كانت دقائق تفصل الجاسوس "غلام رضا حسيني"" عن مغادرة إيران عندما أُلقي القبض عليه. وكان "حسيني" في مطار الإمام "الخميني" في طهران في أواخر عام 2010، يستعد لرحلة إلى بانكوك.
وهناك كان سيلتقي المهندس الإيراني مع عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه)، لكن قبل أن يتمكن من دفع ضريبة مغادرة البلاد رفضت ماكينة الصراف الآلي بالمطار بطاقته باعتبارها غير صالحة. وبعدها بلحظات، طلب ضابط أمن الاطلاع على جواز سفر "حسيني" قبل أن يقتاده بعيدا.
وقال "حسيني" إنه نُقل إلى قاعة خاوية لكبار الشخصيات وطُلب منه الجلوس على أريكة أُديرت في مواجهة الحائط. فدس "حسيني"، الذي تُرك بمفرده لبضع لحظات غلفها الارتباك والتشوش ولم ير خلالها أي كاميرات أمنية، يده في جيب بنطاله وأخرج بطاقة ذاكرة مليئة بأسرار الدولة يمكن أن تفضي إلى إعدامه ووضعها في فمه ومضغها قبل أن يبتلعها.
وروى "حسيني" أنه لم يمض وقت طويل حتى دخل عملاء وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية الغرفة ليباشروا تحقيقا، تخلله الضرب. ولم يكن لإنكاره وإتلافه البيانات أي جدوى، إذ كانوا يعرفون كل شيء بالفعل على ما يبدو. لكن كيف؟
قال "حسيني" لرويترز "هذه أشياء لم أخبر بها أحدا في العالم". بل ذهب الأمر بـ"حسيني"، والأفكار تتقافز وتتسابق في ذهنه، إلى التساؤل عما إذا كانت (سي.آي.إيه) نفسها قد باعته.
وكان "حسيني" ضحية لعدم مبالاة (سي.آي.إيه) أكثر من كونه ضحية لخيانتها، وذلك وفق ما كشفه تحقيق أجرته "رويترز" على مدى عام في كيفية تعامل الوكالة مع عملائها.
فقد سهّل نظام الاتصالات السرية المعيب التابع للوكالة على المخابرات الإيرانية التعرف عليه والقبض عليه. وقال "حسيني"، الذي سُجن لما يقرب من عشر سنوات وتحدث علنا للمرة الأولى، إنه لم يسمع شيئا من الوكالة مرة أخرى حتى بعد إطلاق سراحه في عام 2019.
وامتنعت (سي.آي.إيه) عن التعليق على رواية "حسيني".
ولم تكن تجربة "حسيني" في تعامل الوكالة السيء معه وتخليها عنه هي الأولى من نوعها، إذ وجدت رويترز في مقابلات أجرتها مع ستة عملاء إيرانيين سابقين للوكالة أنها كانت غير مكترثة من نواح أخرى في خضم حملتها المكثفة لجمع معلومات مخابرات في إيران مما يعرض حياة أولئك الذين يخاطرون بأنفسهم لمساعدة الولايات المتحدة للخطر.
وقال عميل إن (سي.آي.إيه) أمرته بإفراغ ما في جعبته من معلومات في مكان بتركيا كانت تعلم أنه تحت المراقبة الإيرانية. وقال رجل آخر، وهو موظف حكومي سابق سافر إلى أبوظبي للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، إن أحد ضباط الوكالة هناك حاول دون جدوى دفعه للتجسس لصالح الولايات المتحدة مما أدى إلى اعتقاله عندما عاد إلى إيران.
وهذه الخطوات الجريئة إلى حد التهور التي تقدم عليها (سي.آي.إيه) تُعرض أحيانا الإيرانيين العاديين للخطر مقابل احتمال ضئيل أن تحصل على معلومات مخابراتية مهمة. وأفاد الإيرانيون الستة بأنه عندما أُلقي القبض عليهم لم تقدم الوكالة لهم أو لعائلاتهم أي مساعدة حتى بعد سنوات.
