كاريكاتير
توقع بنك “جولدمان ساكس” أن يتكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر بمليارات الدولارات هذا العام، نتي...
يكون الطقس، الأحد، دافئا في أغلب المناطق، وحارا في الأغوار والبحر الميت والعقبة، مع ظهور ب...
تنص المادة 34 من قانون تنظيم إدارة المخلفات على أن تقوم وحدات الإدارة المتكاملة للمخلفات ا...
دمشق / الأناضول - (ا ف ب)- حذرت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها من السفر إلى سوريا...
طلب البرتغالى جوزيه بيسيرو، المدير الفني للفريق الأول لكرة القدم بنادى الزمالك ، تقريراً م...
الدول
مقالة
من “مِصر” إلى “نيهون”: حكايات وراء أسماء البلدان كما تُنطق بلغاتها الأم
تهامة المنسية بين نيران الحو ثي وإقصاء تكتل الأحزاب المناطقية.. كتب خالد خليل
مجتمع الصحافة
يونس الأزمي :
التحديات الجديدة للسلم والأمن الدوليين
من الأمور المتعارف عليها في العلاقات الدولیة أن مصادر قوة الدولة وأشكالها تتغیر، فإلى جانب القوة الصلبة متمثلة في القدرات العسكریة والاقتصادیة، تزاید الاهتمام بالأبعاد غیر المادیة للقوة، ومن ثم بروز القوة الناعمة التي تعتمد على جاذبیة النموذج والإقناع، ومع ثورة المعلومات ظهر شكل جدید من أشكال القوة هو القوة السیبرانیة التي لها تأثیر كبیر على المستوى الدولي والمحلي، فمن ناحیة أدت إلى توزيع وانتشار القوة بین عدد أكبر من الفاعلین ما جعل قدرة الدولة على السیطرة موضع شك، ومن ناحیة أخرى منحت الفاعلین الأصغر قدرةً أكبر على ممارسة كل من القوة الصلبة والقوة الناعمة عبر الفضاء السيبراني، وهو ما یعني تغیرات في علاقات القوى في السياسة الدولية.
لم تعد قوة الدول تُقاس بالمساحة وعدد السكان والثروة الطبيعية والقدرة العسكرية، وإنما باتت تتحدد بامتلاك وسائل العلوم والمعلومات والتكنولوجيا. فالقوة كمفهوم نسبي ومتغير لم يبق بذات المعنى التقليدي في الأدبيات الكلاسيكية أو كما كان سائدًا في النظام العالمي السابق، ومع ما درسناه قبل سنين في مقررات العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كتابات "هوبز" و"تريتشكا" و"ستيفن لوكس" و"هارولد لاسويل" و "مورتون كابلان" و "هانز مورغنثاو" و"كيسنجر"، هناك مؤشرات القوة والنفوذ للدول اليوم تبدو مختلفة بعد انتقال العالم من تقانات الثورة الصناعية إلى الثورة التكنولوجية المعلوماتية.
وضمن مجال الدراسات الأمنية النقدية، يمكن فهم دور الأمن السيبراني وهو ما تجلّى في أعمال مدرسة كوبنهاغن وروادها أمثال: باري بوزان (Barry (Buzan و أولي وييفر (O le Waever)، حيث اكتسبت أعمالهم أهمية كبرى خاصة عند التفكير في الأمن السيبراني؛ لأن تركيزهم لم يقم على محاولة موضوعية لتصنيف ما هو التهديد أو ما هي الثغرة الأمنية، بل ما هي الشروط أو الحالة الراهنة التي يجب أن تباشرها جهات فاعلة محددة من أجل إظهار فعل ما بأنه تهديد وهو ما يعرف بعملية الأمننة (the process of securitization) وهي الإجراء الذي يحدد من خلاله المنظرين ما ينبغي وما لا ينبغي تعريفه بأنه مشكلة أمنية (أي إضفاء الطابع الأمني على قضية معينة).
