عدن والتاريخ العالمي.. خواطر عابرة في ذكرى الجلاء (57) ..اخبار محلية

بيس هورايزونس - اخبار محلية
عدن والتاريخ العالمي.. خواطر عابرة في ذكرى الجلاء (57)
كتب: د. قاسم المحبشي

البارحة وأنا أفكر في حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م وما تلاها من استعمار معظم المدن العربية المطلة على البحار ومنها مدينة عدن الحبيبة التي استولى عليها الإنجليز عام 1839م ومكثوا فيها 129عاما حتى نيلها الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وقبل قليل كنت مع المذيع المحترم محمد الردمي في قناة الجمهورية اليمنية نحتفي بالذكرى السابعة والخمسين لعودة عدن أهلها وما جرى بعدها.تبين لي أنه يستحيل فهم تاريخ المدن البحرية بدون معرفة تاريخ البحار والممرات المائية حول العالم . كتب الشاعر الكاريبي، ديريك والكوت الحائز على جائزة نوبل عام ١٩٩٢م ما يلي:

“أين شواهدكم ، معارككم، شهداؤكم؟ أين ذاكرتكم القبلية؟ أيها السادة.. في القبة الرمادية.. البحر البحر قد أقفل عليها… البحر هو التاريخ”.

    ADVERTISEMENT

    بهذا النص الشعري أستهل مايكل نورث كتابه (اكتشاف بحار العالم من العصرالفينيقي إلى الزمن الحاضر).

    ربما قرأنا عن تشبيه التاريخ بالنهر بوصفه صيرورة دائمة الحركة عبر الزمان من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل إذ أن التاريخ يجري كما تجري مياه الأنهار إلى مصالتها؛ أنها تجري باستمرار  يستحيل الاستحمام بها مرتين! بحسب هيرقلطيس. لكن هل هذا التشبيه دقيق ويشبع المعنى؟.

