كاريكاتير
توقع بنك “جولدمان ساكس” أن يتكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر بمليارات الدولارات هذا العام، نتي...
يكون الطقس، الأحد، دافئا في أغلب المناطق، وحارا في الأغوار والبحر الميت والعقبة، مع ظهور ب...
تنص المادة 34 من قانون تنظيم إدارة المخلفات على أن تقوم وحدات الإدارة المتكاملة للمخلفات ا...
دمشق / الأناضول - (ا ف ب)- حذرت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها من السفر إلى سوريا...
طلب البرتغالى جوزيه بيسيرو، المدير الفني للفريق الأول لكرة القدم بنادى الزمالك ، تقريراً م...
الدول
مقالة
من “مِصر” إلى “نيهون”: حكايات وراء أسماء البلدان كما تُنطق بلغاتها الأم
تهامة المنسية بين نيران الحو ثي وإقصاء تكتل الأحزاب المناطقية.. كتب خالد خليل
مجتمع الصحافة
أحمد أبوراشد :
تطورات الأزمة الأوكرانية
إن الأزمة الأوكرانية و تطورات الأزمة الأوكرانية ، كما يشير الخبراء في الشؤون الدولية، أظهرت المشكلات المتنوعة التي تؤدي إلى نزاعات بين الدول الكبرى، وخاصة النزاع بين روسيا وأميركا.
أحد المعلقين يقول: لا شكَّ أن روسيا دولة عظمى، وخاصة على الصعيد العسكري، لديها ثروات طبيعية وموارد ضخمة وهائلة، تؤهلها لشراكة فاعلة وقوية في النظام الدولي، لكن رغم ذلك فروسيا تحمل إرثاً ثقيلاً من المشكلات في أمنها القومي، وعلى حدودها، وصعوبات كبيرة في هيكلية اقتصادها في المنافسة العالمية.
مصادر مثل الطاقة والغاز والمعادن والسلاح والفوائض المالية التي تمتلكها روسيا ليست كافية، كما يعتقد المحللون؛ لتشكيل قوة موازية في وجه الغرب، لذلك تبدو أحداث أوكرانيا و تطورات الأزمة الأوكرانية وقبلها جورجيا وقبلها يوغوسلافيا بمنزلة أزمات يستخدمها الغرب داخل البيت الروسي، ومشكلات كيفما جرى حسمها عبئاً على دور روسيا.
ولكن على حد تعبير عدد من المحللين، روسيا ستدفع ثمن المخرج الدبلوماسي التفاوضي أو التصادمي وليس الغرب، من هنا يجري الربط بين الأزمة الأوكرانية ودور روسيا في سوريا و هو نتيجة النزاع بين روسيا وأميركا.
يرى الكرملين أن هناك حداً من المصالح الأمنية والإجراءات لا تستطيع روسيا التنازل عنها وقد اتخذتها في شبه جزيرة القرم ولديها مشروعية قانونية بسبب الحكم الذاتي للقرم وموقف السكان هناك، لكن ذلك، كما يرى عدد من المحللين، يختلف في عموم أوكرانيا الدولة المستقلة. ولو كانت تعددية وفيها جالية روسية ضخمة.
فأوكرانيا ، طبقاً للوثائق الروسية ، بلد متعدد الإثنيات والأعراق والأديان واللغات. وهو منقسم بين شرق يتكلم سكانه الروسية ويرون في روسيا بلدهم الأم، ويانوكوفيتش واحد من هؤلاء، وبين غرب يتكلم اللغة الأوكرانية ويدعو إلى الانضمام لأوروبا.
قال أحد المعلقين الروس : من الصعب تكهن ما ستؤول إليه الأمور. لكن وصول قادة متمسكين في المقام الأول بربط مستقبلهم بأوروبا وليس بروسيا، يعتبر مشكلة جدية للكرملين الذي يحلم ويسعى بإبقاء أوكرانيا في فلك روسيا.وستكون مهمة روسيا العاجلة هي محاولة منع أوكرانيا من الانضمام لمؤسسات غربية اقتصادية وأمنية مثل الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتوالعسكري، من أجل الابقاء عليها في "منطقة عازلة" دون الانتماء للغرب أو الشرق ، فان أوكرانيا تعد منطقة عازلة بين روسيا ودول أوروبا الشرقية ، التي انضمت الى حلف الناتو العسكري .
