الكويت – الطموح تحت سماء الخليج ..اخبار محلية

جو 24 - اخبار محلية
الكويت – الطموح تحت سماء الخليج
في بدايات الثمانينيات، كنتُ مهندس طيران شابًا، على متن طائرة B727، في رحلة قصيرة إلى الكويت، لا تتجاوز الاثنتي عشرة ساعة، قبل أن أعود إلى عمّان، إلى دفء الجبال والحنين. لم أكن أدري أن ما بدا لحظة مؤقتة، سيتحوّل إلى محطة روحية، ومفارقة تُعيد تشكيل فهمي للانتماء، وتحرّك في داخلي أسئلة كبرى عن الوطن، والهوية، والمعنى. هبطنا في مطار الكويت الدولي، وكان كأنما سُحب من زمن قادم. أنيق، مرتب، صامت إلا من همس الطائرات، وكأن كل حجر فيه يعرف مهمته بدقة. لا حافلات مزدحمة تنقل الركاب، بل بوابات زجاجية أنيقة تمتد كأذرع مضيئة لتصل الطائرات مباشرة.  مشهد لم أره من قبل في أي مطار عربي. كان المطار أشبه بقصيدة صامتة... يثبت أن الطيران ليس مجرد انتقال، بل انتماء لثقافة التقدّم. في زمن كانت فيه المطارات العربية تئنّ تحت ثقل العشوائية، برز مطار الكويت كرمز لمستقبل مختلف، نظيف، سريع، حضاري، وكأن من صمّمه لا يبني مبنى، بل ينسج حلمًا وطنيًا بالعلوّ. خرجت من المطار وفي جيبي زمن قليل، ولكن قلبي كان مفتوحًا على كل شيء. قادتني خطواتي إلى أسواق الكويت. وكانت المدينة، بكل بساطة، تنبض بالحياة. الكويت آنذاك لم تكن فقط عاصمة، بل قلب ينبض بالدهشة.  طرقها مرصوفة بدقة، مصابيحها كأنها نجوم على الأرض، والناس؟ خفيفو الظل، أنقياء اللغة، كرماء بدون حساب. في أحد الأزقة، شدّني محل أنيق للقمصان. دخلت، وكأنني كنت أبحث عن شيء لا أعرفه. اخترت ثلاثة قمصان بسرعة لا تُشبهني. ربما لأني شعرت أنني هنا لأتعلّم شيئًا، لا لأشتري شيئًا. اللقاء الذي غيّر شيئًا في داخلي اقتربت من الكونتر. وكان هناك. رجل خمسينيّ، وجهه ليس غريبًا، بل مألوف على نحوٍ غامض. فيه ملامح أبٍ خسر الوطن، لكنه لم يخسر ذاته. سألني: – من وين الأخ؟ أجبته: – من الأردن، أعمل مهندس طيران في "عالية"، وعندي بس كم ساعة قبل الرجوع. ابتسم، كأنّه رأى نفسه فيّ، ثم قال: – أنا من نابلس. جئت إلى هنا بعد الاحتلال في 1967. يومها، صارت الأرض خلفي، والحلم أمامي. وجدت في الكويت حضنًا لا يُنسى. الكويت لم تسألني من أين أتيت، بل سألتني: ماذا يمكنك أن تصنع؟ جلسنا خلف الكونتر، وقدّم لي الشاي. كان قلبه يتكلّم قبل لسانه. – الكويت مش بس بلد... هي وطنٌ صنعه الكرم لا الجغرافيا. استقبلتنا كما نستقبل نحن ضيوف العيد. ما حسّيت يوم إنّي غريب. شوارعها صارت جزءًا من روحي. – تعرف؟ أنا بسافر كل صيف، وأزور أهلي في عمان، وفي الضفة. بس دايمًا، لما أرجع من السفر... أحس إنّي رجعت لبيتي. ثم أضاف، بنبرة مَن يريد أن يوصي بالحياة نفسها: – أنا أردني في القلب، فلسطيني في الجرح، كويتي في الوفاء.  هذه البلاد أعطتنا فرصة لنكون، فصرنا أوفياء لها كما نكون للأم. حين مددتُ له النقود، مدّ يده ليمنعني، وقال بابتسامة تشبه دمعة: – خذهم هدية. يمكن القمصان ما تعني لك كثير، لكنك ذكّرتني بريحة الوطن. ذكّرتني إنّه مش كل مطار يعني وداع... أحيانًا المطار هو المكان اللي تلقى فيه نفسك. وحين هممتُ بالاعتراض، قال: – لا تحرجني... أنا ما ببيعك قماش، أنا بهديك ذكرى. الوطن مش بس جواز سفر، الوطن أحيانًا شاي نُقدّم لمن يمرّ بنا صدفة... فيوقظ فينا الحياة. عدت إلى الفندق، والقمصان الثلاثة في يدي، وفنجان شاي لم يُشرب في قلبي. شعرت أنني لم أعد نفس الشخص الذي وصل قبل ساعات. وفي طريق العودة إلى الطائرة، كنت أنظر من نوافذ المطار، وأفكر: هذا البلد عرف كيف يحلّق. لا يملك طائرات فقط، بل يملك رؤية. إن مطارًا بهذه الرقي، وشعبًا بهذه الطيبة، لا بد أنه وطنٌ ثالث لكل من فقد الأول والثاني. إلى أبنائي، إلى أحفادي، وإلى من تصل إليه هذه الكلمات: في الحياة، ليس كل من عبرنا غريبًا، ولا كل محطة هي عبور. بعض المدن تتحدث إليك بدون أن تتكلم، وتُمسك بيدك دون أن تلمسك، وتترك فيك شيئًا، دون أن تأخذ منك شيئًا. الكويت... ليست فقط بلدًا خليجيًا غنيًا، بل روحٌ احتضنت غربتنا بصمت، وقدّمت لنا الحياة على هيئة مطار أنيق، وتاجر قمصان حكيم. الوطن ليس فقط ما وُلدت فيه، بل ما وهبك كرامةً حين ضاعت منك، وأعطاك بداية جديدة حين أُغلقت الأبواب. والمطارات ليست محطات وداع، بل أماكن نكتشف فيها أنفسنا. وما يقدّمه لك الغريب، أحيانًا، يكون أصدق من كل ما ظننته دائمًا ملكك. . .

التفاصيل من المصدر - اضغط هنا

مشاهدة الكويت ndash الطموح تحت سماء الخليج

يذكر بـأن الموضوع التابع لـ الكويت الطموح تحت سماء الخليج قد تم نشرة ومتواجد على جو 24 وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.

وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، الكويت – الطموح تحت سماء الخليج.

في الموقع ايضا :

الاكثر مشاهدة في اخبار محلية


اخر الاخبار