    الأنهار تجري في مسار واحد تنساب أو تجرف لكنها جميعها تصب في آخر المطاف في البحر؛ البحر البحر هو من يشبه التاريخ أو يشبهه التاريخ إذ أننا نعيشه كما تعيش الأسماك بالماء وكما هو قانون البحار وحياة الأسماك الكبيرة التي تتغذى على الأسماك الصغيرة يمكن النظر إلىالتاريخ وحركته المستمرة. نعم هو يتحرك حركة ذاتية نسبية ولكنه لا يسيل إلى مكان ما خارج هذه الكوكب. ومن البحر استلهم الشاعر الكاريبي ديريك والكوت قصيدته (البحر والتاريخ) فالبحر هو محور التاريخ حيث يحتفظ بالذكريات في قاعه كما يحتفظ بجثث ضحاياه وسفنهم ومقتنياتهم. ومن الاخطاء الفادحة في الدراسات التاريخية التقليدية أن الباحثين في التاريخ والآثار انشغلوا في تدوين ما حدث ويحدث في اليابسة وكل ما هو متاح للرؤية والمشاهدة بينما ظل التاريخ الحقيقي محتجبا عنكم في اعماق البحار والمحطات التي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية مجازنا بينما هي في حقيقتها كرة مائية أو بحرية وصف أقرب إلى الحقيقة. وربما كان البحر لا النهر هو اكثر شبها بالتاريخ – أو بالاحرى التاريخ هو الذي يشبه البحر وتحولاته وتياراته وموجاته المتصادمة وهذا ما ادركه فيلسوف التاريخ الامريكي المعاصر اولفينتوفلر إذ كتب  في ” بناء حضارة جديدة ” إن تشبيه التاريخ ” بموجات ” تغيير –  في اعتقادنا – أكثر تعبيراً عن ديناميكيه، وأنسب من الحديث عن الانتقال إلى ” ما بعد الحداثة “. فالموجة حركة. وعند اصطدام الموجة بالأخرى تتولد تيارات قوية متلاطمة، وعند تصادم موجات التاريخ فإنحضارات بأسرها تتصادم، و يلقى هذا الضوء على كثير مما يبدو في عالم اليوم عشوائياً أو بلا معنى” هذا الباراديم في رؤية التاريخ والعالم من جديد هو الذي لمحته وانا بصدد كتابة ورقة بحثية في مدارات ما بعد الكولونيالية. إنه البحر الذي يستحق القراءة منذ أقدم العصور ولا زال هو من يشكل ويعيد تشكيل العالم بمختلف الصور والأنحاء وكل دراسة لإحداث ووقائع التاريخ الأرضية تظل قاصرة بدون أن تشتمل على فهم دور البحر وتاثيره المباشر وغير المباشر في حياة الناسالترابية. وربما ادركت مدرسة التاريخ الجديد موخرا ذلك الأمر إذ عرّف المؤرخ  الإنجليزي هاري المربارنز (التاريخ الجديد) بأنه: “طريقة العرض التاريخي التي تحاول بصفة عامة أن تعيد صياغة تاريخ الحضارة ككل بوصفه على حد قول الاستاذ روبنسون – كل ما نعرفه عن كل شيء فعلهالانسان أو فكر فيه أو أمل فيه أو حلم فيه. ويعد الأمريكي جميس هارفي روبنسون، الذي ورداسمه في هذا التعريف أول من استخدم مصطلح التاريخ الجديد إذ  كان قد نشر كتاباً فينيويورك في عام 1912 يحمل أسم (التاريخ الجديد) جاء فيه: “ان الانسان ليجد عزاءاًً وراحة عقليةفي ترك أي محاولة لان يعرف التاريخ وأن يقنع باعتبار: مهمة المؤرخ أن يكشف أي شيء عنماضي الجنس البشري يعتقد أنه شائق أو مهم يستطيع أن يضع يده على مصادر المعلومات عنهوقد أوضح الاستاذ بارنز أن ما هو جوهري في هذا التعريف لمصطلح التاريخ الجديد أنه يؤكدعلى البحث عن الأصل (Genetic Orientation) كالبحث عن أصل الانسان وتطوره، وأصلاً لتنظيمات الحضارية وتطورها. ومن هنا، فانه يرى أن على المؤرخ الذي يسعى لكتابة التاريخ على وفق هذا التصور الجديد أن يكون لديه إلمام كامل بطبيعة الانسان وعلاقته ببيئته الطبيعية والاجتماعية الامر الذي يمكنه من معالجة مشكلة إعادة صياغة الاوجه المختلفة لتاريخ الحضارة. وفضلاً عما تقدم، فإن على المؤرخ أن يتلقى تدريباً مناسباً لتحليل التطور في النظم، وهو التطورالذي يحفظ سجل سيطرة الانسان تدريجياً على بيئته المادية ونجاحه المضطرد في تنظيم الجهود التعاونية لبني جنسه. وهنا يؤكد الاستاذ بارنز، أن هذا النوع من التاريخ الحضاري يتطلب من المؤرخ الطموح الذي يسعى للعمل في ميدانه أن يكون مزوداً بمعلومات اساسية من “علم الاحياء، وعلم الاجناس البشرية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع. كذلك، فان عليه أن يتدرب تدريباً خاصاً في العلوم الاجتماعية والجغرافيا اهمها ، وفي بعض فروع العلوم الطبيعية، وعلم الجمال، …” إذ أكد فرنان بروديل – وهو من أبرز رواد التاريخ الجديد – أن التاريخ يجب أن يكون شمولياً أو لايكون، “وهو يحتاج إلى العلوم الاجتماعية الأخرى، وقادر على تبني اشكال التفسير الجديدة التي تبتدعها هذه العلوم وتكييفها لأغراضه الخاصة. والتاريخ قادر بدوره على تقديم ما تفتقرإليه العلوم الأخرى، وهو البعد الزمني، الذي يمثل خصوصيته، ولايهم في نظر بروديل ان أتهم البعض التاريخ بأنه (امبريالي) يريد ابتلاع كل شيء” ‏‎وقد أشار عبدالله العروي إلى أن مفهوم الشمولية كما يعرضه بروديل وغيره من مؤرخي مدرسة الحولياتمستوحى من علماء الانثربولوجيا وبخاصة من الباحث الفرنسي مارسل موس الذي يرى أن”المجتمع، أي مجتمع، يكون في الحقيقة وحدة عضوية، فلا يمكن تجزئته الى قطع مستقلة تدرسكل واحدة منها على حدة. ان في قلب كل جزئية وظيفية يجب البحث عن مفعول الظاهرة الشمولية”.

