بقلم: عمر سعيد العمري
قد أكون من أوائل من علموا بخبر وفاة عبد الله باها مساء ذلك اليوم المشؤوم من دجنبر 2014، حين لفظ أنفاسه الأخيرة تحت عجلات قطار بالقرب من وادي الشراط، المنطقة التي أعرفها جيدا منذ الطفولة، حين كنا نرتادها للسباحة واللعب. توصلت، فور وقوع الحادث، بمكالمة من أحد أبناء المنطقة، كان في عين المكان، يسألني إن كنت قادرا على التعرف على ملامح الشخص الذي صدمه القطار، حيث تعذر عليهم تحديد هويته بسبب فداحة الحادث، وبحكم معرفتي القديمة بعبد الله باها، داخل الحركة التي جمعتنا، ولقاءاتنا المتكررة في مساجد العكاري والقبيبات وديور الجامع وفي الجريدة التي اشتغلنا بها، لم أتردد في تأكيد هويته، غير أنني عبّرت عن استغرابي الشديد لتواجده في ذلك المكان، وفي تلك الساعة بالذات. كنت أستعد، في تلك الفترة، لخوض الانتخابات المحلية بجماعة الشراط، وكنت في خضم اتصالات سياسية من أجل حشد الدعم، وقد قادني القدر إلى لقاء مع أحد المسؤولين البارزين آنذاك، لكن ما فاجأني هو أن أول ما بادرني به المسؤول، قبل الحديث في شؤون السياسة، كان سؤالا مباشرا عن تفاصيل وفاة عبد الله باها، باعتباري أعرفه عن قرب، وأسكن قربه في الرباط، وأعرف أسرته. وأفصح لي المسؤول، خلال هذا اللقاء (التقيته بعد الحادث بأيام قليلة جدا)، عن رواية خطيرة مفادها أن الأمر انتحار مرتبط بشبهات في حياته الخاصة، بل تحدث بكل وثوق عن “شريط” و”مثلية” (وعن أشياء أخرى)، وهي مزاعم رفضتها حينها جملة وتفصيلا (باها كان يسكن ويعمل قرب شارع النصر. وأنا ايضا كان تفصلني عن الشارع خطوات معدودة. ولا بد ان تعبره أو أن تسير فيه بحكم الضرورة.)، ليس لأنني أملك معطيات قاطعة تدحضها، بل لأنني أعرف عبد الله باها الإنسان: هادئ الطبع، متزن العقل، يزن كل خطوة بدقة (ثقيل بالعامية)، ويصعب أن يقدم على الانتحار، خصوصا وهو من طينة مناضلين تشكل وعيهم في بيئة دعوية صارمة، وكان سمته الإسلامي واضحا، بل معروفا في كل أوساطه، من المسجد إلى الحركة، ومن الجريدة إلى البرلمان. بحسب ما تأكدت منه بعد تمحيص، صلى عبد الله باها صلاة المغرب في مسجد الحبوس ببوزنيقة – وهو مسجد أعرفه جيدا – قبل أن يتجه مباشرة إلى وادي معروف بالمنطقة (ليس وادي الشراط)، وتحديدا إلى المكان الذي توفي فيه النائب البرلماني، الزميل والصديق، “أحمد الزيدي” (رغم اختلافنا السياسي المعلن)، قبل أسابيع فقط، في ظروف غامضة أثارت الكثير من الشكوك حول وفاته. كان الزيدي من السياسيين المستقلين الطامحين إلى تأسيس حزب جديد، وكان وقتها بدأت علاقاته ترتبط أكثر بأوساط داخل العدالة والتنمية، وكان الحديث حينها عن امكانية تحالف “الزيدي” مع “الحزب الاسلامي”. ويبدو أن هذه الملابسات أرقت عبد الله باها، ودفعت به إلى التوجه بنفسه إلى المكان لمحاولة فهم ما جرى للزيدي، ربما ليطمئن وجدانه على الأقل. لكن خطأه القاتل، في رأيي، كان الذهاب