بابا فرنسيس… وداع الأسقف الاستثنائي في زمن الضجيج - بسام صراف ..أخر المستجدات

Tayyar.org - أخر المستجدات
بابا فرنسيس… وداع الأسقف الاستثنائي في زمن الضجيج - بسام صراف

أنا الأرثوذكسي، ابن التقليد الشرقي، أكتب اليوم لا لأتحدث عن بابا الكاثوليك فحسب، بل لأودّع من أصبح — في ضمير العالم — بابا الفقراء. أكتب لا بصفتي شاهدًا من خارج الكنيسة الرومانية، بل من قلب الإنسانية الجريحة التي لامسها هذا الرجل بصمته، وببُرده الأبيض الذي صار غطاءً للمنسيين في الأرض. أكتب لأودّع أسقفًا استثنائيًا خطا بيننا بخفّة يسوع، ووقف في قلب الضجيج حارسًا لصوت الإنجيل.

لم يكن فرنسيس بابا ككلّ من سبقوه. ولم يكن مجرد حبر أعظم جلس على كرسي بطرس، بل كان، في عمق رسالته، تجسيدًا حيًا لنبوءة المسيح وسط عالم يهرب من الصليب، ليجد في هذا الرجل رجاءً نازفًا من قلب الإنجيل.

    لاهوت النزول: عندما صار الكرسي عتبة فقراء

    منذ انتخابه عام 2013، بدا واضحًا أن الكنيسة الكاثوليكية دخلت مرحلة “لاهوت النزول”، لا بمعنى التنازل عن المبادئ، بل النزول من علو الهياكل إلى مذبح الشارع. لقد جسّد فرنسيس ما يمكن تسميته “الكنيسة الخارجة من ذاتها”، كنيسة لا تكتفي بتفسير الإنجيل، بل تعيشه بين نفايات ضواحي بوينس آيرس، وعند أبواب مخيمات اللاجئين، وفي وجع الذين لا يملكهم أحد.

    لقد انحاز فرنسيس للخط الرعوي الذي يتمسك بثوابت العقيدة، لكنه لا يختزلها في قواعد. قال: “الحقيقة دون محبة تصبح صنمًا، والمحبة دون حقيقة تصبح ارتباكًا”. ومن هنا أعاد الاعتبار للمرافقة الروحية لا للمساءلة الفوقية، وللرحمة لا للعقاب، وللبشرى لا للحكم.

    إصلاح بالدمع والصلاة لا بالسيف والعزل

    في عقل كثيرين، بدا فرنسيس كـ”المصلح الأخير”. لكنه لم يأتِ بسوط في يده، بل بدمعة في عينه. خاض معركة إصلاح بنية الكنيسة، لا من باب الانقلاب، بل من باب التجديد الداخلي. كان يعلم أن الكنيسة لا تتغير بمرسوم، بل بتوبة.

    واجه مقاومة صامتة، بل أحيانًا معلنة، من دوائر تقليدية داخل الكوريا الرومانية، لكنه ظل على ثباته، مقتديًا بعبارة القديس إغناطيوس: “افعل ما يجب، وليكن ما يكون”. أصلح بنية الاقتصاد الفاتيكاني، أعاد ترتيب أولويات الأسقفيات، وفتح الباب أمام مشاركة أوسع للعلمانيين، والنساء، وللمهمّشين.

    كان يدرك أن الإصلاح الحقيقي لا يقتصر على تغيير هيكلي، بل يستلزم “تحوّلًا رعويًا”، أي قلبًا كنسيًا لا يخشى أن يتسخ بالطين كي يرفع الساقطين.

    في القلب: فقراء الأرض وصراخ المهاجرين

    الإنجيل في فهم فرنسيس لا يُقرأ فقط في القداس، بل يُترجم في خيمة لاجئ، في رغيف خبز مفقود، في حضن أمّ أضاعها البحر. ولعل أبرز ما ميّز حبريته هو الانحياز الواضح للذين بلا اسم: الفقراء، المهاجرون، المهمّشون، المعذَّبون.

    لم تكن هذه شعارات، بل مواقف ملموسة: زيارة جزيرة لامبيدوزا، احتضان المرضى، غسل أقدام السجناء، استقبال العائلات المسلمة، الدفاع عن أطفال غزة، زيارة مخيمات العراق، والدموع في أوكرانيا. كل فعل كان ترجمة لإنجيل مجروح، واعترافًا بأن المسيح ما زال يُصلَب في الأجساد المحطَّمة.

