تجاوز «الخط العربي» كونَهُ مجرد وسيلةٍ وأداةٍ للتدوين أو التوثيق، ليصبح ركيزةً لتكوين الهوية ولبنةً لبناء الحضارة، وقد نشأ في الجزيرة العربية على مراحل مختلفةٍ أولها كانت في عصر ما قبل الإسلام، وكان يستخدم كنقشٍ فني على الصخور ثم تحول فيما بعد إلى أحرف تُرسم على الورق أو الجلود، إلا أن البداية الفعلية للخط العربي كانت في عصر صدر الإسلام حيث أُنشئت أول مدرسة للخط بعد معركة بدر؛ عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الأسرى بتعليم الكتابة ليفتدوا أنفسهم، وعند نزول الوحي أصبح يُدوَّن بخط الجزم الذي سُمّي لاحقاً بالخط المكي، ثم تطور شيئاً فشيئاً في عهد الخلفاء الراشدين وحينها جُمع القرآن في مصحفٍ واحد، إلا أن الخط العربي أخذ في العهد الأموي شكلاً نوعياً مختلفاً عندما عكف أبو الأسود الدؤلي على تطويره، ووضع الحركات الإعرابية للخطوط ووضع النقاط على الحروف المتشابهة للتفريق بينها، ثم تابع الخط العربي تطوره في العهد العباسي وما تلاه من عصور حتى يومنا هذا وما هو عليه من جمالية وطرق كتابية جميلة.
مر الخط العربي بمراحل متعددة متأثراً بالأوضاع الثقافية والسياسية في جزيرة العرب بين حقبة وأخرى، وأخذ بالانتشار مع انتقال العرب أثناء التوسع الإسلامي، مُتِّخذاً أساليبَ وطرقاً متنوعة في الكتابة، حتى أصبح يتبارى الخطاطون على رسمه بأشكال هندسية وتحسينه وزخرفته ببراعة متناهية ليكون فناً بصرياً يأخذ بشغاف القلب، ومن ثم استُخدم في العمارة الإسلامية ليشكّل منجزاً عربياً خالداً في تاريخ البشرية.
الخط العربي جزءٌ لا يتجزأ من العمق التاريخي والثقافي والتراثي للمملكة باعتبار أرضها منطلق الحضارة واللغة، وهو ما حدا بوزارة الثقافة إلى إطلاق نوعين جديدين من الخطوط تحت مسمى «الخط الأول» و»الخط السعودي»، ليعكسا الامتداد الحضاري للخط العربي منذ نشأته مروراً بالحضارات التي تطور خلالها وازدهر حتى وصل إلى ما وصل إليه، وكانت النقوش والآثار التي تزخر بها أرض المملكة وتنوعت بين المسند والنبطي والثمودي شاهداً حياً على ذلك.
واستلهمت وزارةُ الثقافة في إنشائها للخطين الطباعيين رسمَ الحرف العربي كما ظهر في هويته البصرية الأولى في أقدم النقوش الصخرية، والمصاحف المبكرة، وذلك من خلال الدراسة، والتحليل العلمي والفني للنقوش، والمصاحف المبكرة، لاستنباط قواعد كتابية تساعد على تطوير خطوطٍ طباعية جديدة، لإحياء هذا التراث الثقافي العميق بقوالب رقمية إبداعية جمالية؛ وذلك انطلاقاً من دور المملكة الرائد في العناية باللغة العربية التي تندرج ضمن الأهداف الاستراتيجية لرؤية السعودية 2030، ولارتباط هذه الخطوط باللغة العربية ارتباطاً وثيقاً، حيث تُبرز الخطوط مخزوناً إبداعياً يعكس ثراء اللغة العربية، كما ينطلق ذلك أيضاً من اهتمام وزارة الثقافة بتقفّي الخلفيات التاريخية للفنون المتصلة بالخط العربي، والذي يُعدّ أحد أنواع الإبداع العربي، مستندةً في منهجية إطلاق الخطين على النقوش الأثرية بالنمط العربي القديم، والنقوش الإسلامية المتمثّلة في نقوش الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأدعية والأخبار، التي يعود تاريخها إلى القرن الأول الهجري، والتي نقشها الصحابة والتابعون وتابعوهم.
