المكرمة، واتخذوا من الحرم النبوي معسكرًا لهم طوال تلك الأيام، وينقل ابن الأثير في موسوعته «الكامل في التاريخ» أن الحسين بن علي كان ناقمًا على أهل المدينة لعدم انضمامهم لدعوته والثورة معه، وأنه قد وقعت بينَه وبين بعضهم ملاسنات في يوم مغادرته إلى مكة المكرمة.
تزلزلت الأجواء في مكة مع وصول الثائرين، فقد أعلن الحسيْن بن علي أن كل عبدٍ يترك سيده وينضم إلى الثورة سيكون حرًّا، وبدأ العشرات من أخلص المناصرين لآل البيت في مكة في الإقبال على الحسين مبايعين، ومعهم العشرات من الحجاج الذين اقتنعوا بدعوته، وكان نص البيعة:
أبايعكم على كتاب الله، وسنَّة رسول الله، وعلى أن يُطاع الله ولا يُعصى، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنَّة نبيه (ص) ، والعدل في الرعية، والقسم بالسَّوية، وعلى أن تقيموا معنا، وتجاهدوا عدوَّنا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم»
ولسوء حظ الثائرين، تواجد في مكة المئات من جنود العباسيين المسلحين جيدًا الذين كانوا يحرسون قافلة الحج القادمة من البصرة، وحشد العباسيون ما استطاعوا من مواليهم وأنصارهم، بينما كان عدد أنصار الحسين الإجمالي لا يزيد عن 300.
وفي منطقة «فخ»، على مقربةٍ من مكة المكرمة، في يوم التروية الثامن من ذي الحجة عام 169هـ الموافق 11 يونيو (حزيران) 786م، دارت معركة كربلائية الشكل والمضمون بين القلة القليلة الملتفَّة حول الحسين بن علي وجلُّهم من أهل بيته، والمئات من جنود العباسيين وحلفائهم الذين تحلَّلوا من إحرامهم للحج، وحملوا السيوف دفاعًا عن مُلكهم، وشرعية السيف.
«يا معشر الناس، يا معشر المُسَوِّدة، هذا الحسين بن رسول الله (ص) ،وابن عمه، يدعوكم إلى كتاب الله وسنَّة رسول الله (ص)» من خطبة الحسين بن علي قبل اندلاع القتال في فخ.
وكان من أبرز قيادات العباسيين في تلك المعركة عيسى بن موسى العباسي، وهو ابن عم الخليفة العباسي المشهور أبو جعفر المنصور، وكان عيسى بن موسى هو قائد الجيش الذي سحق ثورة محمد النفس الزكية بالحجاز وأخيه إبراهيم بالعراق عام 145هـ عم الحسين، وكان دائمًا بالنسبة للبيت العباسي رجل المهمات الصعبة وسيئة السمعة وفي مقدمتها قتال أبناء العمومة من آل بيت الرسول (ص)، وكان يشتهر عنه في دعم العباسيين ومُلكَهم، أنه ملكيٌّ أكثر من الملك، حتى يُنسَب إليه قبل القتال في فخ أنه ذكر لبعض مواليه تعبيرًا عن حزمه في قتال الحسين وأصحابه:
«هم والله أكرم عند الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر – يعني النبي (ص) – نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف، يا غلام، اضرب بطبلك!»
مقبرة شهداء فخ
وقد تواجَد عيسى بن موسى، وبعض قادة العباسيين مثل محمد بن أبي جعفر المنصور ومحمد بن سليمان بن علي العباسي، في موسم الحج هذا بالمصادفة، وقد حسم الفارق العددي المعركة في سويعاتٍ عديدة، سقط خلالها أكثر أنصار الحسين بن علي بينَ قتيلٍ وجريح، ورفض الحسين عروض قادة العباسيين له بالأمان مقابل الاستسلام، وصمد حتى اعتوَرَتْهُ السيوف، وسقط شهيدًا.
جرى إعدِام بعض من أُسِر من المهزومين في فخ من نسل آل البيت، مثل الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، وهو ابن محمد النفس الزكية، بأمر عيسى بن موسى، رغم أنه حصل على أمانٍ لنفسه في نهاية المعركة، وقد رثى أحد الشعراء المعاصرون للواقعة ولم يُذكَر اسمه شهداءَ «فخٍّ» من آل البيت قائلًا:
فلأبكين على الْحُسَيْن … بعولةٍ وعَلى الْحسنْ
وعَلى ابْن عَاتِكَة الَّذِي … واروه لَيْسَ لَهُ كفنْ
تُرِكُوا بفخٍّ غدْوَة … فِي غير منزلَة الوطنْ
ومن المفارقات ...
مشاهدة موقعة laquo فخ raquo مذبحة آل البيت المنسي ة في الحجاز
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ موقعة فخ مذبحة آل البيت المنسي ة في الحجاز قد تم نشرة ومتواجد على ساسة بوست وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، موقعة «فخ».. مذبحة آل البيت المنسيَّة في الحجاز.
في الموقع ايضا :
- أحكام قضائية ٠ ٠ بلا تنفيذ
- نشرة التوك شو.. تصريحات ترامب حول قناة السويس وحقيقة رصد حالات إصابة بالجدري المائي
- "شمال القاهرة للكهرباء": فرق لمراجعة التوصيلات واتخاذ الإجراءات القانونية للمخالفين