ترى روسيا – كما يشير الخبراء في الشؤون الدولية - الى أوكرانيا على أنها دولة، ضمن أهم ثلاث دول ، حصلت على استقلالها بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق: بيلاروسيا وأوكرانيا وكازاخستان ، وتشكل هذه الدول المجاورة لروسيا المجال الحيوي الضروري لأمنها واقتصادها، ويرى عدد كبير من المحللين، أن الصراع الدائر في سوريا والأزمة الأوكرانية التي تعتبر حلقة تضارب المصالح بين روسيا والغرب وحلقة النزاع بين روسيا وأميركا ،لا يمكن فصله عن بعضه البعض، وأن الصراع في هاتين الدولتين يشكل حربًا بالوكالة بين هذين المحورين مع تصاعد المواجهة الحادة بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من جهة أخرى . وهذه الحرب تندرج في إطار سعي موسكو للعودة لدور الدولة العظمى على الساحة العالمية ، وإلى بناء عالم متعدد الأقطاب بدلاً من عالم القطب الواحد.
لكن بعض المحليين يرون أن السبب الرئيس للأزمة الأوكرانية ،هو استمرار محاولات الدول الغربية التي بدأت إثر انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لفك ارتباط أوكرانيا بالاتحاد الروسي، ودفعها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عبر توقيع اتفاق الشراكة معه، ومن ثم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي، وجعلها قاعدة له، لإقامة قواعد للدرع الصاروخي فوق أراضيها.
إستناداً للتقارير الروسية ، تملك روسيا حدودًا طويلة مع أوكرانيا، وموسكو لا تبعد عن الحدود الأوكرانية أكثر من 480 كلم، ولهذا فان سيطرة الغرب على هذا البلد تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن عاصمة روسيا، لا يمكن أن تسمح به موسكو .
وتعتبر أوكرانيا البوابة الأخطر في تاريخ روسيا، حيث تملك روسيا جغرافيا ثلاث بوابات على العالم الخارجي، آسيا الوسطى، القوقاز، والباب الثالث والخطير هو الباب الأوكراني .
كما تعتبر روسيا أوكرانيا بلدا استراتيجيا لروسيا من الناحية العسكرية باعتباره بلدا عازلا بينها وبين دول حلف الناتو، واحتلالها لشرق أوكرانيا هو تمهيد لخوض أي حرب برية ضد الناتو على الأرض الأوكرانية، التي تعتبر في النهاية خط الدفاع الأول بالنسبة لروسيا، والأرض التي ستسهم في الحفاظ على سلامة العمق الروسي، أما من الناحية البحرية، فهي موطن أسطول البحر الأسود الروسي، المرابض في مدينة سيفاستوبول التي يسميها الروس مدينة "المجد الروسي"؛ لهذا ضمت جزيرة القرم. ولم يقف ضم القرم عند هذا الهدف، كما يقول المحللون ، بل إن لروسيا ثلاثة أهداف أخرى من ضم القرم ، هي، أولاً: جعل القرم وسيلة لتحجيم أي دور جورجي ضدها، وتسهيل مهمة تحقيق أي انتصار عسكري في أي حرب مستقبلية ضد جورجيا، والثاني هو العودة إلى البحر الأبيض المتوسط، الثالث: منع انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الناتو؛ بالتالي فالقرم في الخريطة الخارجية لروسيا هو الضامن لاستقرار جنوب روسيا، وهو المؤثر على سياساتها الخارجية خاصة على الدول المطلة على البحر الأسود كتركيا ورومانيا وبلغاريا وجورجيا.
ولم يكن الخطر القادم من العالم الخارجي عبر أوكرانيا هو السبب الوحيد الذي جعل روسيا تصر على التمسك بأوكرانيا، بل إن الروس يدركون أن موقعهم الذي يتميز بغياب ممرات مائية -روسيا من دول اليابسة التي لا تملك منافذ بحرية-، ومن يملك المرابض المائية يمكنه التحكم في حركة التجارة العالمية، وبما أن جنوب أوكرانيا يطل على المياه الدافئة -ساحل البحر الأسود-، والتي تتصل في نهايتها بمضيق البوسفور، فإن الروس جعلوا من السيطرة على أوكرانيا أولوية مقدمة في سياستهم الخارجية، فأوكرانيا هي التي تضمن لهم إمكانية تصدير السلع التجارية الروسية، وتحقيق الأمن الاقتصادي.