منذ عام 2007 ، تم نشر عدد من الدراسات المتعمقة والتي تعتمد على الأدبيات المفاهيمية والفرضية إلى حد كبير في التسعينيات حول أمن المعلومات وتطوره والتركيز على الأمن السيبراني. كانت هناك فجوة وتحول جديران بالملاحظة في الأدبيات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من شتنبر الإرهابية ، إلى أن أعادت الحوادث الإلكترونية البارزة في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إثارة الاهتمام والبحث العلمي حول الأمن السيبراني.
يركز العلماء في تخصص العلاقات الدولية ومجالاته الفرعية للدراسات الأمنية والدراسات الاستراتيجية بشكل متزايد على آثار التكنولوجيا على الأمن القومي والدولي. ويشمل ذلك دراسة تأثيره على المفاهيم ذات الصلة مثل السلطة والسيادة والحوكمة العالمية . وفي الوقت نفسه ، كان معنى الأمن السيبراني وأمن المعلومات محل جدل كبير. تتضمن التعريفات الواسعة للمفهوم مجموعة واسعة من التهديدات السيبرانية والمخاطر الإلكترونية ، بما في ذلك الحرب الإلكترونية ، والصراع السيبراني ، والإرهاب السيبراني ، والجرائم الإلكترونية ، والتجسس الإلكتروني بالإضافة إلى المحتوى السيبراني ، بينما تركز المفاهيم الأضيق على الجوانب التقنية المتعلقة بالشبكة وأمن الكمبيوتر.
يأخذ العلماء آثار التكنولوجيا على الأمن الدولي على محمل الجد بشكل متزايد ، لا يزالون يختلفون حول مستوى وطبيعة التهديد والاستجابات السياسية المناسبة التي ينبغي على الحكومات وأصحاب المصلحة الآخرين تبنيها. لدى الدول أيضًا وجهات نظر مختلفة جدًا بشأن الفضاء السيبراني واستخدامه المناسب ، مع قيام عدد متزايد بتطوير قدرات إلكترونية هجومية. أصبح الأمن السيبراني جزءًا لا يتجزأ من الدفاع الوطني للحكومات والسياسات والعقائد الخارجية والأمنية ، مما يساهم في بناء الأمن السيبراني كمجال جديد للحرب.
في عالم اليوم المتصل، يستفيد الجميع من برامج الدفاع الإلكتروني المتقدمة. على المستوى الفردي، يمكن أن يُسفر هجوم الأمن الإلكتروني عن الكثير من الأشياء، بدءًا من سرقة الهوية ومرورًا بمحاولات الابتزاز ووصولًا إلى فقدان البيانات المهمة مثل صور العائلة. يعتمد الجميع على بنية أساسية حيوية مثل محطات الطاقة والمستشفيات وشركات الخدمات المالية. وتأمين هذه المؤسسات وغيرها هو أمر ضروري للحفاظ على سير عمل المجتمع لدينا.
يمثل تنفيذ تدابير الأمن السيبراني تحديًا كبيرًا اليوم نظرًا لوجود عدد أجهزة يفوق أعداد الأشخاص كما أصبح المهاجمون أكثر ابتكارًا.
لا أحد ينكر أن الهجمات السيبرانية التي يواجهها المجتمع الدولي يوميا وتجري لأغراض «التجسس والتخريب والتلاعب" باتت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى على مدار السنوات الأخيرة، إذ عانت أنواع التكوينات الإلكترونية المختلفة والعديد من القطاعات الصناعية والمالية والاقتصادية من مجموعة كبيرة من الهجمات السيبرانية والتهديدات الإلكترونية، لا سيما مع جائحة كورونا وتغير نمط الحياة، بحيث أسفرت عن بعض النتائج المُدمرة.
من المعلوم أن الهجمات الإلكترونية مثل ( اﻟﻘرﺼﻨﺔ Piracy كأﺤد اﻷﺸﻛﺎل اﻟﺸﺎﺌﻌﺔ ﻟﺠراﺌم الإنترنت، واﻟﺠراﺌم اﻟﺴﯿﺒراﻨﯿﺔ اﻟﺘﻘﻠﯿدﯿﺔ Conventional cybercrime واﻟﺘﻬديدات اﻟﺴﯿﺒراﻨﯿﺔ للأﯿدوﻟوﺠﯿﺎ Cyber threats of ideology أصبحت بما لا يدع مجالا للشك العنوان الأبرز كأحد أهم العناصر المؤثرة في أوجه الصراع الدولي، بعد انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى المؤثرة إلى الشبكة العنكبوتية والوسط الرقمي.