إلى عين المكان بعد غروب الشمس، في منطقة شبه خالية، وظروف ضوئية صعبة، ففوق القنطرة، وقف يتأمل المكان الذي قضى فيه الزيدي، محاولا إعادة تركيب المشهد، لكنه لم يكن يعلم – أو ربما نسي – أن السكة المزدوجة التي يمر منها القطار هناك تتطلب دراية دقيقة بخط سيره، ولما فوجئ بأضواء القطار الصاخبة ومنبهه القوي، تملكه الذعر، وفي لحظة ارتباك، اختار الوقوف في السكة الخطأ، ربما معتقدا أنها غير المستعملة. (مسار القطار ليس هو مسار الطريق العادية، القطار بين بوزنيقة والرباط يمشي على اليسار) التصريحات التي أدلى بها سائق القطار، والتي قال فيها إنه رأى شخصا واقفا في سكته يمسك برأسه، استُغلت لترويج فرضية الانتحار، لكنها لا تصمد أمام السياق الكامل للرجل، فمن صلى المغرب لا يذهب بعد دقائق لينهي حياته (وفرضية القتل لا تصمد لأنه كان لديه اختيارات المناورة)، ومن عُرف بـ”الحكمة” والسكينة بين “إخوانه”، لا يندفع إلى قرار مدمر في غفلة من الزمن. لقد تتبعت الملف عن قرب، واطلعت على شهادات، وبحثت في التصريحات المتاحة، ولم أجد دليلا يُقنعني بفرضية الانتحار (برلمان كوم)، كما أن فرضية “القتل المدبر” (يدفع في اتجاهها علي المرابط) لا تملك ما يكفي من المعطيات المؤكدة، فما توصلت إليه، بعد كل هذه السنوات، هو أن عبد الله باها لم يُقتل، ولم ينتحر، بل كان ضحية مزيج من الفضول السياسي واللحظة الخطأ في المكان الخطأ، والارتباك أمام آلة لا ترحم. نعم، ارتكب خطأ قاتلا، في لحظة مأساوية جمعت بين الحزن والتشويش الذهني وظروف لوجستيكية صعبة. رحم الله عبد الله باها، رجل فاضل اختلفنا معه سياسيا، وربما فكريا، لكننا نحسب أنه كان صادقا في التزامه، رصينا في حضوره، عفيفا في لسانه، وكان جزء من جيل من السياسيين الإسلاميين الذين عبروا الساحة بروح “الإصلاح” أكثر من روح “الصراع”. وها نحن اليوم، بعد مرور عقد من الزمن تقريبا، ما زل البعض عاجزا عن تقديم رواية نهائية تقطع باليقين (بحسن أو سوء نية)، لكنها تترك لنا على الأقل واجب الشهادة: بأن الرجل لم يكن ليخون قناعاته بقرار من هذا النوع، وأن “الانتحار السياسي” الحقيقي هو حين نتغافل عن “الحقيقة”، أو نتواطأ أو نستغل “الغموض”.. (هناك رواية أخرى عندي حول وفاة ابن البلد احمد الزيدي ربما ننشرها في وقتها).مشاهدة روايتي حول انتحار عبد الله باها بقلم عمر سعيد العمري
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ روايتي حول انتحار عبد الله باها بقلم عمر سعيد العمري قد تم نشرة ومتواجد على ازيلال 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، روايتي حول انتحار عبد الله باها بقلم: عمر سعيد العمري.
في الموقع ايضا :
- أحكام قضائية ٠ ٠ بلا تنفيذ
- “تعليم قنا” يعلن نتائج مسابقة الإنفوجرافيك للثانوي العام والفني
- "شمال القاهرة للكهرباء": فرق لمراجعة التوصيلات واتخاذ الإجراءات القانونية للمخالفين