أما الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يرى في أوكرانيا الأرض التي من خلالها يمكن نقل النموذج الغربي إلى روسيا ومن ورائها القوقاز وآسيا الوسطى، من أجل التمهيد الفعلي للسيطرة على الخيرات العظيمة التي تحويها آراضي ما يعرف في الغرب بأوراسيا الأطلسية حيث تتوفر مناطق آسيا الوسطى لوحدها على أكثر من 34 % بالمئة من احتياطي الطاقة العالمية.
إن نظر الولايات المتحدة الأمريكية لا يتوقف عند حدود أوكرانيا أو القوقاز، ولكنه يرى أن أوكرانيا هي مفتاح السيطرة على طريق الحرير، الذي يعتبر مؤشر السيطرة الحقيقية على العالم، أي أن السيطرة على الأراضي الواقعة ما بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية مرورا بالقوقاز وآسيا الوسطى وصولا إلى الهند والصين، إنما يمر عبر السيطرة على أوكرانيا، ومنافذها البحرية.
كما يدرك الأمريكيون أن الوقوف في وجه المشروع الأوراسي الروسي، يتحقق بضم أوكرانيا إلى الفضاء الغربي؛ لأن روسيا دون أوكرانيا عرجاء، ومشروعها ميت كما يقول منظر الكرملين ألكسندر دوغين، والذي دعا صراحة إلى احتلال أوكرانيا باعتبارها الجزء الأهم في مشروع أوراسيا الروسي؛ لأن فقدان أوكرانيا يعني أن الخاصرة الرخوة لروسيا ستُفقدها السيطرة على أغلب المقدرات الموجودة في أوراسيا، فالمناطق من أوكرانيا إلى كازاخستان تعتبر السلة الغذائية للعالم، خاصة أنها تسيطر على إنتاج القمح، كما تحوي أوكرانيا لوحدها ، استناداً للمصادر الروسية ،على 40 % بالمئة من التربة السوداء على مستوى العالم، وتحوي دول آسيا الوسطى وأوكرانيا والقوقاز على 10 ملايين كم من الأنهار، مع مخزون هائل من الغاز والنفط.
وبضم روسيا للقرم، وجعل شرقها مضطربا انتهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قناعة شبه نهائية وهي أن روسيا لا يمكن أن تكون شريكا موثوقا لأمريكا، وأن روسيا تظل منافسا هاما لأمريكا، وهذا ما يفسر الدعم الأمريكي المستمر لأوكرانيا.
وهو ما تجد فيه روسيا تهديدا لأمنها ووسيلة للعمل على إثارة التناقضات داخلها لتفكيك الاتحاد الروسي، بعد أن نجحت سابقا محاولات تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق.
وبالتالي تخشى روسيا استخدام أوكرانيا لدفعها إلى تقديم التنازلات في بعض الملفات الدولية لمصلحة السياسية الأمريكية والغربية، بما يخدم إعادة انتاج الهيمنة الأمريكية وتكريسها، وتقويض الجهود الروسية التي نجحت حتى الآن في أضعاف هذه الهيمنة، ودفعت أمريكا إلى الجلوس الى الطاولة والتفاهم معها لإيجاد الحلول للعديد من الملفات الساخنة.
وهكذا يبدو أن الصراع المحتدم بين القوى التقليدية الكبرى اليوم على أراض أوكرانيا، بلا شك يدل دلالة واضحة على عودة العالم إلى زمن الحرب الباردة في ظل ظروف مختلفة وتشابك دولي، يذكر بالنزاعات غير المباشرة التي خاضها القطبان خلال تلك الحرب ومحاولة كل منهما ترجيح كفة حليفه
ويرى البعض الآخر من المحللين وعلماء السياسة الروس ، أن الغرب يسعى إلى فتح جبهة جديدة في مواجهة روسيا بهدف اشغالها وممارسة الضغط عليها، فهذا من ضمن لعبة الشطرنج الكبرى على المسرح العالمي، لدفعها إلى القبول بمقايضة أوكرانيا بملفات أخرى في العالم، وخاصة ، في الملف السوري.
تشكل أوكرانيا الممر الاقتصادي والبوابة الروسية الجنوبية الرئيسة نحو أوروبا لمرور أنابيب الغاز الروسي والبضائع والسلع الروسية إليها.
حيث تتصارع إرادات الدول الكبرى على النفوذ والموارد والمصالح، وتتشابك مع ما يجري في سوريا والعراق والخليج ومصر والقارة الأفريقية، وحتى شرقي أسيا والمحيط الهادئ وصولا إلى فنزويلا في أميركا الجنوبية.
تأتي هذه اللعبة في سياق الصراع على النفوذ، والسيطرة على موارد الطاقة في العالم، وعلى اسعارها وطرق امدادها إلى أوروبا والغرب.
لقد دلت الأحداث الأخيرة والمتسارعة في أوكرانيا، أن روسيا والغرب يتحاشيان الوصول إلى الصدام المباشر، كذلك لم تظهر روسيا، والتي تمتلك كثرة من الأوراق الرابحة في الأزمة، نيتها في التدخل العسكري المباشر في أوكرانيا لحماية الروس أو الناطقين بالروسية فيها والمؤيدين لها، وإن كانت تلوح به كخيار أخير..
تعتبر روسيا ما حدث تهديدا لوجودها، وستتخذ ما يلزم لمنع حدوثه.
أضف إلى ما سبق، الخوف من فقدان القاعدة البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم، التي تمنح الأسطول الروسي في البحر الأسود مدخلا للبحر المتوسط .
ويقول الخبراء : هناك عامل آخر للخوف يحرك حملة الكرملين ضد ثورة أوكرانيا، يتمثل في امتداد الثورة إلى روسيا.
فنجاح ثورة على حدودها قد يشجع مجموعات المعارضة داخل روسيا نفسها،ويعمق إيمانهم بقدرة حشود المتظاهرين على النجاح في مواجهة السلطة الحاكمة في روسيا.
لذلك كانت الاستجابة السريعة من روسيا على الأرض في القرم .
يعتبر محللون غربيون ، أن أوكرانيا هي التي تصنع صورة روسيا كقوة عظمى أو هي التي تكسر هذه الصورة، ويضيفون أن روسيا من دون أوكرانيا هي مجرد بلد بينما روسيا مع أوكرانيا هي إمبراطورية.
فالغرب -برأي البعض من المعلقين الروس- يريد أن يقطف من خلال هذه الأزمة مكاسب وتنازلات أو على الأقل يعمل للحد من الاندفاعية الدولية الروسية والحضور المستجد والصاعد، ويشكل ذلك مدخلاً لفتح المزيد من ملفات الخلاف وسياسات النزاع.
مع تصاعد وتيرة العنف في جنوب وشرق أوكرانيا، وغياب أي حل في الأفق القريب، أصبحت أزمة أوكرانيا الصراع السياسي الأكثر عنفاً واضطراباً.
استراتيجية العقوبات التي تقودها أميركا لن تنجح من التخفيف من تصاعد حدة التوترات بين الغرب وروسيا أو دعم الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب .
ولكي تتمكن روسيا -برأي البعض من الخبراء- من تشكيل كتلة أو حلف متماسك قادر على مجابهة النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، فإنها تحتاج إلى أصدقاء أقوياء، وهذا ما تفتقر إليه بشدة.
إن الدولة الوحيدة التي قد تميل الميزان، كما يعتقد عدد من علماء السياسة الروس، هي الصين، ولكن الصينيين -برأي البعض الآخر من المحللين الغربيين- أثبتوا أنهم غير مستعدين -حفاظاً على مصالحهم- للوقوف مع أي من المعسكرين، فهي من الممكن أن تستفيد من المزيد من المشتريات من صادرات الطاقة الروسية، فضلاً عن الفرص الجديدة التي يوفرها امتناع الشركات الغربية بشكل متزايد من مزاولة أعمال التجارة في روسيا.
د. أحمد أبوراشد- إعلامي فلسطيني