وانطلق العمل على تطوير الخطين من التأصيل التاريخي لعناصر أثرية تُمثّل أقدم الكتابات العربية، ثم استُخلصت الخصائص المطبعية الخاصة بالأسلوب الخطي للخطوط القديمة، وذلك وفق منهجيةٍ علمية ارتكزت على التكامل في التخصصات بين علم المخطوطات، وبين تاريخ الفن، وعلم اللغويات، والتصميم، والبرمجة الرقمية، ودراسة إمكانية تحويلها إلى خطٍّ عربي قابل للتعليم الخطي، وليس فقط للاستخدام الطباعي، ثم تطبيق ذلك في ورش عمل في الخط والتصميم، قبل أن تُختتم هذه العملية بمراحل دقيقة من المراجعة والتقييم، مع مراعاة الحفاظ على قواعد الخط من مصادر الاستلهام، ومراعاة الجوانب الجمالية والإبداعية للتصميم.
وحرصت وزارة الثقافة على رقمنة الخطين من خلال نتائج العمل التصميمي في سلسلةٍ من الرسوم، والتي نُفّذت عبر تحديد وتعيين الأبعاد المثالية، وقياسات الحروف، وإجراءات تنقيحٍ معمقة تشمل الأبعاد والأشكال لكل حرف على حدة، ثم التأكد من تناسق الحروف مع بعضها الآخر، وإتاحة وزنين لهما: عادي وآخر عريض، مما يتيح المرونة في الاستخدام، ويمنح خيارات متعددة لتلبية متطلبات الاستخدام المتنوعة عبر إتاحة استخدامه على منصات متعددة، بما يدعم الوصول العالمي الذي تطمح إليه المملكة العربية السعودية في عناصرها الثقافية.
وقد جرى تحليل قواعد الكتابة الموجودة في المصاحف المبكرة المحفوظة في المكتبات العالمية (مثل عربي 331 وعربي 330 وغيرها)، كما تمت الاستفادة من النقوش الصخرية (مثل نقوش النصوص القرآنية بين مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وقد أظهر تحليل الخطوط تشابهاً في الهوية البصرية، وأسلوب كتابة الحروف بشكل عام، ليتم اعتماد ذلك نموذجاً يُستند عليه بشكلٍ أساسي لاستخلاص القواعد الكتابية من الخط.
وفي ضوء ذلك تم العمل على بناء النموذج الخطي حسب توجُّهِ كل خط، فجاء «الخط الأول» في أسلوب يحافظ على خصائص الخطوط الأولى من مصادر الإلهام في القرن الأول الهجري مع سماتٍ تصميمية خاصة به، بينما جاء «الخط السعودي» بمثابة الاستلهام الإبداعي المعاصر من «الخط الأول»، واختير له اسم «السعودي» لتعزيز استخدامه على المستوى الوطني، حيث تم تصميمه في قالب يتسم بالليونة، وسهولة الاستخدام، ويربط الحاضر بالماضي.
وكانت وزارة الثقافة قد أطلقت العديد من المبادرات التي تدعم وجود الخط العربي تقديراً لأهميته، ومنها: «عام الخط العربي 2021/ 2022 « الذي تضمن فعالياتٍ ونشاطاتٍ احتفت بقيمته العالية، ولتعزيز حضوره في المجتمع، كما أعادت الوزارة إحياء مجمع «دار القلم» في المدينة المنورة، ليصبح منصةً عالمية للخط العربي باسم مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، فيما تمكّنت المملكة بالتعاون مع 15 دولة عربية من إدراج «الخط العربي» ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو عام 2022.
يُذكر أن مشروع إطلاق «الخط الأول» و»الخط السعودي» يأتي من منطلق إيمان وزارة الثقافة بأهمية الخط العربي، ودوره في تشكيل الهوية الثقافية الوطنية، بوصفه الوعاء الفني الإبداعي للثقافة العربية عبر تاريخها الطويل، حيث يسعى المشروع إلى تعزيز حضور الخطوط العربية بهويتها الأولى في التطبيقات المعاصرة، تحقيقاً لمستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة رؤية السعودية 2030 والمتمثّلة في الهدفين الاستراتيجيين للعناية باللغة العربية، وتنمية المساهمة السعودية في الثقافة والفنون.
مشاهدة الخط العربي من نقوش إلى هوية بصرية
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ الخط العربي من نقوش إلى هوية بصرية قد تم نشرة ومتواجد على جريدة الرياض وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، الخط العربي.. من نقوشٍ إلى هوية بصرية.
في الموقع ايضا :
- لا تفوتوا مشاهدة الإعلان الثاني للحلقة 189 من "المؤسس عثمان" الذي يتناول محاولة انتحار حليمة وخطر يهدد غونجا خاتون
- تامر عبدالمنعم يشرف على الاستعدادات النهائية لحفل عيد الربيع الجمعة المقبل
- الصحف المصرية: "صندوق النقد" يتوقع ارتفاع نمو الاقتصاد المصرى لـ4.3%