إبراهيم قراغول - يني شفق
الخرائط التي في قلوبنا وعقولنا أكبر من الخرائط المادية، وأقرب كثيرًا لبعضها البعض. لأن عقولنا قريبة، لأن قلوبنا قريبة. لأن عالم مشاعرنا، ورؤيتنا المشتركة للمستقبل، كلها متقاربة. لأن جيناتنا السياسية واحدة. لا أحد يستطيع أن يرسم حدودًا بين إسطنبول والقاهرة، بين دمشق وبيروت، بين بغداد وأصفهان، بين بورصة والبوسنة، بين غزة وقلوبنا. ولن يستطيع أحد أن يفعل.
التاريخ والجغرافيا أمسكا بنا من الوريد..
التاريخ والجغرافيا والمدن أمسكت بنا من الشريان الرئيسي، وها هي تُعيدنا مرة أخرى إلى الوادي نفسه، إلى الخريطة ذاتها، ألا ترون؟ لا أحد يستطيع أن يعيق هذا المسار، ألا ترون؟ من هنا يرتفع صوت تحدٍ عظيم، ومن هنا يتشكل تاريخ المستقبل، ألا ترون؟
الأثمان التي دفعناها في الماضي كانت مشتركة. أغانينا، مراثينا، أفراحنا، أحزاننا... كلها مشتركة. الصدمات التي عشناها، التهجير الكبير، المجازر الكبرى التي أخفينا فيها دموعنا... كلها مشتركة. الآلام التي نعيشها اليوم في غزة هي نفسها التي عشناها عام 1917 في غزة والقدس.
تلك القرون، تلك الخرائط، كانت كذبة الجغرافيا تُعدّ لشيء مختلف
القرون التي فُرضت علينا كانت كذبة. الجدران التي أقيمت بيننا كانت كذبة. مشاعر الغربة التي زرعوها في قلوبنا كانت كذبة. الهويات، الأنظمة السياسية، والخرائط الضيقة التي صنعوها كانت كلها كذبًا.
القوة، الشعور، الذاكرة، والتاريخ تُعدّنا لشيء ما. لكن هناك من يحاول أن يوقف هذا الاستعداد من الداخل، و الخارج، ومن داخل المنطقة نفسها. يهاجموننا باستمرار، يلوّثون، يزرعون بذور الشر. يضربون بعنف وكأنهم "قوة احتلال داخلي"، يخدمون أولئك الذين مزقوا جغرافيتنا قبل قرن.
ترتفع أصوات تقول: "ليكن اليوناني لا التركي"، و"ليكن الأمريكي، أو الأوروبي لا التركي". هذا التجرؤ وهذه الوقاحة تُموّه بالسياسة. جبهة الإسلاموفوبيا والتوركوفوبيا توحّدت وتحاول إيقاف الموجة الكبرى التي ستطبع القرن الحادي والعشرين. لقد زجّوا بكل أسلحتهم المعروفة إلى الميدان.
هذا العبء الثقيل على عاتق تركيا... وسنواجه كل حركة بعداء شديد! تحويل حزام الحروب إلى حزام للسلام، وإنهاء التاريخ الدموي في جغرافيتنا، وتحويل الدول التي اختيرت لتكون ضحايا الإبادة الجماعية والمجازر إلى مناطق أمن مشترك... كل هذا يقع عبؤه على عاتق تركيا. كل ثقل التاريخ في أذهاننا.
لا يوجد أي بلد آخر قادر على فعل ذلك. الجينات السياسية لتركيا أعادت طرح هذا التحدي أمامنا. لا مهرب من ذلك. لم نتهرّب في أي فترة من فترات التاريخ، ولن نتهرّب الآن.
لقد خرجنا في مسيرة لبناء مجالات للسلام والكرامة والعزة والرخاء والحرية. خرجنا لنحوّل الجغرافيا إلى قوة. وسنواجه بكل غضب كل من يعارض هذه المسيرة، وكل من ينطق بكلمة ضدها، وكل من يبثّ الشر. لأن في هذا الغضب ألم وحقد الحرب العالمية الأولى، ومعركة جناق قلعة، واحتلال القدس، واليمن، واحتلال الأناضول.
