بيت لحم... الحكاية التي وُلِدت فينا قبل أن نولد ..اخبار محلية

جو 24 - اخبار محلية
بيت لحم... الحكاية التي وُلِدت فينا قبل أن نولد
  غادرتُ القدس كما يغادر الناس الحلم، لا مستيقظًا تمامًا، ولا نائمًا تمامًا. بين يديّ كان ظلُّ المدينة يرتجف، وفي الهواء رائحة الغيم، كأن السماء تُحضّر قصيدة جديدة، لا تُكتَب بالحروف، بل تُنقش على القلب مباشرة. وجهتي كانت بيت لحم. لا كزائرٍ يلتقط صورًا، بل كعائدٍ إلى بيتٍ لم يسكنه من قبل، لكنه كان دومًا هناك، في اللاوعي، في الذكرى التي لم نعِشها، وفي القصيدة التي لم نكتبها بعد. كنت وحدي... أو خُيّل إليّ ذلك. لأن في بيت لحم، لا يمكن لأحد أن يكون وحيدًا. كل حجر هناك له ذاكرة، وكل زاوية تعرفك حتى لو أنكرتها. الطريق لم يكن طريقًا، بل سؤالًا من نوعٍ آخر: هل يمكن لمكانٍ أن يكون مهدًا لبداية الإنسان، وقبرًا لذاكرته؟ هل يمكن أن يُولد الحُبُّ في مكانٍ، ويُذبح بعد ألفي عام في الساحة ذاتها؟ على جانب الطريق، رأيتُ رجلاً عجوزًا يُطعم طائرًا جريحًا، فسألته: منذ متى وأنت هنا؟" قال: "منذ أن نُفي الإنسان عن طبيعته الأولى. لم أفهمه تمامًا، لكن كلماته بقيت في ذهني كصدى نايٍ قديمٍ في كهفٍ منسي. دخلت بيت لحم، فإذا بها أشبه بجرحٍ يبتسم. مدينة ضيقة، نعم، لكن قلبها أوسع من الجغرافيا وأعمق من الزمن. في ساحة المهد، جلستُ على حجرٍ قديم. تخيّلت أن أحد الرعاة قد جلس عليه قبل ألفي عام ينتظر نجمةً لم تأتِ بعد. السماء كانت رمادية، كأنها تُخفي شيئًا. شيءٌ لا يُقال، بل يُحسّ فقط. لم أدخل الكنيسة مباشرة. سألت نفسي قبلها: هل ما زال الطفل هناك؟ أم أن العالم كبُر أكثر من اللازم، ونسي من أين بدأ؟ سمعتُ صوتًا داخليًا يهمس: الطفل لا يزال هنا، لكن العالم لم يعد يراه... لأنه لا يرى إلا ما يهدّد سلطته، لا ما يُذكّره ببراءته. رأيت جدار الفصل. جدارٌ لا يفصل بين شعبين فقط، بل بين الذاكرة والنسيان، بين الوعد والخيانة، بين الحب والخوف. هناك، وقفتُ طويلاً. وكتبتُ على الجدار بيدي المرتجفة: أنا القادم من الأردن – من قريةٍ أردنيةٍ لا تزال تتدثّر بالبرد كما تتدثّر بالكبرياء. من قريةٍ كانت يومًا قرية... وصارت أسطورة من صمتٍ وكرامة. أكتبُ اسمي على هذا الجدار لا لأُجمّله، بل لأفضحه. أوقّع بيدي على خزي هذا العصر. أنا الشاهد. أنا المُتّهم. أنا الساكتُ ذات زمنٍ، والمستيقظ الآن. هذا الجدار لا يُخيفني. بل يكشفني. كلُّ من يبني جدارًا ليحمي خوفه... سيقع، لا لأن الجدار سيسقط، بل لأن ضميره سبقَه إلى الهاوية. الموقّع: أسامة شقمان – ابن الأردن، من قرية الكبرياء التي كانت يومًا قرية. دخلت كنيسة المهد، لا سائحًا، بل باحثًا عني. أشعلت شمعة، لا من أجل السلام، بل من أجل الشجاعة. الشجاعة أن نقول: الاحتلال ليس قَدَرًا، بل خيارُ من اختار الصمت. وهناك، سمعت صوتًا آخر، ربما في داخلي، ربما في الحجرات الخفية للكنيسة. قال: كل مدينةٍ أمٌّ، لكن ليست كلّ أمٍّ تعرف كيف تحتضن أولادها حين يعودون مكسورين. خرجتُ من الكنيسة كمن خرج من رحمٍ آخر، وكأنني وُلدت من جديد. بعد ذلك، جلست على سطح أحد البيوت. راقبت المدينة وهي تتهيّأ للمساء. رأيتُ طفلة تلعب تحت ظلّ الجدار، تغني بلحنٍ من زمنٍ أنقى. نظرت إليّ بعينيها وسألت، دون أن تنطق: لماذا لم تُحاربوا لأجل طفولتنا؟ لم أجبها، بل شعرتُ أن الصمت أبلغ. صمتٌ يصرخ، وجعٌ يُكتب، وضميرٌ كان نائمًا طويلاً. لكنني وعدت نفسي أن أكتب. لأن الكلمة، في زمنٍ كهذا، أنبل من السيف، وأصدق من البندقية. في تلك الليلة، حلمتُ بثلاثة حُكَماء عادوا إلى المدينة، لا ليحملوا الهدايا التقليدية من ذهبٍ ولبانٍ، بل ليبحثوا عن شيءٍ أندر: ضميرٌ فُقِد منذ ألفي عام. قال الأول: أنا جئت لأعيد الذاكرة. قال الثاني: أنا جئت لأُصلح الحكاية. قال الثالث: أما أنا، فجئت لأن لا أحد غيري تذكّر الطفل. وحين وصلوا إلى المهد، لم يجدوا الطفل... وجدوا مرآة. وفيها رأوا وجوههم، لا وجه الطفل. وبينما كنت أغادر المدينة، سمعت جرسًا بعيدًا. لم يكن جرس كنيسة، بل جرس ذاكرة. قال لي: كل من مرّ هنا، ترك شيئًا منه خلفه. لا تنسَ أن تترك قلبك، قد يحتاجه من يأتي بعدك. وفي الطريق عائدًا، خطر ببالي أن أكتب قصة. قصة عن بيتٍ لا يُمكن أن يُهدم، لأن جدرانه ليست من حجر، بل من كلمات: ذات يوم، في مدينةٍ تُدعى بيت لحم، وُلد الطفل مرة أخرى، لا في حظيرةٍ متواضعةٍ من خشب وطين، بل في كتاب. وكان هذا الكتاب قلب إنسان لم يقبل أن يصمت. إلى أبنائي، إلى أحفادي، وإلى من تصل إليه هذه الكلمات: لا تقرأوا هذا النص كقصة، بل كوصية. في عالمٍ فقد بوصلته الأخلاقية، لا يُنقذنا سوى ذاكرة تُقاوم النسيان. نحن لسنا فقط ما نملك، بل ما لا نقبل أن نفقده: الحق، والكرامة، والقدرة على أن نقول "لا" في وجه الظلم، حتى حين يكون الصمت أسهل. تذكّروا أن أعظم معاركنا ليست تلك التي نخوضها بالسلاح، بل التي نخوضها داخلنا: بين الصمت والصراخ، بين الخوف والرجاء، بين أن نكون بشرًا أو مجرد نسخٍ قابلة للانكسار. ستعلّمكم الكتب أن بيت لحم مدينة صغيرة. لكن الحقيقة؟ إنها أكبر من الجغرافيا. إنها رحمٌ للذاكرة، ومرآةٌ للضمير، ومسرحٌ دائمٌ لسؤالٍ لا يموت: متى يتصالح الإنسان مع إنسانيته؟ إن سقطت بيت لحم من قلوبكم، سيسقط معها المعنى. وإن تركتموها وحدها، لن تسقط هي... بل أنتم. احملوها في ذاكرتكم كما تحمل الروح جرحها النبيل، لأن الشعوب التي تنسى مهدها، لا تجد قبراً يليق بها.   . .

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

مشاهدة بيت لحم الحكاية التي و ل دت فينا قبل أن نولد

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ بيت لحم الحكاية التي و ل دت فينا قبل أن نولد قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، بيت لحم... الحكاية التي وُلِدت فينا قبل أن نولد.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة في اخبار محلية


اخر الاخبار
قبل ساعة و 15 دقيقة