قال "جيمس أولسون"، الرئيس السابق لمكافحة التجسس في (سي.آي.إيه)، إنه لم يكن على علم بهذه الحالات تحديدا لكنه قال إن أي تخل غير ضروري عن المصادر من قبل الوكالة سيمثل فشلا مهنيا وأخلاقيا.
وتابع "إذا كنا مهملين ولا نبالي وتعرضنا للاختراق، فعار علينا إذن… إذا دفع الناس ثمن الثقة بنا لمشاركة المعلومات ثم تعرضوا للعقاب فنكون قد فشلنا أخلاقيا".
وزُج بهؤلاء الرجال في السجن في إطار حملة مكافحة تجسس شرسة بدأتها إيران في عام 2009، وهي حملة أفادت تقارير إخبارية وثلاثة من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي السابقين بأنها جاءت نتيجة مجموعة من أخطاء (سي.آي.إيه) إلى جانب أسباب أخرى. وقالت طهران في تقارير لوسائل إعلام رسمية إنها تمكنت في نهاية المطاف من الإيقاع بعشرات من عملاء (سي.آي.إيه) بعد تحريات مضنية.
ولسرد هذه القصة، أجرت "رويترز" مقابلات استغرقت عشرات الساعات مع الإيرانيين الستة الذين أدانتهم حكومتهم بالتجسس بين عامي 2009 و 2015.
وللتحقق من روايتهم، أجرت رويترز مقابلات مع عشرة مسؤولين سابقين بالمخابرات الأمريكية على دراية بعمليات إيران وراجعت سجلات الحكومة الإيرانية والتقارير الإخبارية كما أجرت مقابلات مع أشخاص يعرفون هؤلاء الجاسوسين.
ولم يؤكد أي من المسؤولين الأمريكيين السابقين أو الحاليين، الذين تحدثوا مع "رويترز"، هويات أي من مصادر (سي.آي.إيه) أو يكشفوا عنها.
وامتنعت الوكالة عن التعليق على ما توصلت إليه رويترز أو على عملياتها في إيران. وقالت متحدثة إن (سي.آي.إيه) تبذل قصارى جهدها لحماية الأشخاص الذين يعملون معها.
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية أو بعثتها لدى الأمم المتحدة في نيويورك على طلبات للتعليق.
وكان "حسيني" هو الوحيد من بين الرجال الستة الذين قابلتهم "رويترز" الذي قال إنه تم تكليفه باستخدام وسيلة تراسل عرضة للاختراق. لكن تحليلا أجراه اثنان من المتخصصين المستقلين في الأمن الإلكتروني وجد أن نظام التواصل السري عبر الإنترنت، الذي لم يعد له وجود الآن والذي استخدمه "حسيني" ووجدته "رويترز" في أرشيف على الإنترنت، ربما كشف 20 من الجواسيس الإيرانيين الآخرين على الأقل وربما مئات العملاء الآخرين في بلدان أخرى حول العالم.
وكانت منصة التراسل، التي ظلت تعمل حتى عام 2013، مخفية داخل مواقع أخبار وهوايات من حيث يمكن للجواسيس التواصل مع (سي.آي.إيه). وتأكدت "رويترز" من وجود هذه المنصة من أربعة مسؤولين أمريكيين سابقين.
ولا تزال هذه الإخفاقات تطارد الوكالة بعد سنوات. فقد أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن قيادة (سي.آي.إيه) حذرت في سلسلة من البرقيات الداخلية العام الماضي من أنها فقدت معظم شبكتها من الجواسيس في إيران وأن الإجراءات الخرقاء لا تزال تعرض مهمة الوكالة للخطر في جميع أنحاء العالم.
وتعتبر (سي.آي.إيه) إيران أحد أصعب أهدافها. فمنذ ان استولى الطلاب الإيرانيون على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 لم يكن للولايات المتحدة وجود دبلوماسي في البلاد. واضطر ضباط (سي.آي.إيه) في المقابل إلى تجنيد عملاء محتملين خارج إيران أو من خلال الاتصالات عبر الإنترنت.
ويترك وجود الولايات المتحدة الضعيف داخل إيران المخابرات الأمريكية في وضع لا تحسد عليه وسط أحداث مثل الاحتجاجات التي تجتاح إيران الآن على وفاة امرأة في حجز لشرطة الأخلاق التي اعتقلتها لانتهاكها قواعد اللباس في البلاد.