    وهو الامر الذي فعله بنفسه حينما جعل من عالم البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي علىأيام فيليب الثاني – وهذا هو عنوان الكتاب الذي أصدره عام 1949 – نموذجاً تطبيقياً لكتابة التاريخ بحسب المنهجية الشمولية التي يدعو إليها. وقد توصل بروديل من دراسته المستفيضة لهذا الموضوع إلى وجود شخصية تاريخية لهذا البحر. وقد تجلى ذلك في وحدة النظم الاقتصادية والسياسية التي سادت في معظم الدول التي قامت على شواطئه.

    ‏‎هكذا بدا الأفق الشمولي عند بروديل”مجموعة تاريخية يشملها نمط واحد من نظم الحياة المادية والروحية، والسمة الأولى للحضارة هي أنها حقيقة واقعية ذات مدة مفرطة في الطول، وسمتها الثانية هي أنها مرتبطة أوثق الارتباط بمكانها الجغرافي إذ تحدث بروديل عن ثلاثة أزمنة  وهي:الزمان الجغرافي والزمان الاجتماعي والزمان الفردي. وفي اطار هذا الفهم تبرز “امكانية لكتابة ثلاثة تواريخ ثانوية أو فرعية تصب كلها في ذات التاريخ الأصلي (الكلي) أو (الشامل): أولها تاريخ جغرافي (يهتم بدراسة الطبيعة أو المكان كتاريخ)، ثانيها: تاريخ ظرفي اجتماعي (يعنى بدراسة المجتمع والحضارة)، ثالثها: تاريخ حدثي (سياسي). ولا يعني هذا الاخير عودة مقنعة إلى المنهج التاريخي القديم، بل التأكيد على أن ثمة شروطاً تحدد الحدث نفسه وتسمح بامكانه”. وقد خلص بروديل من كل ما تقدم إلى أنه قد أنجز في كتابه (البحر الابيض المتوسط والعالمالمتوسطي على عهد فيليب الثاني) تاريخاً متعدداً لكنه واحد، لأن حركته تسير من البنية، أي منشروط لامكان إلى الحدث.

    في ضوء ما تقدم يمكن لنا القول بأن فهم تاريخ العالم الحديث والاستعمار أهم ملامحه لا يمكن أنيتاتى بدون فهم حركة الاكتشافات الجغرافية وطرق السفن والبحارة ورواية روبنسون كروزو

    وفي ذات السياق “تضع أعمال قرنح المحيط الهندي في المركز كمكان، وخلاله تتخلق التواريخ والهويات والعلاقات والصلات والسياسات. إن الساحل الشرق إفريقي السواحيلي العريض، والذي لا يحظى بما يستحق من استكشاف مع ذلك، هو موطن مزيج ثري من أشكال التراث الإفريقي والآسيوي والعربي، وهذه العوالم هي التي يرسم قرنح خرائطها في رواياته”.

    والاكتشاف فعل حركة ونقلة وقوة وتفوق وسيطرة ومن يكتشف يصمم ويشكل يسمي الذاتوالأخر فمن نحن ومن الآخر وكيف يمكننا الخروج من هذه الشبكة العلائقية المستحكمة في تاريخنا الحديث والمعاصر؟ وفي ذكرى إخلاء بريطانيا العظمى سبيل عدن وتحريرها من قبضتها الاستعمارية الغربية الحديثة يحضر البحر بصور شتى واليكم الصورة التي سيطرت على ذهني وأنا اتأمل تاريخ العالم وعدن جزء فاعل فيه:

    كانت السفن الشراعية تمخر عباب مياه البحرين الأحمر والعربي منذ الألف السنين في طريقها إلى الهند أو أفريقيا عبر مضيق باب المندب الشهير الذي يشبه أسمه إذ تروي الأسطورة أن الكلمة تطلق على البحر المحيط بجزيرة ميون اليمنية بمعنى “بحر الموت”، ربما بسبب كثرة الشعاب المرجانية والجزر الصغيرة التي تعترض طريق الملاحة وتعرّض السفن التي تمخر عبابه لكثير من المخاطر وربما بسبب الرياح العاصفة والأمواج العاتية وربما بسبب القرصنة والصراع المميت بين ربابة البحار على التحكم بالمضيق. من هنا جاءت تسمية “باب المندب” أو “بوابة الدموع”، نظرا لما يعانيه البحارة المغامرون بالإبحار في مياهه من اخوف والفزع والموت. وقيل جاءت التسمية من دموع النساء اللاتي يودعن أحبابهن بين ضفتي المندب.

