النقد السلبي في الطفولة يجعل الشخص يميل إلى نزعة الكمال، والقول إنه بلا أخطاء، ولكن لغة أجسادهم تفضحهم، والعقد موجودة لديهم، وإن أخفوها بإطار زجاجي من الصلابة النفسية، وسيخفقون حتماً أمام أول اختبار يقيس قدرتهم على ضبط أعصـــــابهم، وتظهر شخصياتهم الانفعـــــالية سريعة الغضب والعدوانية..
أوضحت دراسة محلية نشرت عام 2017، أن 45 % من الأطفال السعوديين قد تعرضوا لشكل من أشكال الإيذاء والعنف في حياتهم، و12 % من هؤلاء كان التصرف يمارس عليهم بشكل دائم، والإساءات الكلامية أو العنف اللفظي، يصنفان باعتبارهما الأخطر في هذا الجانب، لأنهما يستمران مع الشخص طوال عمره، وفيهما تفسير لحالات الرهاب الاجتماعي، الذي يمثل سلوكا ملحوظا عند نسبة مرتفعة من مواطني المملكة، لأنه يأتي مؤطرا بالعــــادات والتقاليد، وبالسلوكيات المفروض السير عليها في المناسبات المختلفة، وفي مغامرة البحث عن المثالية المطلوبة، يحاول الشخص الابتعاد عن طاولة النقد والتشريح الاجتماعي، من قبل أبناء القبيلة أو العائلة، ولعل أكثر الإســــاءات اللفظية حضـــــورا في المشهد السعودي، تدخل من باب علـــوم المرجلــــة، وحسن التــــدبير للمرأة، والسناعة والذرابة، ولا بأس من استخدام الدين والرحم كعباءة لتجميلهــــــا، إذا لزم الأمـــــر، ومعها جملة من الألفاظ والتصرفات الجاهلية، التي لا تنفع إلا صاحبها أو "لابته"، وجماعة "تبطون ما تلقون فينا ولا عيب"، وتأتي من باب تسول المصادقة والاحتفاء المجتمعي.
الأصعب أن دراسة أميركية حذرت من ذلك، وقد تم نشرها في 2023، ورأت أن صراخ الكبار على الصغار، يفوق ضرر الاعتداء الجنسي والجسدي، وأنها يمكن أن تظهر في شكل اضطراب عقلي في المستقبل، وقد تدفع الأطفال لارتكاب الجرائم، أو تعاطي المخدرات، ومن يتعرضون لإساءات لفظية في مرحلة الطفولة، وتحديدا بعد سن الخامسة، لأنهم لا يعرفون المقصود بها قبل ذلك، وقد أوضحت دراسة أجرتها جامعة فلوريدا مؤخرا، وتناولت في موضوعها العنف اللفظـــي، أن توجيه السباب والشتائم للأطفال، يجعلهم معرضين للاكتئاب بمعدل الضعفين مقارنة بغيرهم، وقد تظهر عليهم سلوكيات معادية للمجتمع، وحتى تكسير ألعابهم التي يميلون إليها أمامهم، ومعها الإفراط في الانتقاد السلبي لهم، وفضفضة الأم والأب غير المقيدة للأبناء الصغار، فيما يخص تجاوزات أحدهم على الآخر، كلها تمثل إساءه وعنف لفظي عليهم، وتعبر عن شكل مرضي للعلاقة بين الأهل وأبنائهم.