    في هذا الإطار، لم يقدّم فرنسيس فقط لاهوت الفقر، بل ما يمكن تسميته روحانية الجراح المفتوحة: أن نلمس المسيح حيث يتألم، لا حيث يُحتفَى به.

    لاهوت الرحمة: حين صارت الكنيسة مستشفى ميداني

    لقد أعاد فرنسيس الاعتبار لمفهوم الرحمة، لا بوصفها انفعالًا وجدانيًا، بل كموقف لاهوتي جذري. دعا الكنيسة لأن تكون “مستشفى ميدانيًا بعد المعركة”، لا محكمة تُفرز، بل بيتًا يستقبل. تحدّث عن الكاهن كراعٍ لا كقاضٍ، وعن الأسرار كأدوية لا كجوائز.

    أطلق سنة الرحمة، وسّع إمكانية الحلّ للكهنة، دعا إلى النظر في معاناة العائلات المجروحة، فتح الباب لحوار مع المثليين، ولم يكن همه تغيير العقيدة، بل تحريرها من قوالب الإدانات الجاهزة. فهم أن الرحمة ليست ضعفًا، بل الوجه الأقوى للحق، لأن الله لا يهزم بالخوف بل بالمحبة.

    أخوّة شاملة ورسالة كونية

    في رسالته الكبرى Fratelli Tutti، جسّد رؤية كونية تنبع من جذور الإنجيل وتخاطب العالم بلغته. دعا إلى أخوّة إنسانية تتجاوز الدين والعرق والقومية، وجعل من الحوار بين الأديان والأمم دعامة للسلام.

    وثيقته التاريخية مع شيخ الأزهر، ولقاء النجف مع المرجع السيستاني، لم تكن مجاملات ديبلوماسية، بل ترجمات لرؤية مسيحية ترى في كل إنسان أيقونة لله. لقد انتقل بالإيمان من الحصن إلى الجسر، وجعل من الكنيسة شريكة في بناء السلام لا في التسلّق على خراب الآخرين.

    البابا الأخضر: حارس الخليقة الصامتة

    في Laudato Si’، قدّم فرنسيس واحدة من أعمق الرسائل البيئية في التاريخ، داعيًا إلى “اعتراف روحي بخطيئة التدمير البيئي”. اعتبر أن الأرض ليست مجرد مورد، بل مخلوقة تشاركنا الحياة، وأن العدالة البيئية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية.

    بهذه الرؤية، صار فرنسيس صوتًا بيئيًا عالميًا، ليس من موقع الأيديولوجيا، بل من قلب الإيمان. فقد رأى أن الخليقة ليست ملكنا، بل أمانة نُسأل عنها.

    وداع… لا غياب

    اليوم، إذ نودّع هذا الأسقف الاستثنائي، لا نقف أمام نهاية، بل أمام وصية حيّة. وصية لا تُكتب بالحبر، بل بالدمع. فرنسيس لم يغادر، بل زرع نفسه في وعي الكنيسة، في نزف العالم، في نبض الفقراء، وفي ليل المصلّين.

    هو لم يكتب فقط فصلًا في تاريخ الكنيسة، بل أعاد كتابة معنى البابوية: لا كسلطة، بل كخدمة؛ لا كهيبة، بل كتواضع؛ لا كعرش، بل كصليب.

    من بيروت – حيث يُصلب الوطن كل يوم – أقول لك يا قداسة البابا:أنا الأرثوذكسي الذي وجد فيك مرآة للمسيح. لستَ “بابا كاثوليكيًا” فحسب، بل كنتَ صوتًا للرب في زمن الغياب.وداعًا أيها الأسقف الاستثنائي، أيها الشاهد، أيها الجسر، أيها الرجل الذي جسّد رسالة الإنجيل في قلبنا جميعًا.

    التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

    مشاهدة بابا فرنسيس hellip وداع الأسقف الاستثنائي في زمن الضجيج بسام صراف

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ بابا فرنسيس وداع الأسقف الاستثنائي في زمن الضجيج بسام صراف قد تم نشرة ومتواجد على Tayyar.org وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

    وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، بابا فرنسيس… وداع الأسقف الاستثنائي في زمن الضجيج - بسام صراف .

    في الموقع ايضا :

    الاكثر مشاهدة في أخر المستجدات


    اخر الاخبار
    قبل 52 دقيقة