فكثير من الدول وغير الدول تسعى للدخول لهذا الفضاء كساحة للصراعات الدولية، حيث يستطيع أحد أطراف الصراع أن يوقع خسائر فادحة ويتسبب في شل البنية المعلوماتية والاتصالية للطرف المستهدف عن طريق أسلحة وقدرات تكنولوجية وعسكرية كبرامج التجسس والفيروسات، وبالتالي أضحى المفهوم الجديد للأمن يدور في فلك الحفاظ على سلامة الدولة في ظل تلك التطورات التكنولوجية. ومن هنا أصبح الصراع الجديد يعنى بكل ما من شأنه التنافس والترابط التكنولوجي وارتباط شكله وأنماطه في عصر المعلومات بمعرفة من يعرف وأين ولماذا وكيف.
الأرقام المتعلقة بالأمن السيبراني مقلقة لا بل مفزعة، فمثلا حجم الخسائر التي يتكبدها العالم تقدّر بمليارات الدولارات سنويا جراء الهجمات الإلكترونية، بعض الأرقام تشير إلى حوالي 6 تريليونات دولار فقط في العام الجاري 2021، ويتوقع الخبراء بأن هذه الهجمات ستُكلّف العالم أكثر من 10 تريليونات دولار بحلول عام 2025.
توسعت الإنترنت بسرعة منذ تسويقها في منتصف التسعينيات. في أوائل القرن الحادي والعشرين ، يتمتع ثلث سكان العالم بإمكانية الوصول إلى التكنولوجيا ، ومن المتوقع أن يحصل 1.5 مليار آخر على إمكانية الوصول بحلول عام 2022. علاوة على ذلك ، سيؤدي "إنترنت الأشياء" إلى عدد كبير من الأجهزة التي يتم توصيلها بالشبكة. ونتيجة لذلك، زادت أيضًا الحوافز الاقتصادية والسياسية لاستغلال الشبكة لأغراض خبيثة، ووصل الأمن السيبراني إلى الاهتمام على مستوى رؤساء الدول. في موازاة ذلك ، تضاعفت المنشورات حول هذا الموضوع من قبل المؤسسات الأكاديمية والسياسة والصناعية والعسكرية.
فتوسع الإنترنت يعيد تشكيل الأشكال والقواعد التقليدية لصراعات القوة الدولية على نطاق أوسع ويفتح حقبة جديدة من الجغرافيا السياسية.
نحن على أعتاب الثورة الصناعية الخامسة القائمة على الذكاء الاصطناعي، لم يعد بإمكان أي دولة أن تقيس مكانتها كقوة إقليمية، أو دولية، بالاعتماد فقط على عوامل القوة التقليدية (الصلبة)، إذ باتت تحتم المعطيات امتلاك الدول للقوة السيبرانية، التي أزاحت العديد من عناصر القوة التقليدية من مكانها، حيث لم يعد امتلاك الدول للأموال، والثروات، والقدرات العسكرية والجغرافيا الشاسعة كافيا لبلورة دورها كقوة فاعلة ومؤثرة وذات نفوذ في السياسات العالمية
إن الثابت اليوم في العلاقات الدولية وتوازنات القوى أن الحرب الباردة والصراع السياسي والتجاري بين الأقطاب في العالم تحوّل إلى حرب سيبرانية صامتة، وقد تكون مدمرة في الأعوام المقبلة؛ من هنا بدأت دول العالَم، الواحدة تلو الأخرى، تستكشف الخيارات المتاحة لتعزيز قدراتها الهجومية في الفضاء السيبراني، وقد أعدت دول كثيرة عدتها للتحول إلى مرحلة جديدة لإعادة حساباتها ومراجعة أولوياتها حتى تكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع حروب المستقبل التي بالضرورة مبنية على مخرجات تكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي، وأضحى من يسيطر ويحكم قبضته على الفضاء الرقمي هو من يفوز بالرهانات المستقبلية.