وقال أربعة ضباط مخابرات سابقين قابلتهم رويترز إن الوكالة مستعدة لتحمل مخاطر أكبر مع المصادر عندما يتعلق الأمر بالتجسس على إيران. ويمثل الحد من الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية أولوية في واشنطن. وتصر طهران على أن جهودها النووية مخصصة لاحتياجات الطاقة فقط.
وقال "جيمس لولر"، الضابط السابق في (سي.آي.إيه) الذي كان يركز في عمله على ملفات من بينها أسلحة الدمار الشامل وإيران "اختراق برنامج الأسلحة النووية الإيراني هدف مخابراتي مهم للغاية، مهم للغاية… وبالتالي عندما يقومون بتحليل المخاطر في مقابل المكاسب، عليك أن تفكر في حجم المكاسب الهائلة".
وكُتب الكثير عن حرب تدور في الخفاء منذ عقود بين إيران وواشنطن والتي تجنب فيها الطرفان مواجهة عسكرية كاملة لكنهما نفذا عمليات تخريب واغتيالات وهجمات إلكترونية. لكن العملاء الستة، الذين أجرت رويترز مقابلات معهم لأول مرة، قدموا رواية غير مسبوقة عن لعبة التجسس القاتلة من منظور الإيرانيين الذين عملوا لحساب (سي.آي.إيه).
وقضى الإيرانيون الستة أحكاما بالسجن تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات. وبقي أربعة، من بينهم "حسيني"، في إيران بعد إطلاق سراحهم وظلوا عرضة للاعتقال من جديد، فيما فر اثنان من البلاد وأصبحا لاجئين.
واعترف الرجال الستة بأن مسؤولي (سي.آي.إيه) لم يقدموا لهم وعودا مؤكدة قط بالمساعدة إذا أُلقي القبض عليهم. ومع ذلك، اعتقدوا جميعا أن المساعدة الأمريكية ستأتي يوما ما.
ويمكن أن تشكل عمليات كشف الجواسيس تحديا لمصداقية (سي.آي.إيه)وهي تسعى لإعادة بناء شبكة تجسس في إيران. ونشرت وسائل الإعلام الرسمية في البلاد بعض هذه الحالات ووصفت الوكالة بأنها لا تتمتع بالمهارة أو الكفاءة.
وقال "حسيني" لرويترز "إنها وصمة عار على جبين الحكومة الأمريكية".
ورفضت المتحدثة باسم (سي.آي.إيه) تامي كوبرمان ثورب التعليق على كلام ""حسيني"" أو قضايا إيرانيين معتقلين أو أي جانب من جوانب طريقة إدارة الوكالة للعمليات. لكنها قالت إن الوكالة لن تعبث أبدا بحياة من يساعدونها.
وتابعت "تأخذ وكالة المخابرات المركزية التزاماتها بحماية الأشخاص الذين يعملون معنا على محمل الجد ونعلم أن كثيرين يفعلون ذلك بشجاعة ويعرضون أنفسهم لخطر كبير… فكرة أن وكالة المخابرات المركزية لا تعمل بالجدية المطلوبة لحمايتهم لهي فكرة خاطئة".
متطوع غاضب
لجأ "حسيني" للتجسس بعد أن سلك طريقا وعرة للوصول إلى مهنة مربحة. وقال إنه نجل خياط نشأ في طهران وتعلم الخراطة وإصلاح السيارات وأظهر لرويترز الشهادة التي حصل عليها من مدرسة مهنية.
وتابع أن المعلمين اكتشفوا ذكاءه ودفعوه لدراسة الهندسة الصناعية في جامعة أمير كبير للتكنولوجيا المرموقة. وقال إن أستاذا هناك جعله على اتصال بطالب سابق له صلات بالحكومة الإيرانية وأصبح في النهاية شريكا له في العمل.