منظمة الصحة العالمية، واستنادا لتقريرها في 2025، أشارت إلى أن الإهمال والإساءات اللفظية، تعتبر من أكثر صور الإساءة للأطفال انتشارا في العالم، وتمثل ما نسبته 54 % من الحالات المؤكدة للعنف ضدهم، ولاحظ المختصون أن الأطفال الذين يعانون من ضغط نفسي متواصل، بفعل التعنيف اللفظي، يصابون بأمراض مزمنة عند تقدمهم في العمر، كأمراض القلب والأورام، وقد تتطور لديهم متلازمة تعرف باسم الفايبرو أو التعب المزمن، وآلام صداع مزمنة، وآلام في المفاصل والعامود الفقري، وبالأخص في الرقبة، وعندما قامت دراسة أميركية نشرت في 2014، بتصوير أدمغة الأطفال المعنفين لفظيا، بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي، وجدت زيادة لديهم في المادة الرمادية، وخصوصا في المناطق المسؤولة عن السمع واللغة، ما يعني أن هذا النوع من العنف يؤثر في قدراتهم العقلية.
الإساءة اللفظية للأطفال من قبل الوالدين، قد تحولهم إلى شخصيات زائفة، وتولد لديهم الإحساس بضرورة إرضاء الآخرين، ولو على حساب ذواتهم، وقد يربطون الجدارة والاستحقاق بالكذب والنفاق، وإسماع الناس ما يرغبون في سماعه، وكأنهم يعملون في مكاتب لخدمة العملاء، أو أن يكون لديهم ما يسمونه بفوبيا الحميمية، والمعنى أنهم يضعون مساحة فاصلة بينهم وبين المحيطين بهم، ويسطحون علاقاتهم مع الآخر، لأنهم يعتقدون أن الناس إذا اقتربوا منهم سيكرهونهم، تماماً مثلما فعل والديهم، والشيء نفسه يحصل في مؤسسة الزوجية، وهو تصور مغلوط ومتوهم.
ليس هناك خطاب نفسي معقم وبلا أخطاء بين الوالدين وأبنائهم، وإن وجد فإنه مجرد تمثيل، فالعلاقة الوالدية ليست معسكر تدريب عسكريا، ولا يجب أن تكون، والمفروض أن لا تتحول مهام الوالدين إلى احتكار نرجسي أناني مشغول بالرغبة في الامتلاك، وبصناعة أبنـــاء يعــــانون من نقص فـي الثقة بالنفس، ويشعرون بالدونية وأنهم بلا قيمة، لأنهم أفهموهم أن النجاحات لا تحدث إلا نتيجــــــة لتدخلات الوالد أو الوالدة، وإذا اعتمد الطفل على قدراته وحدها فإنه سيفشل، وأطفال العـــوائل النرجسية، لا ينتجون ويقادون ولا يصلحون كقادة، وإن تظاهروا، ولا يعرفون الحدود ما بين الأمور الشخصية والعامة، ويوقعون من يثق بهم في إحراجات كثيرة وكارثية.
حتى السعوديين والسعوديات ممن يعتقدون أن شخصياتهم سوية، من الأجيال السابقة، رغم أنهم مروا بقسوة في التربية، هم في الواقع ليسوا كما يقولون، فالنقد السلبي في الطفولة، يجعل الشخص يميل إلى نزعة الكمال، والقول إنه بلا أخطاء، ولكن لغة أجسادهم تفضحهم، والعقد موجودة لديهم، وإن أخفوها بإطار زجاجي من الصلابة النفسية، وسيخفقون حتماً أمام أول اختبار يقيس قدرتهم على ضبط أعصـــــابهم، وتظهر شخصياتهم الانفعـــــالية وسريعة الغضب والعدوانية، والسابق يأتي من أزمات الطفولة مع الوالدين أو أحدهما، ولا بد أن يتعامل الوالدان بأريحية مع أخطائهم التربوية، ولا يتحسسون من الاعتذار المدروس، الذي يساعد أبناءهم في تكوين خبرات جيدة، تفيدهم في مواجهة تحديات الحياة.
مشاهدة تبطون هم بلا عيوب
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ تبطون هم بلا عيوب قد تم نشرة ومتواجد على جريدة الرياض وقد قام فريق التحرير في برس بي بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.
وختاما نتمنى ان نكون قد قدمنا لكم من موقع Pressbee تفاصيل ومعلومات، تبطون.. هم بلا عيوب.
في الموقع ايضا :