فيه ألم التهجير الكبير، وعمليات الإبادة الشاملة ما عمرنا نحن؟ أجيال... قرون ضُحّي بها في هذا السبيل
لن نكون من أولئك الذين ينسون هذا الغضب، وهذا الألم من أجل مصالح اليوم وراحة اليوم. لن نكون من أولئك المنافقين، من عديمي المروءة. إذا لزم الأمر، سنستخدم الجغرافيا كسلاح، وسنحوّل الخريطة إلى رصاصة، وسنضع قلوبنا في الميدان كما نضع عقولنا.
من لا يخشى الإدانة، ومن لا يركض وراء موضة السياسيين، ومن لا ينحشر في أجندات ضيقة، ومن لا ينحني ولا ينكسر... من يخوض هذه المعركة بإيمانه وثباته... سيكون بطل هذه الأيام. سنتجاوز المناصب التي أُوكلت إلينا، والثروات التي نملكها، وتلهّفنا لنيل الرضا... سنكون جنودًا لحلم، لهدف، يجعلنا ننسى حتى أنفسنا. فما العمر؟ لقد ضُحّي بأمم، وشعوب، وأجيال في هذا الطريق.
غزة: سلاح الجوع، والصبر، والكرامة...
شهدنا في غزة إبادة جماعية. ولم تنتهِ، بل ما تزال مستمرة. قُدّمت مئات الآلاف إلى حافة الموت بسلاح الجوع، ونحن نصبر.
الأطفال، والنساء، والرجال الأحرار، يقاومون أقذر وأحقر أنواع المعاناة في التاريخ الإنساني، في عزلة وفقر، في مواجهة نظام عالمي بكامله. صبرهم عظيم، ونحن ننكسر تحت ما لم نستطع فعله.
غزة هي نحن. قريبة بقدر قلوبنا، بقدر شريان حياتنا. عندما نفهم هذا، تصبح الجغرافيا والتاريخ نحن. من لا يشعر بالغضب من هذه "الإبادة الجماعية للمسلمين" لن يكون له أي مساهمة في المسيرة الكبرى للتاريخ.
ما مدى قرب سوريا من قبرص؟ هذا الصرح العظيم ليس لزمننا الحاضر، فلماذا لا يكون حساب المستقبل؟
قبل يومين، كنت ضيفًا في رحلة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى جمهورية شمال قبرص التركية لحضور مهرجان "تكنوفيست".
ومن هناك، من المجمع الحكومي الجديد في قبرص، نظرت حولي، وفكرت ليس فقط في غزة، بل كم سوريا قريبة، وكم بيروت قريبة، وكم إسرائيل قريبة.
قلت في نفسي: "هذا البناء كبير ومهيب، ليس فقط لقبرص التركية، بل حتى لكامل جزيرة قبرص. هذا البناء ليس لليوم، فلمَ لا يكون لحساب الغد؟"
القريب ليس إسرائيل... بل نحن!
بينما تقصف إسرائيل حدود لبنان مع تركيا، وتقصف حدائق القصر الرئاسي في دمشق، الجميع يتحدث عن مدى قرب إسرائيل من هذه المناطق. لكن الحقيقة أن القريب هو نحن. القرب ليس فقط بمقدار شبر من الأرض أو أميال من البحر... بل لأن دمشق وبيروت وغزة جزءٌ منا.
فكّرت أيضًا بما تمثّله قبرص لنا. من يقول "ارحلي تركيا" غريبٌ عن هذه الأرض، بقدر ما قبرص قطعة من وطننا. قبرص، والجزر، تكمل وطننا. لكن قبرص أيضًا جبهة دفاع، وحاملة طائراتنا.
أعيدوا النظر إلى الخرائط
غزة، ودمشق، وبيروت… كلها جغرافيا واحدة. دعونا نُنعش ذاكرتنا، ونعيد النظر إلى الخرائط. إلى خريطة وعينا، إلى خريطة قلوبنا، إلى خريطة أمننا، إلى خريطة مستقبلنا.
