د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
إنما مصادر التشريع في دولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت واضحة وجلية من خلال أصول حكمه ومرجعيته التي استند عليها في أقواله وأفعاله وقراراته، قال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: "أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإن عصيتُ اللهَ ورسوله؛ فلا طاعة لي عليكم" (ابن كثير، 1988، 6/306)، فمصدر التَّشريع عند الصِّدِّيق:
أـ القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا*﴾ [النساء: 105].
فهو المصدر الأوَّل الذي يشتمل على جميع الأحكام الشرعيَّة، التي تتعلَّق بشؤون الحياة، كما يتضمَّن مبادئ أساسيَّة، وأحكاماً قاطعةً لإصلاح كلِّ شعبةٍ من شعب الحياة، كما بيَّن القران الكريم للمسلمين كلَّ ما يحتاجون إليه من أسسٍ تقوم عليها دولتُهم.
ب ـ السنَّة المطهَّرة:
هي المصدر الثاني الذي يستمدُّ منه الدُّستور الإسلاميُّ أصوله، ومن خلالها يمكن معرفة الصِّيغ التنفيذيَّة، والتطبيقيَّة لأحكام القران (أبو عيد، 1996، ص 152-153).
إنَّ دولة الصِّدِّيق خضعت للشريعة، وأصبحت سيادة الشريعة الإسلاميَّة فيها فوق كلِّ تشريعٍ، وفوق كلِّ قانونٍ، وأعطت لنا صورةً مضيئةً مشرقةً على أنَّ الدَّولة الإسلاميَّة دولة شريعة، خاضعة بكلِّ أجهزتها لأحكام هذه الشريعة، والحاكم فيها مقيد بأحكامها، لا يتقدَّم، ولا يتأخر عنها (الصلابي، ص 432).
ففي دولة الصِّدِّيق، وفي مجتمع الصَّحابة الشَّريعة فوق الجميع، يخضع لها الحاكم، والمحكـوم، ولهذا قيَّـد الصِّدِّيـق طاعتـه التي طلبهـا من الأمَّـة بطاعـة الله ورسـوله؛ لأنَّ رسول الله (ﷺ) قال: « لا طاعة في المعصية، إنَّما الطاعةُ في المعروف » (البخاريُّ، رقم: 7145).
3ـ حقُّ الأمَّة في مراقبة الحاكم، ومحاسبته:
قال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني.
فهذا الصِّدِّيق يقرُّ بحقِّ الأمَّة وأفرادها في الرَّقابة على أعماله، ومحاسبته عليها، بل وفي مقاومته لمنع كلِّ منكرٍ يرتكبه، وإلزامه بما يعتبرونه الطَّريق الصَّحيح، والسُّلوك الشَّرعيَّ (أبو عيد، 1996، ص 227)، وقد أقرَّ الصِّدِّيق في بداية خطابه للأمَّة: أن كل حاكم معرَّضٌ للخطأ، والمحاسبة، وأنَّه لا يستمدُّ سلطته من أيِّ امتيازٍ شخصيٍّ يجعل له أفضليَّةً على غيره؛ لأنَّ عهد الرِّسالات، والرسل المعصومين قد انتهى، وأنَّ اخر رسول كان يتلقَّى الوحي انتقل إلى جوار ربِّه، وقد كانت له سلطةٌ دينيَّةٌ مستمدَّةٌ من عصمته كنبيٍّ، ومن صفته كرسولٍ يتلقَّى التَّوجيه من السماء، ولكن هذه العصمة قد انتهت بوفاته (ﷺ)، وبعد وفاته (ﷺ) أصبح الحكم، والسُّلطة مستمدَّةً من عقد البيعة، وتفويض الأمَّة له (الشاوي، ص 441).
إنَّ الأمَّة في فقه أبي بكرٍ لها إدارةٌ حيَّةٌ واعيةٌ، لها القدرة على المناصرة، والمناصحة، والمتابعة، والتَّقويم، فالواجب على الرَّعيَّة نُصرة الإمام الحاكم بما أنزل الله، ومعاضدته، ومناصرته في أمور الدِّين، والجهاد، ومن نصرة الإمام ألا يُهان، ومن معاضدته أن يُحترم، وأن يُكرم، فقوامته على الأمَّة، وقيادتُه لها لإعلاء كلمة الله تستوجب إجلاله، وإكرامه، وتبجيله، إجلالاً، وإكراماً لشرع الله الذي ينافح عنه، ويدافع عنه . قال رسول الله (ﷺ): « إنَّ من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القران غير المغالي فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السُّلطان المقسط » (صحيح سنن أبي داود، رقم: 3504)، والأمَّة واجبٌ عليها أن تُناصح ولاة أمرها . قال (ﷺ): « الدِّين النصيحة » ـ ثلاثاً ـ قال الصَّحابة: لمن يراسل الله ؟ قال: « لله ـ عزَّ وجلَّ ـ ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامتهم » (مسلمٌ، كتاب الإيمان، باب أن الدِّين نصيحةٌ، رقم: 55).
ولقد استقرَّ في مفهوم الصَّحابة أنَّ بقاء الأمَّة على الاستقامة رهنٌ باستقامة وُلاتها، ولذلك كان من واجبات الرَّعية تجاه حكَّامهم نصحهم، وتقويمهم، ولقد أخذت الدَّولة الحديثة تلك السِّياسة الرائدة للصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وترجمت ذلك إلى لجان متخصِّصة ومجالس شوريَّة، تمد الحاكم بالخطط، وتزوِّده بالمعلومات، وتشير عليه بما يحسن أن يقرِّره، والشيء المحزن أن كثيراً من الدول الإسلاميَّة تعرض عن هذا النِّظام الحكيم، فَعِظَمُ مصيبتها في تسلُّط الحكام وجبروتهم، والتخلُّف الذي يعمُّ معظم ديار المسلمين ما هو إلا نتيجة لتسلُّط بغيض، (ودكتاتورية) لعينةٍ أماتت في الأمَّة روح التَّناصح، والشَّجاعة، وبذرت فيها وزرعت بها الجبن، والفزع إلا من رحم ربِّي، وأمّا الأمَّة التي تقوم بدورها في مراقبة الحاكم، ومناصحتهم، وتأخذ بأسباب القوَّة، والتَّمكين في الأرض؛ فتنطلق إلى افاق الدُّنيا تبلِّغ دعوة الله (الشاوي، ص 442).
المراجع:
1. الصلابي، علي محمد، فقهالنصر والتمكين في القرآن الكريم.
2. أبو عيد، عارف، (1996)، نظام الحكم في الإِسلام، دار النَّفائس، الأردن، الطَّبعة الأولى 1416هـ 1996م.
3. الشاوي، توفيق، (1992)، فقه الشُّورى والاستشارة، د. توفيق الشَّاوي، دار الوفاء بالمنصورة، الطَّبعة الثانية 1412هـ 1992م.
4. ابن كثير، أبو الفداء الحافظ الدمشقي، (1988)، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م.
مشاهدة مصدر الت شريع في دولة الص ديق رضي الله عنه
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ مصدر الت شريع في دولة الص ديق رضي الله عنه قد تم نشرة ومتواجد على ترك برس وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، مصدر التَّشريع في دولة الصِّديق رضي الله عنه.
في الموقع ايضا :
- رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي القليوبية 2025 بالاسم أو رقم الجلوس عبر الموقع الرسمي
- سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الأربعاء 25 يونيو 2025.. تحديث لحظي من البنوك
- جدول مباريات اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025.. مواجهات نارية في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة