هل نحب الحقيقة حقا.. أم نحب الشعور لأننا نعرفها؟
حين نسأل ما الحقيقة؟ نظن أننا نطلب جوابًا، لكننا في الواقع نوقظ سؤالًا أزليًا، لا يهدأ ولا يعرف له قرار، عبثي في وجوده، مستبد في سلطته. فمنذ أن فتح الإنسان عينيه على هذا العالم، وهو يتساءل: ماهذا الذي
أراه وما الذي لا أراه؟ هل هو وهم أم يقين؟ بين الضوء والظل، وبين ما يقال وما يُخفى تتشكل الحقيقة لا كجسم واحد، بل ككائن متعدد الوجود. وهنا لا بد لنا أن نسأل أنفسنا أمام مرآة ذواتنا:
هل نحتمل الحقيقة أصلًا؟
لنفترض أننا عرفنا الحقيقة كاملة، بلا زخارف، بلا مجاز.. هل
سنبقى على ما نحن عليه؟ إن ذكر الحقيقة ليس دائمًا نورًا، أحيانًا تكون نارًا وواقعًا فجًّا يهوى بالإنسان نحو نهايته. ولذا قال فرويد إننا نميل إلى الكذب على أنفسنا، لأن الذات البشرية لا تحتمل مواجهة دوافعها الحقيقية. نحن نحب الأوهام لأنها تريحنا، نحب القصص لأنها تجمّل القبح وتُخفي ما لا يُحتمل ذكره في حياتنا.
كان أفلاطون أول من صاغ مشهدًا تمثيليًا للحقيقة: أناس مقيدون في كهف يرون ظلال الأشياء على الجدار ويظنونها هي الواقع، أما الحقيقة فهي في الخارج، تنتظر من يتحرر ليبصرها بعد صدمة الحياة. وجاء نيتشه ليفكك هذا الحلم الأفلاطوني ليخبرنا أن الحقيقة
أكذوبة اتفقنا على تصديقها، وأن السعي وراءها مرض فلسفي.
إن الرواية، مثلًا، تلك التي نظنها ضربًا من الخيال قد تكون أقرب إلى الحقيقة من الواقع نفسه. دوستويفسكي لم يكن يروي الحكايات، بل يكشف أعماق النفس البشرية. في روايته العبقرية (الأخوة كارامازوف)
يدخلنا إلى دهاليز النفس حين تفقد الحقيقة مركزها، ويصبح الإنسان تائهًا بين الدين كسلطة، والفكر كشك، والحرية كلعنة.
في مشهد (المفتش الكبير) الذي يصوره إيفان، يظهر يسوع في محكمة الكنيسة، فيحاكمه المفتش لأنه أعطى الناس الحقيقة…
وتركهم أحرارًا بلا قيود، ويقول له المفتش: «لقد صححت عملك، نحن أعطينا همما عجزت عنه… الطمأنينة،
لا الحقيقة». لكن إسقاط هذه الرؤية لا يتوقف عند إيفان، بل يتعدى إلى تمزق روحه وجنونه، لأنه فقد اليقين حين لم يحتمل الحقيقة. أما ديمتري، فضاع في غواية الشك، فضاعت الهوية. فالجريمة في الرواية لم تكن لحظة قتل، بل سلسلة من غياب الوضوح، وانهيار الثقة، وانسحاب الله من ضمير الإنسان.
إذا فالحقيقة لا تُرى كما هي، بل يُنظر إليها، وهذا النظر ليس واحدًا، بل تحكمه طبقات شفافة غير مرئية.
هم الأجيال. جيل لا يرى الحقيقة سلطة لا تُناقش، وآخر يراها تقليدًا يجب تمزيقه، وثالث يتأرجح بين الحنين والانعتاق. كل جيل يقرأ العالم وفق أدواته، وسياق تجربته، ولذا جاءت الحقيقة متغيرة في وعيها، ثابتة في جوهرها.
لو أن سيزيف أدرك الحقيقة، لربما لم يُغرق نفسه في دحرجة الصخرة، ولا جعل من العذاب طقسًا يوميًا يشبه العبادة. لم يرد أن يعرف الحقيقة بصوت مسموع (لا شيء سيتغير)، فجعل من الصخرة مهمة، ومن التيه رسالة، ومن التكرار بطولة وهمية. وهنا تكمن المفارقة: نحن كثيرًا ما نخلق الأعذار لا لننجو، بل لنختبئ خلفها، وفي تلك المسافة بين الجهد والجدوى، تولد أعظم كذبات الإنسان على نفسه.
ويتبادر إلى أذهاننا سؤال مدوٍّ: هل نحن نخون الحقيقة؟ وكيف؟ نخون الحقيقة حين نغض الطرف عمّا نعرفه، ونصمت حين يكون الكلام
مؤلمًا، ونخاف من عدم المغفرة. حين نسكت السؤال حين يولد، ونكسوه بأجوبة الآخرين. وفي عصرنا الرقمي صارت للحقيقة نكهة مفلترة، قابلة للتعديل، نعيش كل يوم على حقائق مصممة حسب مزاجنا، لا بحثًا عن حقيقتنا، بل لتأكيد رغباتنا. فأصبحت الحقيقة هشة، مبتذلة، مشكوكا فيها.
وآخر المطاف، الحقيقة ليست شيئًا نصل إليه، بل شيء نتكون من خلاله. ليست معلومة نعرفها، بل تجربة نمرّ بها. من نظر إليها بقلب مشوش، رأى زيفها، ومن اقترب منها بنقاء، رآها تشع.
أيّ مرآة للحقيقة كانت تُشبهك؟ هل رأيتها نورًا يحرّرك؟ أم نارًا تُخيفك؟
مشاهدة مرايا الحقيقـة بين الوهم واليقيـن
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ مرايا الحقيقـة بين الوهم واليقيـن قد تم نشرة ومتواجد على جريدة الرياض وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، مرايا الحقيقـة.. بين الوهم واليقيـن.
في الموقع ايضا :
- أمينة خليل تحتفل بزواجها من المصور أحمد زعتر في أجواء عائلية
- 9 صور جديدة من حفل زفاف أمينة خليل وأحمد زعتر بحضور النجوم
- عرض فيلم "ريستارت" في 10 محافظات بسينما الشعب