لا جدال سياسي اليوم، ولا أجندة سياسية، ولا "مؤامرة استباقية" يمكن أن تصرفنا عن هذا الإدراك. لا عبارة رخيصة يمكن أن تفسّره، ولا نفاق يمكن أن يحجبه أو يجعلنا ننساه.
أولئك الذين صنعوا المعجزات... وجود مهرجان "تكنوفيست" في جمهورية شمال قبرص التركية لم يكن عبثًا. كان لوجود من صنعوا المعجزات في مجال الدفاع هناك مغزى عميق. كان لتحليق الطائرات الحربية والمسيرات في سماء قبرص التركية مغزى.
السبب الذي يجعل تركيا تواجه الطائرات الإسرائيلية في المجال الجوي السوري، والذي يجعلها تحتضن غزة بهذا القدر، والذي يفسر رغبتها في الدفاع عن لبنان… هو نفسه سبب التحدي الذي ظهر في قبرص التركية. حتى هنا، هناك تخطيط جغرافي، تاريخي، مستقبلي… هناك استعداد.
القرون لم تصمد، فهل ستصمد إسرائيل؟ ورأيت أن تركيا مستعدة لكل أشكال الانحرافات التي قد تأتي من إسرائيل، مستعدة لكل "الأمر الواقع". وهي على قناعة بأنه سيتم فعل كل ما يجب فعله على هذا الطريق.
إنه اختبار صبر قد يؤدي إلى انفجارات إقليمية، وإذا استمر الحال على هذا النحو، فذلك قادم لا محالة. وعندها، سنرى من ستجرف هذه العاصفة في طريقها.
إنها قوة من نوع خاص، فالجغرافيا التي في عقولنا وقلوبنا حيّة نابضة، والأخوّة والشراكة قوية إلى درجة لم تصمد أمامها قرون. فهل ستصمد إسرائيل؟
لقد مُسحت ذاكرتنا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ودُمّرت أوطاننا، لكن جيناتنا لم تُمحَ. ما عشناه خلال مئتي عام حمل أعظم صدمات التاريخ، ومع ذلك… هل تظنون أن إسرائيل قادرة على محو هذا الشعور، هذه الفكرة، هذا الوعي، وهذا الحلم الذي لم تتمكن قرون من محوه؟
لماذا لا يُقام مهرجان "تكنوفيست" القادم في دمشق؟ مجرد اقتراح... لما لا؟ ليس مستحيلًا. وفي المستقبل القريب، سيدرك الجميع أنه ليس مستحيلًا. فالتاريخ لا يُكتب إلا بأقلام الكبار. والجغرافيا لا يُرسمها إلا أصحاب الرؤية الكبرى. أما نحن، فقد أغلقنا منذ زمن قوس التاريخ المتجمّد. وسيرى الداخلون في اللعبة، كما ستراه إسرائيل أيضًا.
أولئك العاجزون عن فهم هذا المسار الجارف للقوة، المصمَّم منذ البداية على مقارعة الكبار، هم من سيخسرون القرن الحادي والعشرين.
إقامة مهرجان "تكنوفيست" في قبرص التركية كان دلالة واضحة على الخريطة التي نرسمها في أذهاننا. كان إعلانًا عن بناء القوة وعن رموزها. إذًا، علينا أن نقيم "تكنوفيست" القادم في دمشق. أو في بيروت.
هكذا تُبنى الخرائط. هكذا تُدافَع عن الجغرافيا. فتركيا دولة من هذا النوع. ليقبل الجميع بهذه الحقيقة. ولنطرح سؤالًا: لماذا لا؟!
مشاهدة القرون لم تصمد أمام هذه الحقيقة فهل ستصمد إسرائيل
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ القرون لم تصمد أمام هذه الحقيقة فهل ستصمد إسرائيل قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، القرون لم تصمد أمام هذه الحقيقة، فهل ستصمد إسرائيل؟.
في الموقع ايضا :
- حقيقة القبض على عميد كلية العلوم بجامعة الزقازيق في واقعة وفاة الطالبة روان
- هزة أرضية بلغت قوتها 4.6 درجة على مقياس ريختر تضرب المغرب
- مانشستر سيتي يخطط لضم ريان آيت نوري مقابل 40 مليون جنيه إسترليني