وقدمت شركتهما الهندسية، التي تأسست في عام 2001، خدمات لمساعدة الشركات على تحسين استهلاك الطاقة. وقال "حسيني" إن الشركة عملت في البداية بشكل أساسي مع مصانع المواد الغذائية والصلب وتعاقدت بمرور الوقت مع قطاعي الطاقة والدفاع الإيرانيين. وأكدت سجلات الشركة وحسابات وسائل الإعلام الإيرانية ومقابلات مع ستة شركاء رواية "حسيني" عن خلفيته المهنية.
وقال "حسيني" إن نجاح الشركة جعل عائلته ثرية مما سمح له بشراء منزل كبير وقيادة السيارات المستوردة وقضاء إجازات خارج البلاد. لكن تراجعت أعماله في السنوات التي أعقبت انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي تولى الحكم من 2005 إلى 2013.
وفي عهد "أحمدي نجاد"، وهو محافظ متحالف مع المؤسسة الدينية الحاكمة، سُمح لقوات الأمن الإيرانية بدخول قطاع الصناعة مما زاد من سيطرة الجيش على المشروعات التجارية المربحة. وقال نشطاء إيرانيون في مجال تحقيق الديمقراطية إن الشركات وجدت أن نشاطها ينحسر غالبا في دور مقاولين من الباطن لهؤلاء الوافدين الجدد مما قلص حصتها من الكعكة.
وقال "حسيني" إن كل تعاقداته الجديدة كان لا بد أن تمر عبر بعض من هذه الشركات مما أجبره على تسريح عاملين مع انخفاض الأرباح.
وأضاف "حسيني" بينما كان يتحدث بعد مرور عشر سنوات على الأحداث "لم يعرفوا كيفية إنجاز الأعمال، لكنهم أخذوا نصيب الأسد من الأرباح… كان الوضع وكأنك رئيس الشركة وتقوم بكل شيء من الألف إلى الياء، وترى راتبك يتقاضاه معظم الموظفين المبتدئين. شعرت وكأنني تعرضت للاغتصاب".
في الوقت نفسه، كان لهجة الخطاب الأمريكي تتصاعد ضد أحمدي نجاد. واعتبرت واشنطن الرئيس الإيراني محرضا خطيرا على تطوير أسلحة نووية. فبدأ "حسيني" يشعر بأن نظاما فاسدا دمر حياته وأن الحكومة غريبة الأطوار ومتقلبة بدرجة يتعذر معها السماح لها بامتلاك لأسلحة نووية.واستشاط غضبا.
وفي يوم ما من عام 2007، قال إنه فتح الموقع الإلكتروني لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونقر على رابط الاتصال بالوكالة وكتب باللغة الفارسية "أنا مهندس عمل في موقع نطنز النووي ولدي معلومات".
وتقع نطنز، وهي من منشآت تخصيب اليورانيوم الرئيسية على بعد أكثر من 350 كيلومترا إلى الجنوب من طهران. ويشير الأرشيف الإلكتروني لشركة "حسيني" الهندسية من عام 2007 إلى أن الشركة عملت في مشاريع الطاقة الكهربائية المدنية. ولم يتسن لرويترز التأكد بشكل مستقل من عمل "حسيني" في نطنز.
وقال "حسيني" إنه اندهش عندما تلقى بعد شهر بريدا إلكترونيا (سي.آي.إيه).
عضو في الفريق؟
وبعد ثلاثة أشهر من هذا الاتصال، قال "حسيني" إنه توجه إلى دبي. وفي سوق التسوق الأنيق، سوق مدينة جميرا، بحث عن امرأة شقراء تحمل كتابا أسود. وكان واقفا خارج ...
مشاهدة جواسيس إيرانيون يكشفون كيف خذلتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية nbsp
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ جواسيس إيرانيون يكشفون كيف خذلتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد تم نشرة ومتواجد على الخليج الجديد وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، جواسيس إيرانيون يكشفون كيف خذلتهم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية .
في الموقع ايضا :
- الخطاب الوطني درع الهوية ووحدة الوطن
- دوري أبطال إفريقيا.. معلق مباراة الأهلي وصن داونز
- أول بيان من "بلبن" بعد إغلاق فروعها.. وسلامة الغذاء المصرية ترد: تسمم وألوان محظورة دوليا - تفاصيل