    إذ يقع البحر الأحمر بين الجزيرة العربية شرقا وأفريقيا غربا، وهو عبارة عن أخدود مائي متطاول ضيق، يمتد بانحناء نحو الغرب من خليج عدن جنوبا إلى جزيرة سيناء شمالا، ومن هناك يتفرع عنه خليجان، هما: خليج العقبة شرقا وخليج السويس غربا، وتفصل بينهما شبه جزيرة سيناء.

    وتطل عليه 8 دول: اليمن والسعودية من جهة الشرق، والأردن وفلسطين المحتلة وشبه جزيرة سيناء المصرية من الشمال. ومصر والسودان وإريتريا، وجيبوتي من الغرب.

    وتمتلك السعودية أطول ساحل على البحر الأحمر، تليها مصر ثم إريتريا والسودان ثم اليمن، وأخيرا جيبوتي، أما فلسطين المحتلة والأردن فشواطئهما قصيرة جدا، وتقع أقصى شمال خليج العقبة.

    وتقدر مساحة سطحه ما بين 438 و450 ألف كيلومتر مربع، ويمتاز بضحالة نسبية عند طرفيه، ويزداد عمقا في الوسط، حيث تصل أعمق نقطة فيه إلى ما يقارب 3 آلاف متر، في حين يبلغ متوسط عمقه ما يقارب 500 متر. ويبلغ طوله من جنوب السويس إلى مضيق باب المندب حوالي 1930 كيلومترا.

    في الأزمنة القديمة لم يكن العابرون يعلمون بما يوجد خلف جبال المندب الشاهقة وبالمثل لا علم لأهل السواحل من الصيادين وسكان الدواخل بمن يمرون في بحرهم ويقال أن الاسكندر المقدوني مر في باب المندب في طريقه إلى الهند. وفي 1798 – 1801حملة نابليون على مصر، وعام 1830 احتلت فرنسا الجزائر وفي مطلع العصر الحديت بدأت المنافسة بين الدول الأوروبية في سباق محموم لأكتشاف العالم والسيطرة عليه إذ القى الأسباني كولمبس مراسيه في العالم الجديد عام 1492م، والقى البرتغالي فاسكودى جاما مراسيه على ساحل الهند الغربي 1498م واستطاع ماجلان في السفينة فكتوريا ان يدور لأول مـرة حول الأرض(1519-1522), وفي عام 908 هـ (1503م) وصل البرتقاليين الى سواحل عدن ونهبوا سبعة مراكب وقتلوا أهلها ومنذ ذلك الحين والصراع بين القوى الكبرى محتدما في خليج عدن عام 1799م استولت القوات البحرية البريطانية على جزيرة ميون الواقعة بقرب مضيق باب المندب والمتحكمة فيه، غير أنها تخلت عنها بعد تعرض فرنسا للهزيمة في مصر ولم تعد من الاسباب المهددة للمصالح البريطانية في المنطقة. وفي عام 1802م عقدت معاهدة مع السلطان العبدلي وبموجب هذه المعاهدة أصبح ميناء عدن مفتوحاً أمام السفن والبضائع البريطانية، وتم تأسيس وكالة تجارية بريطانية في مدينة عدن وضمت الاتفاقية توفير وسائل الحماية للرعايا الإنجليز في السلطنة.

    أثناء الحرب البريطانية – الأمريكية بين عامي (1812-1814م) تعاظم الاهتمام البريطاني بشكل واسع بمدينة عدن ومناطق ...

    التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

    مشاهدة عدن والتاريخ العالمي خواطر عابرة في ذكرى الجلاء 57

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ عدن والتاريخ العالمي خواطر عابرة في ذكرى الجلاء 57 قد تم نشرة ومتواجد على بيس هورايزونس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

    وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، عدن والتاريخ العالمي.. خواطر عابرة في ذكرى الجلاء (57).

    في الموقع ايضا :

    الاكثر مشاهدة في اخبار محلية


    اخر الاخبار